العراق: استنفار أمني لمواجهة استفاقة "داعش"

العراق: استنفار أمني لمواجهة استفاقة "داعش"

05 مايو 2020
بدأت هجمات "داعش" منذ 8 إبريل الماضي(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تسعى القوات العراقية، بالتزامن مع عملياتها العسكرية التي أطلقتها رداً على تزايد هجمات تنظيم "داعش"، أخيراً في المناطق الشمالية والشرقية والغربية من العراق، إلى فهم سبب تصاعد تلك الهجمات وتوقيتها، وما إذا كان المهاجمون يخرجون من داخل المدن المحررة أو يتسللون من مناطق مجاورة لها. وكانت الهجمات قد تكثفت منذ 8 إبريل/ نيسان، وراح ضحيتها أكثر من 20 عنصراً من قوات الأمن وفصائل "الحشد الشعبي" ومدنيين، كان أعنفها هجوم بلدة مكيشيفة في سامراء، الذي سبّب مقتل 10 أفراد من "الحشد"، أعقبه هجوم مماثل في ناحية العظيم بمحافظة ديالى سبّب مقتل ستة أفراد من "الحشد العشائري"، بينما اغتيل مسؤول محلي في بلدة القائم في محافظة الأنبار. في المقابل، نجحت قوات الجيش في التصدي لعملية تفجير سيارة مفخخة، وحاصرت صباح أمس الاثنين انتحاريين داخل مسجد في قرية بمحيط مدينة حديثة (180 كيلومتراً غرب الأنبار)، وحاولت اعتقالهما، لكنهما فجّرا نفسيهما من دون أي خسائر. وكشفت مصادر عسكرية في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن التنظيم شنّ أكثر من 15 هجوماً، راوحت بين عبوات ناسفة وهجمات مسلحة وقصف بقذائف الهاون، خصوصاً في كركوك وصلاح الدين.

وحول هذه الهجمات، يؤكد ضابط في الجيش أن عوامل عدة تقف وراء معاودة هجمات "داعش"، بعضها داخلي يتعلق بالتنظيم، وبعضها الآخر يتعلق بأداء القوات العراقية والظروف الحالية في البلاد. ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن المعلومات المتوافرة تفيد بأن عناصر تنظيم "داعش"، أو ما يمكن اعتبارهم بقايا التنظيم، نجحوا في إعادة تأمين التواصل بينهم بعد تبعثرهم في العراق، بدليل الهجمات المنسقة من ناحية التوقيت والكمّ والنوع، فضلاً عن أعداد النشطين في التنظيم. وهناك معلومات تشي بوجود نوعين من العناصر: الأول متخفٍّ بين الأهالي، والثاني ممن يوجد في الصحراء والمناطق غير المأهولة. فهجوم مكيشيفة يوم الجمعة الماضي نفذه مسلحون تسللوا إلى البلدة ليلاً وهربوا بعد تنفيذ الهجوم. ويلفت إلى أن تصعيد العمليات خلال شهر رمضان هو ما اعتادته قوات الأمن كل عام، لكن معدل الهجمات هذا العام كان أكثر من المتوقع، نظراً لوضع التنظيم وتقديراتنا بشأن إمكاناته.

ويشير الضابط إلى أن انسحاب التحالف الدولي من أجواء العراق يأتي بعد الأزمة السياسية بين حكومة تصريف الأعمال بقيادة عادل عبد المهدي وواشنطن، التي خلّفتها عملية اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني في 3 يناير/ كانون الثاني الماضي، وما تلاها من أحداث وعمليات عسكرية طاولت معسكرات التحالف، وهو ما خلق فراغاً أو خللاً في المعلومات، إذ كان التحالف يزوّد العراقيين بصور جوية يومية لمناطق صحراوية وجبلية خطرة، وأخرى تتعلق بوضع الحدود العراقية السورية على امتداد 600 كيلومتر. وهو ما فقدته القوات العراقية، لذلك وجد "داعش" فراغات أو أريحية في إعادة ترتيب أموره بهذه النقطة تحديداً. ويلفت إلى أن حالة التراخي الأمنية العامة لدى قوات الأمن منذ انتهاء المعارك وتحرير المدن (عام 2017) سبب مهم صبّ في مصلحة التنظيم أيضاً.

في سياق المواجهة مع التنظيم، أعلنت خلية الإعلام الأمني، أمس الاثنين، انطلاق عملية عسكرية جديدة باسم "أسود الصحراء"، بمشاركة القوى الأمنية و"الحشد الشعبي" ومقاتلي العشائر، وبإسناد من سلاح الجو العراقي، تستهدف مناطق عدة في صحراء الأنبار، وصولاً إلى الحدود مع سورية. وأوضحت أن "العملية تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المناطق المذكورة، وملاحقة العناصر الإرهابية، وإلقاء القبض على المطلوبين". وأكدت الخلية في بيان منفصل أن 3 من قيادات تنظيم "داعش"، قُتلوا غربي الأنبار، مبينة أن "لواء حشد حديثة تمكن من محاصرة انتحاريين اثنين في منطقة المدهم والقضاء عليهما، فضلاً عن تفجير سيارة تحمل عبوات ناسفة".

