مجلس الأمن وكورونا: الخلاف الأميركي-الصيني يفاقم الشلل

مجلس الأمن وكورونا: الخلاف الأميركي-الصيني يفاقم الشلل

08 مايو 2020
أدّت الخلافات إلى شلل مجلس الأمن إزاء تفشي كورونا(Getty)
+ الخط -
لم يحدد مجلس الأمن الدولي رسمياً موعداً لجلسة خاصة لنقاش مكافحة وباء كورونا في برنامجه الرسمي للشهر الحالي، الذي صادق عليه أخيراً. مع ذلك، فإنه من المتوقع أن يعقد خلال الأيام المقبلة جلسة، بطلب من إحدى الدول الأعضاء، للتصويت على مشروع قرار تونسي - فرنسي تدور حوله نقاشات محبطة، كما وصفها بعض السفراء، من بينهم سفير إستونيا ورئيس مجلس الأمن للشهر الحالي سفين يورغينسون. فالخلافات بين الولايات المتحدة والصين سياسية أكثر من كونها حول الصياغة، أو اللغة، كما قال سفير تونس لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن قيس قبطني، في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد" في نيويورك نشرت أخيراً. وأبرزها، منظمة الصحة العالمية، ورفع أو تجميد العقوبات الأممية على الدول، لتتمكن من مكافحة انتشار الوباء بشكل أفضل. وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في أكثر من مناسبة خلال الأسابيع الماضية، إلى أن مكافحة الوباء وتبعاته يجب أن تشمل القطاعين الاقتصادي والاجتماعي كذلك، وليس الصحي فقط، وأنه من الضروري أن تأتي جميعها في إطار وتعاون وقيادة دولية.

تؤدّي أميركا عادة هذا الدور باعتبارها الأقوى. ففي عام 2008، عندما عصفت أزمة العقارات والبنوك بالولايات المتحدة، وانتشرت حول العالم، أخذت واشنطن دوراً قيادياً، بغض النظر عن إشكالياته. وعقد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن آنذاك مؤتمراً لقادة مجموعة العشرين، بحضور الأمين العام الأسبق بان كي مون. واتفق القادة على حزمة من الخطوات، تلتها اجتماعات تنسيقية أخرى. لكن ثلاث سنوات من حكم الرئيس دونالد ترامب خلخلت نظام التعددية الدولية، وتركت الساحة الدولية لانقسامات، تتعلّق بتسييس قضية سبل مكافحة الوباء. تتضح هذه الانقسامات في الشلل المستمر لمجلس الأمن إزاء تفشي الوباء، الذي يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، مثلما حذر غوتيريس، خلال الجلسة الرسمية الوحيدة التي عقدها المجلس حتى الآن لنقاش انتشار الوباء ومكافحته في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي. وتبنّى المجلس في تلك الجلسة بياناً باهتاً. وكان واضحاً أن الخلاف بين الصين والولايات المتحدة أحد الأسباب الرئيسية لذلك الشلل.

وبدأت الدول العشر غير دائمة العضوية بالتحرك، واتفقت على مشروع قرار تونسي، ومن ثم بدأت تتفاوض مع الدول الخمس دائمة العضوية، وتحديداً فرنسا، التي كانت تعمل على مشروع قرار خاص بها. واتفقت الدول العشر على فقرة تؤكد خصوصاً دور منظمة الصحة العالمية، ومنظمات الأمم المتحدة عامة، في العمل على مكافحة الفيروس، والوصول إلى المجتمعات في الدول الفقيرة والنامية ومناطق النزاعات. كذلك تؤكّد دعم مجهوداتها ودورها في تنسيق الجهود الدولية للتوصل إلى لقاح وأدوية يكونان متاحين للجميع بأسعار معقولة، وبدعم للدول الفقيرة.
لكن الخلافات بين الصين والولايات المتحدة حول منظمة الصحة العالمية، حيث تريد الأولى ذكرها في القرار، بينما تريد الثانية تهميشها، هي أكبر من مجرد انتقادات لأداء المنظمة والاختلاف حول دورها وحجمه. فترامب، الذي أصبحت بلاده بؤرة الوباء في العالم، يشنّ حرباً على المنظمة الدولية للتستر على الأخطاء الجذرية التي ارتكبتها إدارته والتأخر المستمر في التعامل مع تبعات الجائحة، التي يدفع ثمنها فقراء أميركا والأقليات والكبار بالسن، إذ يسجّل بينهم أكبر عدد من الإصابات والوفيات. وكانت الخلافات بين بكين وواشنطن قد بدأت حول مشروع القرار، عندما أصرت الأخيرة على ذكر الصين كمصدر للوباء، وهو ما رفضته بكين. وبعد تخطي تلك العقبة، وتوقف الولايات المتحدة عن إصرارها على ذلك، انتقل الصراع، نظرياً، إلى خارج مجلس الأمن. ووجهت إدارة ترامب سهامها ضد منظمة الصحة العالمية، وقطعت عن برامجها مئات الملايين من الدولارات، لتعود المعركة مجدداً إلى داخل مجلس الأمن، وتتجلى في صيغة المسودة والخلاف حول ذكر المنظمة ودورها من عدمه.

