اليمن نحو كارثة: أطراف الصراع تسرّع انتشار كورونا

اليمن نحو كارثة: أطراف الصراع تسرّع انتشار كورونا

09 مايو 2020
الجانب الاقتصادي ساهم بتفاقم مأساة اليمنيين (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -


على الرغم من أن وباء كورونا لا يزال في بدايات ظهوره في اليمن، إلا أن المخاوف كبيرة من خروجه عن السيطرة وتحوّله لكارثة إنسانية، في ظل رفض اعتراف الأطراف المسيطرة بحقيقة الوضع وخداع اليمنيين، أكان من قبل الحوثيين في الشمال، أو الانفصاليين في "المجلس الانتقالي الجنوبي" جنوباً، ولا سيما في عدن، فيما تغيب الحكومة عن القيام بأي دور ولو توعوي. يضاف إلى ذلك الصراعات المسلحة المتواصلة في أكثر من منطقة، وآخرها سقطرى، وتهريب الأدوية والمستلزمات الطبية إلى خارج البلاد، وانقطاع رواتب اليمنيين، ما يدفعهم للمخاطرة والخروج بحثاً عن لقمة العيش.

ويبدو أن أزمة كورونا في الجنوب اليمني، تتجه للخروج عن السيطرة، وسط فشل "المجلس الانتقالي"، الذي أعلن "الإدارة الذاتية" للجنوب، وخلفه التحالف السعودي الإماراتي، في وقف الانهيار، بقدر محاولته إبعاد الأنظار عن كارثة عدن، بافتعال أزمات في جزيرة سقطرى، وسط توجه لتسليم ملف مواجهة كورونا إلى منظمات دولية، مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود، التي تسلمت مستشفى الأمل الذي كانت الحكومة الشرعية قد أعلنته مركز حجر صحي قبيل إعلان "الإدارة الذاتية". شمالاً أيضاً، تؤكد الوقائع وجود أعداد كبيرة من المصابين بفيروس كورونا في مناطق سيطرة الحوثيين، فيما يرفض الحوثيون الكشف عن ذلك، مضللين الناس بالحديث عن أن الإصابات والوفيات هي بسبب أمراض أخرى.

خبير في الوبائيات في محافظة إب، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، فضّل عدم ذكر اسمه، قال، لـ"العربي الجديد"، إن الشعب اليمني تعرض لتضليل وخداع من قبل الحوثيين في الشمال و"الانتقالي" في الجنوب، في ظل غياب شبه تام لأي دور للحكومة في تبني برامج توعوية للشعب تشرح لهم حقيقة وجود هذا الوباء، وعدم تركه لمن يخدعه. وأكد وجود أعداد كبيرة من المصابين بفيروس كورونا في مناطق سيطرة الحوثيين، مشيراً إلى أنه يعرف الكثير من الأشخاص المصابين، لكن الحوثيين يرفضون الكشف عن ذلك، وهذا بمثابة تضليل وخداع الناس، ويُعد من أبرز عوامل هذا الانفجار الكبير في الإصابات، وفق قوله.

ولا تخفي المنظمات الدولية، التي تعنى بمجال الصحة، خوفها وقلقها البالغين، من أن اليمن قد يشهد أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، مع انتشار جائحة كورونا، لا سيما بعد حديث منظمة الصحة العالمية بأن عشرة إلى 16 مليون يمني قد يصابون بالوباء. وهي مخاوف موجودة أيضاً داخل الحكومة اليمنية نفسها، وفق مسؤولين حكوميين ومدراء مكاتب صحة ومسؤولي سلطات محلية في عدن ولحج وأبين والضالع، في أحاديث لـ"العربي الجديد". وحذر هؤلاء من أن الوضع يخرج عن السيطرة، وأن الأعداد المعلنة للمصابين قليلة جداً مقارنة بحقيقة وسرعة انتشار الوباء، مضيفين أنهم كمسؤولين لم يعودوا قادرين على خدمة الناس بعد سيطرة "الانتقالي" على عدن وطرد الحكومة وتعطيل مؤسسات الدولة ومرافقها الحكومية، ونهب الإيرادات، ومحاولة إجبار المنظمات الدولية على التعامل معه وتسليمه المساعدات، وتحييد المكاتب الصحية، وخبراء الوبائيات، على الرغم من محاولة التواصل مع اللجنة الصحية في "الانتقالي" لتنسيق الجهود، لكن من دون جدوى.


وأجمع هؤلاء المسؤولون على أن الوضع بات خارج السيطرة، والفترة المقبلة ستكون مؤلمة، مطالبين بسرعة تسليم ملف مواجهة كورونا إلى المنظمات الدولية. وعلى الرغم من تحفظ أحد المسؤولين على ذلك، إلا أن الآخرين يرون أنه الخيار الأفضل لإنقاذ الناس، وتوفير ولو جزء يسير من الاحتياجات الطبية من أدوية ومعدات، بما فيها وسائل السلامة للطواقم الطبية في المستشفيات الحكومية.

