الكرملين يسابق كورونا لإجراء استفتاء "تصفير" عدد ولايات بوتين

الكرملين يسابق كورونا لإجراء استفتاء "تصفير" عدد ولايات بوتين

29 مايو 2020
التداعيات الاقتصادية قد تؤدي لتراجع نسبة التأييد للسلطة (Getty)
+ الخط -

مع إطالة أمد فيروس كورونا، وتمدده إلى مختلف الأقاليم الروسية، مقابل انحساره في البؤرة الرئيسية موسكو، يجد الكرملين نفسه أمام خيارات صعبة، فيما يتعلق بتحديد تاريخ الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي من شأنها "تصفير" عدد ولايات الرئيس فلاديمير بوتين، بين خطورة الوضع الوبائي الراهن وتوقعات قوية بتراجع نسبة التأييد للسلطة بعد تبلور التداعيات الاقتصادية طويلة الأمد للأزمة.

وبعد أن كشفت تسريبات إعلامية سابقة عن توجه الكرملين لإعلان 24 يونيو/ حزيران المقبل موعداً للاستعراض العسكري بمناسبة الذكرى الـ75 للنصر على ألمانيا النازية، والتصويت على تعديل الدستور، فإن بوتين اكتفى، بعد خروجه من العزل الذاتي، بتحديد هذا اليوم تاريخاً للاستعراض فقط، من دون التطرق إلى مسألة الاستفتاء حتى الآن. ومع ذلك، يتوقع مدير "مجموعة الخبراء السياسيين" قسطنطين كالاتشوف، ألا يتأخر الكرملين بإجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، مرجعاً ذلك إلى مجموعة من العوامل، بما فيها ضرورة تنظيمه خلال مرحلة ابتهاج المواطنين التي ستلي انحسار الوباء، ورفع القيود الصارمة المفروضة حالياً. ويقول كالاتشوف، لـ"العربي الجديد": "يتابع الكرملين تراجع نسبة الدعم لأداء الرئيس والحكومة. ومن البديهي أن السكان سيستخدمون التصويت للتعبير عن استيائهم من القيود والمشكلات الاقتصادية. وحتى الموالون أصبحوا ينتقدون بعض الإجراءات، بعد أن استشعروا تراجع دخولهم وحتمية ارتفاع معدل البطالة".

وحول دوافع استعجال الكرملين في إجراء الاستفتاء، يوضح أنه "بعد رفع القيود، سيشعر الناس بحالة من الابتهاج لمجرد السماح لهم بالتنزه في الحدائق، ما سيدمج مزاج الانتصار على النازية وكورونا على حد سواء. لكن هذا الأمر لن يدوم إلى الأبد، إذ ستؤدي وقائع الحياة إلى تصفير هذا المزاج الإيجابي، بعد أن يتضح أن العديد من المطاعم وصالونات التجميل أغلقت إلى الأبد، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار في المتاجر". وفيما يتعلق برؤية الكرملين للموعد المحتمل لإجراء الاستفتاء، يقول كالاتشوف إن "المراحل الثلاث الرئيسية للحبكة في الأدب هي التطوير والذروة والخاتمة. التصويت هو الذروة، ويجب إجراؤه وسط حالة من الصعود المعنوي. سيتم أولاً إجراء استعراض الذكرى الـ75 للنصر، ثم الإعلان عن النصر على فيروس كورونا، فالتصويت في 8 يوليو/تموز المقبل مثلاً، وهو عيد الأسرة والحب والإخلاص في روسيا".

وكانت صحيفة "فيدوموستي" الروسية نقلت عن مصادر مقربة من الكرملين ورئاسة بلدية موسكو، أخيراً، أن عزوف بوتين عن إعلان موعد الاستفتاء يعود إلى عدم استقرار الوضع الوبائي في الأقاليم الروسية، الذي يتأخر عن موسكو بنحو أسبوعين، مشيرة إلى تاريخي 1 و8 يوليو/تموز المقبل كموعدين محتملين للتصويت. ويضع مدير برنامج "المؤسسات السياسية والسياسة الداخلية الروسية" في مركز "كارنيغي" في موسكو أندريه كوليسنيكوف عزوف بوتين عن إعلان إجراء التصويت في نفس يوم الاستعراض العسكري في إطار عدم تأكده من إنهاء الحجر الصحي بشكل كامل بحلول 24 يونيو المقبل. ويقول كوليسنيكوف، لـ"العربي الجديد": "كان من المهم إجراء فعاليتي تعبئة في يوم واحد، خصوصاً مع مواجهة الرئيس مشكلات مع نسبة استحسان أدائه وحاجته إلى فعاليات من شأنها رفع معنويات السكان. لكن على الأرجح، لم تنته السلطات من مناقشة هذه القضية في سياق الجائحة بعد، وليست هناك ثقة في رفع نظام الحجر الصحي بشكل كامل بحلول 24 يونيو وإمكانية إجراء التصويت، حضورياً على الأقل".


ويلفت الباحث السياسي الروسي إلى أن اختيار بوتين تاريخ 24 يونيو موعداً للاستعراض العسكري في ذكرى استعراض النصر في العام 1945 لم يكن صدفة، مضيفاً "السياسة التاريخية لها أهمية قصوى في السياق الدعائي -الإيديولوجي اليوم. هذه طريقة لاستثمار حدث فاصل، وتسليطه على وقائع اليوم، وتقديم نفسه كمنتصر على الفيروس والنازية والشخصية القادرة على توحيد الأمة في الظروف الصعبة".

من جانب آخر، تراهن المعارضة "غير النظامية" الروسية على الطعن في شرعية التعديلات الدستورية عن طريق مقاطعة الاستفتاء، معتبرة أن التصويت الاحتجاجي ضد التعديل لن يساهم في رفع نسبة المشاركة فحسب، وإنما سيدخل أيضاً ضمن الحد الأقصى للتصويت بـ"لا"، الذي تسمح به السلطة والبالغ 40 في المائة، وسيضفي شرعية على نتائجه، وفق ما أعلن حزب "بارناس" الليبرالي المعارض في بيان نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" أخيراً. أما الأحزاب والحركات المعارضة الروسية الأخرى، فلم تعلن عن موقفها بشكل رسمي بعد، مترقبة تحديد تاريخ التصويت ومدى مخاطر المشاركة فيه على صحة السكان. وكان من المقرر أصلاً أن يجري الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي من شأنها السماح لبوتين بالبقاء في السلطة حتى العام 2036، في 22 إبريل/نيسان الماضي، والاستعراض العسكري في 9 مايو/أيار الحالي، إلا أنه تم تأجيلهما وسط تفشي فيروس كورونا في البلاد وارتفاع عدد حالات الإصابة إلى نحو 380 ألفاً، بما فيها أكثر من 4 آلاف وفاة حتى الآن.

المساهمون