وأخرج عجز مجلس الأمن عن التحرك بشكل سريع غوتيريس عن صمته، فوجّه انتقادات واضحة إلى دول كبيرة، وعلى رأسها أميركا والصين، من دون أن يسميهما بالاسم. ووصف، خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي قدّم فيه أهم المستجدات حول دعوته إلى وقف إطلاق النار، والتي يدعمها مشروع القرار، وأهميتها لجهود مكافحة الوباء على المستوى الدولي، مجلس الأمن بأنه شبه معطل، ما يجعل عمله والتنسيق والتعاون الدولي صعبين. وأكد الحاجة الملحة إلى توحّد الدول لمواجهة الجائحة، ومعها التحديات المتعلّقة بالأمن والسلم الدوليين. وحول غياب القيادة الدولية، قال غوتيريس إن "المجتمع الدولي منقسم على ذاته، في ظل غياب قيادة دولية توحّده في مواجهة انتشار خطر الوباء". ولفت إلى غياب التضامن الكافي مع الدول النامية، على مستويات عدة، لدعمها طبياً واقتصادياً واجتماعياً لمكافحة الوباء.

وتجرى المفاوضات حول الفقرة الخاصة بمنظمة الصحة العالمية بين الدول الخمس دائمة العضوية، في حين حسمت الدول العشر الباقية أمرها ودعمتها. نظرياً، يمكن أن تقرر كل من تونس وفرنسا، الدولتين اللتين صاغتا مشروع القرار، إسقاط تلك الفقرة، لكن هذا الأمر قد يجابه باعتراضات من الصين وروسيا. ويدعم المشروع نداء غوتيريس لوقف إطلاق النار حول العالم من أجل توحيد الجهود الدولية لمكافحة الوباء، وتمكن المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة من تقديم المساعدات الإنسانية والطبية بشكل آمنٍ ومستدامٍ من دون عائق. ويطلب من الأمين العام أن يقدّم تقريراً دورياً. ويتعامل مشروع القرار مع أثر الوباء السلبي غير المتناسب على الفتيات والنساء والأطفال، كما اللاجئين والمشردين والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة. ويأخذ بعين الاعتبار توصيات الأمين العام كذلك حول مشاركة أوسع للنساء والشباب في صنع القرار ومكافحة الوباء.

غياب الولايات المتحدة، ومحاولتها خلق نظام موازٍ تقوده هي بدلاً من الأمم المتحدة، جعلا بعض الدول تحاول البحث عن طرق بديلة لدعم النظام الدولي متعدّد الأطراف. في هذا السياق، يمكن النظر إلى القمة التي عقدتها دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، بمشاركة غوتيريس وغياب أميركا وروسيا، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الإثنين، وتم خلالها جمع تبرعات بنحو 8.2 مليارات دولار لدعم الجهود الدولية للبحث عن اللقاح، بمساعدة من منظمة الصحة العالمية. وتعتبر هذه دفعة أولى لتمويل الخطوات الأولى للعثور على لقاح وأدوية وإجراء بحوث حول المرض وانتشاره. وأشار غوتيريس إلى أن توفير اللقاح، إن تم التوصل إليه، لكي يكون متاحاً للجميع، قد يتطلب خمسة أضعاف هذا المبلغ. يأتي هذا في الوقت الذي سجل فيه العالم أكثر من 3.5 ملايين إصابة، و247 ألف وفاة، 67 ألفاً منها في الولايات المتحدة. ومن هنا من المهم أن يتبنّى المجلس قراراً حول كورونا، بل أن يشمل هذا القرار إشارة إلى ضرورة أن تنسق الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية المجهودات الدولية، لأنها أوجدت قبل 70 سنة لهذه الأسباب. وكانت الولايات المتحدة واحدة من الدول الرئيسية التي أسستها، واليوم تحاول سياسات ترامب تدميرها.

المساهمون