كورونا مصر: انشغال حكومي بتضليل الرأي العام

كورونا مصر: انشغال حكومي بتضليل الرأي العام

27 مايو 2020
يطالب الأطباء بتغيير بروتوكول التشخيص المتبع بالمستشفيات(يحيى دوير/فرانس برس)
+ الخط -
في ظلّ ضعف إمكانيات القطاع الصحي الحكومي وعدم قدرته على استيعاب جميع حالات الاشتباه والإصابات بفيروس كورونا المستجد في مصر، سمحت وزارة الصحة للمستشفيات والمراكز الطبية الخاصة، ابتداء من يوم الخميس الماضي، بدخول معترك استقبال حالات الاشتباه والمصابين القادرين على الدفع، لتكتظ معظم المستشفيات الخاصة في القاهرة والجيزة والإسكندرية بالحالات خلال أربعة أيام فقط، مقابل دفع مبالغ نقدية قياسية، بلغت في بعض الحالات 30 ألف جنيه (نحو 1900 دولار أميركي) في الليلة الواحدة للغرفة العادية التي لا تتطلب رعاية فائقة. وقال مصدر في قطاع العلاج الحر في وزارة الصحة، لـ"العربي الجديد"، إنه تمّ الاتفاق مع المستشفيات الخاصة بالقاهرة الكبرى، على تخصيص نسبة متغيرة من كل منها لحالات الاشتباه والإصابة بكورونا مقابل مبالغ مالية، شرط عدم تدخل الوزارة لتحديدها، الأمر الذي أدى إلى حالة من فوضى الأسعار، واتجاه بعض المستشفيات إلى عدم طرح الغرف والأسرّة الفارغة لديها لرفع الأسعار على الحالات القادرة بصورة أكبر من المعلن.

وأضاف المصدر أنه تمّ رصد ارتفاع جديد في أسعار الخدمات الإضافية التي يحتاجها مرضى كورونا إلى جانب سعر الغرفة العادية أو العناية الفائقة. إذ وصل سعر استخدام آلات التنفس الصناعي إلى 10 آلاف جنيه يومياً في بعض المستشفيات، وتضاعفت أسعار أكياس الدم، كما تضاعفت أسعار الأدوية الضرورية للعلاج ببروتوكول كورونا، والتي تحصل عليها المستشفيات حالياً من السوق السوداء نظراً لعدم توفيرها في المؤسسات الدوائية التابعة للدولة، وذلك بهدف الحفاظ على رصيد منها لمستشفيات الحميات والصدر والعزل.

وذكر المصدر أنه على الرغم من أنّ التعديلات الأخيرة التي أدخلت على قانون الطوارئ تسمح بضم المستشفيات الخاصة أو أجزاء منها إلى إدارة الدولة بشكل استثنائي، وفرض أسعار جبرية على مقدمي الخدمات الطبية خارج إطار القطاع الحكومي، إلا أنّ الحكومة لا تنوي حالياً اتّباع هذه الطريقة، وذلك لأنّ المستشفيات الحكومية حتى الآن ما زالت فيها أماكن تصلح لعلاج المصابين بمختلف حالاتهم، بغضّ النظر عن تأخر تطبيق مشروع الاستغناء عن مستشفيات العزل الحالية واستخدام مستشفيات الصدر والحميات لفرز الحالات وعزل المصابين مباشرة.

وعلى الرغم من السماح للمستشفيات الخاصة بتحقيق أرباح طائلة من الوضع الحالي المأزوم متذرعةً بتقاضي الأطباء والممرضين مبالغ إضافية لقبول التعامل مع الحالات، فإنّ هناك العديد من الإمكانيات المعطلة التي لا تسمح الوزارة للمستشفيات الخاصة باستخدامها، حتى تضمن استمرار سيطرتها على الأعداد الرسمية المسجلة للمصابين والوفيات، منها التشديد على عدم أخذ المسحات من المرضى في المستشفيات الخاصة وتحليلها إلا بواسطة مندوبي الوزارة وفي المعامل المركزية الحكومية، ما يؤدي إلى تأخير تشخيص الحالات وعدم التعامل معها دوائياً بالشكل المناسب. ورصد "العربي الجديد" حالات عدة في مستشفيات خاصة بالقاهرة الجديدة والدقي والمهندسين وأكتوبر (جميعها مناطق بالعاصمة) دخلت خدمة كورونا حديثاً، وتُعامل منذ 4 أيام ببروتوكول العلاج التحفظي نظراً لعدم ورود التحاليل الخاصة بها من معامل وزارة الصحة حتى الآن.

وضمن ما يطالب به الأطباء المصريون حالياً على الصعيد الفني، تغيير بروتوكول التشخيص المتبع في جميع المستشفيات بأمر الوزارة، بحيث يتم تسجيل الحالة بناء على الأشعة المقطعية مرتين متتاليتين وليس تحليل PCR، وأن يتم فتح المعامل الخاصة والداخلية في المستشفيات الخاصة والعامة لإجراء التحليل المذكور بدلاً من إرسال المسحات للمعامل المركزية، خصوصاً بعد تكرار حالات فقدان المسحات وفسادها ولا سيما في محافظات الصعيد والوجه البحري.