من جهته، قال الطبيب في مجال الوبائيات، مهدي إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إن اليمن يدخل مرحلة بالغة الخطورة، وقد يشهد فعلاً أسوأ أزمة إنسانية في تاريخه، بعد انتشار وباء كورونا، نظراً لعدد من العوامل المرتبطة، والتي لا تختلف في خطورتها عن بعضها البعض، في مقدمتها أن إصابة الشخص لا تظهر فوراً بل بعد فترة، وقد يكون المصاب قد نقل العدوى لآخرين. وما يزيد الأمر سوءاً، هو أن الناس غير مقتنعين بفكرة وجود كورونا ويضعونه في خانة التجاذبات بين "الانتقالي" والشرعية، وسعي كل منهما للحصول على مبالغ، إضافة إلى عدم وجود برامج توعية حقيقية وطنية في كل مناطق اليمن، تشرح للناس خطورة هذا الوباء، وكل ذلك لغياب وجود الدولة الحقيقية.

وأضاف إبراهيم أن انتشار كورونا في اليمن، لا سيما في عدن، جاء في وقت تعيش فيه المدينة أسوأ أزماتها، مع وجود أوبئة أخرى قاتلة، مثل الملاريا وحمى الضنك، وبعضها يتشابه بأعراضه مع الوباء، إضافة إلى الصراع بين الحكومة و"الانتقالي"، الذي أدى إلى تدمير الخدمات في عدن، وفي ظل غياب طرف يتحمّل المسؤولية الوطنية، لا سيما بعد طرد الحكومة، من قبل "الانتقالي" والإمارات، وعدم وجود رؤية واضحة لهؤلاء لمواجهة هذا الوباء. وأكد الخبير الوبائي أن من ضمن العوامل الخطيرة أن الوضع قد خرج عن السيطرة، ومع ذلك لا يزال الكثير من الناس غير مصدقين بوجود هذا الوباء، ليس في عدن فقط بل في كل مناطق اليمن. كما أن المستشفيات غير مجهزة بمعدات أو وسائل وقاية، لترتفع حالات الوفيات والإصابات، لا سيما مع رفض المستشفيات الحكومية، أو الخاصة، استقبال أي حالات لديها أعراض كورونا، وترك المصابين يموتون في منازلهم، وبلا أي وسائل وقاية، خصوصاً في ظل انسحاب أغلب الكوادر الطبية من المستشفيات بسبب عدم توفير وسائل الحماية لها، وارتفاع الإصابات والوفيات بين الأطباء والممرضين أنفسهم بسبب الجائحة.

ولفت إبراهيم إلى أن الأخطاء التي تم ارتكابها من قبل المسيطرين على عدن، هو أنهم لم يتحملوا المسؤولية مطلقاً، فبدل اتخاذ إجراءات لمواجهة هذا الوباء، كانوا يخدعون الناس بالحديث عن عدم وجود كورونا في عدن، والادعاء أن الوفيات المتصاعدة يومياً سببها أوبئة الملاريا وحمى الضنك. كما أنهم حاولوا تضليل الناس بذلك، ومنعوا نشر أي تفاصيل عن أسباب الوفيات، حتى خرج أطباء وممرضون ومرضى عن صمتهم، وبدأ الناس والنشطاء وأهالي عدن يشنون حملات إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي يطالبون بتسليم ملف مواجهة الوباء للمنظمات الدولية ويحمّلون "الانتقالي" الكارثة التي تعيشها عدن.

من جهته، قال الباحث الاقتصادي خليل زياد، لـ"العربي الجديد"، إن الجانب الاقتصادي أحد العوامل في تفاقم مأساة اليمنيين مع انتشار الجائحة، إذ إن المواطنين، في كل المناطق، يمرون بأزمة كبيرة، بسبب انقطاع الرواتب وإفلاس الشركات وتوقف الأعمال، وتوقف تحويلات المغتربين. وأشار إلى أنه مع انتشار كورونا، كان متوسط دخل أغلب اليمنيين في اليوم أقل من دولارين، وأغلبهم يعتمدون على الأجر اليومي، الذي لا يكفي حتى لتغطية توفير متطلبات اليوم نفسه، لذا فإن التزام الناس بالحجر الصحي في منازلهم، غير وارد، وغير ممكن، لأنهم سيموتون من الجوع، لذلك يرفضون البقاء في المنازل، ويخرجون للبحث عن لقمة العيش لإعالة الأسر، ومن هنا يواجهون خطر الإصابة بالفيروس. وأوضح أن هناك عوامل أخرى، منها تهريب الأدوية إلى خارج اليمن وبيعها بأسعار مرتفعة، فضلاً عن إخفائها وبيع الأدوية المزورة، وارتفاع أسعار الأدوية والأجهزة الطبية بشكل جنوني، في ظل الحرب واستمرار الحوثيين بالتحشيد وإشعال الحروب وغياب الدولة، فضلاً عن تمردات "الانتقالي" في سقطرى ومناطق أخرى، وكلها عوامل تدفع اليمن نحو أسوأ أزمة إنسانية في العالم.