وامتدت المخاوف من تصاعد هجمات تنظيم "داعش" إلى إقليم كردستان، إذ حذّر الأمين العام لوزارة البشمركة في الإقليم، جبار ياور، من احتمال شنّ التنظيم هجمات داخل الإقليم، معتبراً في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية أن "داعش" استغل بعض الفراغات، وبدأ بإنشاء أوكار فيها. وأشار إلى عقد اجتماعات بين وزارة البشمركة ووزارة الدفاع العراقية للاتفاق مبدئياً على 8 نقاط حول كيفية العمل المشترك في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، لكن الحكومة في بغداد لم تقم بخطوات عملية، مبيناً أن عمليات "داعش" لا تزال مستمرة في تلك المناطق.

بدورها، أصدرت وزارة الدفاع بياناً نقلت فيه عن رئيس أركان الجيش الفريق عثمان الغانمي قوله إن رئيس أركان الجيش وجه قادة الأجهزة العسكرية والأمنية، بتحصين المواضع الدفاعية ونقاط التفتيش ومواصلة العمل ضد فلول الإرهاب. وأضاف البيان أن الغانمي وجّه أيضاً بتكثيف الجهد الاستخباراتي من خلال التعامل بكل سرعة ودقة مع المعلومات الأمنية، بالإضافة إلى تحديث الخطط باستمرار وفق التحديات.

في المقابل، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، عباس صروط، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن عودة الهجمات فيها رسائل من التنظيم بأنه قادر على شنّ الهجمات وتهديد الأمن مرة أخرى. ولفت إلى أن "بروز خلل في القيادات الأمنية والعسكرية العراقية، خصوصاً أن معركتنا مع تنظيم داعش ليست نظامية، بل استخباراتية، وأكدنا خلال لقاءنا مع القيادات الأمنية قبل أيام على ضرورة دعم الجانب الاستخباراتي، لكن هناك مناطق مفتوحة وشاسعة، والمعركة متشعّبة الأطراف. لهذا، على القيادات الأمنية العليا زيارة هذه المحاور باستمرار والاطلاع على تحصيناتها الأمنية". وأضاف صروط: "وفقاً لمعلوماتنا الاستخباراتية، فإن عناصر التنظيم في العراق لا يتجاوز عددهم 300 شخص، وهذا أمر لا يمكن السكوت عنه. وسيكون لنا اجتماع طارئ قريباً لاستدعاء القيادات الأمنية والعسكرية بغية الوقوف على سبب الخسائر البشرية التي حصلت بشكل متكرر من دون إعطاء حلول لمنعها".

وشدّد على أن "هناك عنصراً أثّر في عودة نشاط تنظيم داعش، وهو انسحاب طيران التحالف الدولي، فالطيران العراقي ليس بالمستوى المطلوب الممكن أن يعوّض مكان التحالف الدولي، لأن الانسحاب أثر كثيراً، وتحديداً لناحية انسحاب مفارز صيانة طيران القوة الجوية، لأن الفرق الفنية العراقية غير جاهزة بعد لصيانة الطيران العراقي وإدامته".

من جهته، اعتبر الخبير في الشأن الأمني والعسكري أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أبرز أسباب عودة نشاط تنظيم داعش في العراق، تقليص دور التحالف الدولي بقيادة واشنطن. فهذا التقليص ترك ثغرات أمنية استغلها عناصر التنظيم، فتحرّكوا وشنّوا الهجمات". وأضاف أن "المعركة ضد تنظيم داعش بحاجة إلى جهد استخباراتي كبير، وهذا الجهد كان يقدمه التحالف الدولي للجانب العراقي، لإيقاف أي تحرك أو عمليات ينوي داعش القيام بها، قبل تحرك خلاياه النائمة، ولهذا فإن العراق بحاجة إلى المعلومات والدعم الاستخباراتي من قبل التحالف الدولي، لمنع أي نشاط للتنظيم في المستقبل". وأضاف أن "عمليات داعش لا تشكل تهديداً أمنياً كبيراً مشابهاً لعام 2014، لكن هذا التهديد قد يكبر إذا لم يُقضَ على خلايا التنظيم وحواضنه من خلال عمليات عسكرية وأمنية كبرى، معززة بالجهد الاستخباراتي الدقيق".

المساهمون