كورونا مصر: توظيف سياسي وتسليع للرعاية الصحية

كورونا مصر: توظيف سياسي وتسليع للرعاية الصحية

29 مايو 2020
اتهم البعض الأطباء باستغلال الأزمة لتحقيق مكاسب(يحيى ديوير/فرانس برس)
+ الخط -

في خضمّ أزمة القطاع الطبي مع النظام المصري، حيث يعاني الأول من إهمال واستهانة بحقوقه ومطالبه، في ظل هذا الوباء العالمي، وبينما يُتَّهَم قطاع كبير من الأطباء بـ"عدم المسؤولية والتخلي عن مصر في أوقات المحنة"، هناك زاوية أخرى للأزمة تشير إلى أن توظيفاً سياسياً يجري على قدم وساق أمام مرأى الحكومة، بل وبمباركة من النظام.

وانفجرت أزمة القطاع الطبي في مصر، وعلى رأسه الأطباء، حينما تزايدت أعداد ضحايا فيروس كورونا من الأطقم والفرق الطبية في المستشفيات على مستوى الجمهورية، وسط إمكانات محدودة، وعدم توفير وسائل الدعم والحماية الكافية لها، ما أدى بعدد من الأطباء إلى تقديم استقالاتهم احتجاجاً على تهاون النظام في حقهم، وعدم توفير الرعاية الكاملة لهم في حربهم ضد الوباء العالمي.

وبلغ عدد ضحايا الأطباء من فيروس كورونا 19 طبيباً، كان آخرهم وليد يحيى الذي عانى من الإهمال الطبي وعدم عثوره على سرير في مستشفى عزل حتى مات، بالإضافة إلى أكثر من 350 مصاباً بين الأطباء فقط. وبعد اعتراض الأطباء ومطالبتهم بتوفير سبل الحماية والعلاج الكافية لهم، باعتبارهم خط الدفاع الأول في مواجهة الوباء، اتهمهم البعض، ومنهم مسؤولون، وبالطبع الإعلام، باستغلالهم للأزمة الراهنة سياسياً من أجل تحقيق مكاسب. لكن المدقق في الوضع الراهن في مصر، سيكتشف أن تزايد حالات الإصابة بالفيروس، خلال الأسابيع القليلة الماضية، يظهر استغلال المستشفيات الخاصة للأزمة بشكل فجّ، من خلال المبالغة في تسعير الخدمات الطبية والصحية لديها. وقد عرضت بعض المستشفيات أسعار خدماتها الصحية لمصابي كورونا، وخصوصاً من يحتاج منهم لرعاية مركزة وأجهزة تنفس صناعي، تبدأ من 20 ألف جنيه (نحو 1262 دولاراً أميركياً)، وحتى 50 ألف جنيه لليوم الواحد (نحو 3200 دولار).

واعتبر الدكتور علاء غنام، مسؤول الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، أن "أي تسليع للخدمة والرعاية الصحية في زمن الكوارث والأوبئة، انتهاك لحقوق البشر في الحياة والصحة". وقال غنام، في منشور عبر حسابه على "فيسبوك"، عن أسعار خدمات المستشفيات وحتى وسائل الوقاية البسيطة كالكمامات وغيرها: "لا تحاليل ولا كمامات ولا مستشفيات خاصة ولا أدوية لعلاج وباء مهما كانت التكلفة تترك للسوق المتفلت". وأضاف: "الطلب هنا طلب حتمي. مرتبط بالحياة". وذكَّر بأن القانون والدستور المصريين ينصان على أن التأمين الصحي يغطي 60 في المائة من السكان، وباقي النسبة تتحملها الدولة.



وتنص المادة الـ18 من الدستور المصري، على أنّ "لكل مواطن الحق في الصحة، وفي الرعاية الصحية المتكاملة، وفقاً لمعايير الجودة. وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل. وتلتزم الدولة تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقلّ عن 3 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة إقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته، أو إعفائهم منها، طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرَّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة تحسين أوضاع الأطباء، وهيئات التمريض، والعاملين في القطاع الصحي. وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، التي تشجع مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون".

كذلك هناك أوجه أخرى لاستغلال الوباء، على النقيض تماماً من تسعير الخدمات الطبية والصحية، وهو منعها تماماً أو جعلها حكراً على فئات محددة من الشعب، كما هو الحال مع المستشفيات العسكرية والشرطية في مصر. فعلى سبيل المثال، حضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 7 إبريل/نيسان الماضي، عرضاً عسكرياً ضخماً لإعلان رفع درجة الاستعداد القصوى داخل المستشفيات العسكرية لاستقبال الحالات المصابة بفيروس كورونا، سواء مدنية أو عسكرية، مع توفير 4 مستشفيات ميدانية بقدرة 502 سرير للمستشفى، لاستقبال الحالات المصابة وتقديم الدعم. كذلك أُعلن رفع قدرات المعامل المركزية للقوات المسلحة، لتستطيع اختبار 2200 عيّنة في اليوم، مع تطوير خطوط إنتاج مصنع الأقنعة الطبية ليعمل بمتوسط طاقة إنتاجية 100 ألف قناع في اليوم، مع تجهيز عناصر من خريجي كلية الطب العسكرية والمعاهد الطبية العسكرية للمشاركة في عمليات مقاومة ومنع انتشار الفيروس، وإعلان 1000 سيارة إسعاف مجهزة برعاية مركزة، و2 إسعاف طائر. وكل هذا كان في سياق تقديم الدعم والمعونة للدولة في مواجهة أزمة كورونا.
لكن منذ تاريخ هذا العرض العسكري، الذي يشبه العروض العسكرية السابقة له لتطهير الشوارع والميادين الرئيسية، لم تُفتح تلك المستشفيات حتى اليوم، على الرغم من تزايد أعداد الإصابات يوماً بعد الآخر، والوقوف على حافة مرحلة الذروة الوشيكة، وفقاً للتقديرات الرسمية. وقال مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية، الدكتور محمد عوض تاج الدين، إن ذروة تفشي فيروس كورونا في مصر ستحلّ خلال أسبوعين.

ومع اقتراب مصر من حاجز العشرين ألف إصابة، طبقاً للإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة المصرية، فقد نفدت أسرَّة العزل في المستشفيات الحكومية، ما دفع وزارة الصحة المصرية، إلى تطبيق بروتوكول جديد للعزل المنزلي للحالات المصابة بكورونا، وقلَّصَت مدة العزل في المدن الجامعية والمستشفيات من 14 يوماً إلى 7 أيام. هذا في الوقت الذي تخلت فيه مستشفيات تخدم مئات الآلاف من المواطنين عن مرضاها العاديين بعد أن تحولت إلى مستشفيات عزل، مثل المعهد القومي للكبد ومستشفى التأمين الصحي في مدينة نصر. ومع ذلك، لم يُستعَن إلى الآن بمستشفى عسكري أو شرطي واحد للعزل الطبي، أو جرى استقبال وفرز المصابين والمخالطين.

المساهمون