وفي سياق متصل، عمت الفوضى المستشفيات العامة في القاهرة والجيزة (وهما المحافظتان الأكثر تضرراً من جائحة كورونا حتى الآن)، بعد الإعلان عن إدخال 320 مستشفى عام على مستوى الجمهورية خدمة الفرز والكشف الأولي على حالات الاشتباه. إذ أكد مديرو ثلاثة مستشفيات كبرى بوسط العاصمة لـ"العربي الجديد"، أنّ الوزارة لم تصدر لهم أي تعليمات ولم تزودهم بأي وسائل للوقاية أو الحماية، على الرغم من وضع أسماء مستشفياتهم ضمن القرار المعلن، موضحين أنهم فوجئوا به في وسائل الإعلام الرسمية فقط.

وقال المصدر المسؤول بوزارة الصحة الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إنّ "خطة إدخال تلك المستشفيات للعمل لن تتم في وقت واحد، بل على مراحل، وأنّ كل ما تمّ تجهيزه منها حتى الآن هو 17 مستشفى فقط في 5 محافظات، هي المستشفيات التخصصية الكبرى التابعة للوزارة، لكن الوزيرة هالة زايد تلقت تعليمات من المخابرات العامة بالإعلان المبكر عن هذه الخطة بأرقامها الكاملة بهدف طمأنة الرأي العام".

وأضاف المصدر أنّ "هذه الطمأنة انقلبت قلقاً لدى الأطباء والممرضين بسبب تعدد حالات الشجار مع ذوي الحالات المشتبه فيها الراغبين في حجزها أو الكشف عليها، إذ حاول مديرو المستشفيات أن يشرحوا للمواطنين أنهم لم يتلقوا أي معلومات بشأن هذه الخطة، وأنهم قد ينضمون إليها في مراحل لاحقة، لكن المواطنين راحوا ضحية التلاعب الإعلامي الكثيف بهذه المسألة، ونشر قوائم المستشفيات - بكثافة - في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي".

ويستغل النظام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لتحدي روايات الأطباء عن انهيار المنظومة الصحية، مستخدماً لجاناً إلكترونية تعمل على مدار الساعة لنشر محتوى زائف، يعتمد تارة على إيهام الرأي العام بحسن إدارة الأزمة وجودة مستوى الخدمة المقدمة، وتارة أخرى بإلصاق تهم الانتماء لجماعات إرهابية ولـ"الإخوان المسلمين" بالأطباء الذين ينتقدون سياسات الدولة، كما حدث خلال اليومين الماضيين مع إشاعة أنّ المستقيلين جماعياً من أطباء مستشفى المنيرة المركزي بالقاهرة احتجاجاً على التقصير في علاج زميلهم الشاب وليد يحيى، هم من "الإخوان"، على الرغم من أنّ بعضهم مسيحيو الديانة. فضلاً عن إطلاق حملات عبر الصحف المملوكة للمخابرات للتشكيك في وطنية هؤلاء، وتدشين حملات إلكترونية و"هاشتاغات" لسب الأطباء المستقيلين والدعوة لمحاكمتهم وتحريك بلاغات للنيابة العامة ضدهم.

وحاول النظام امتصاص انتفاضة الأطباء في مواقع التواصل الاجتماعي بإصدار بيانات عدة وتصريحات، مساء أول من أمس الإثنين، تتعلق بفتح تحقيق في وفاة الطبيب الشاب وليد يحيى، وتحميل مسؤولية التقصير لمدير المستشفى الذي يعمل فيه ولزملائه الذين استقالوا جماعياً، فضلاً عن الزعم بأنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزيرة الصحة هالة زايد، يتابعان التحقيقات أولاً بأول. كما تمّ الإعلان عن تخصيص مساحة في كل مستشفى عزل لأعضاء الطواقم الطبية المصابين بكورونا، في تراجع عما كان قد تمّ الاتفاق عليه في البداية بين ممثلين لنقابة الأطباء والحكومة، على تخصيص مستشفى كامل لهذا الغرض، أسوة بما تم مع مصابي الشرطة والقوات المسلحة والقضاء.

ويشكّك الأطباء في الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة الخاصة بعدد المصابين من الطواقم الطبية، إذ ادعت أن عددهم يبلغ 291، منهم 69 فقط أطباء وأنه توفي من الأخيرين 11 فقط. بينما تكشف إحصائيات نقابة الأطباء إصابة 350 طبيباً ووفاة 19 منهم، وهو ما يعكس تلاعب الوزارة بالأرقام من جهة، وعدم تسجيلها إلا حالات الإصابة والوفاة في مستشفيات الفرز والإحالة والعزل، وليس في باقي المستشفيات التي تتعامل مع الجمهور، والتي لا تكون عادةً مجهزة لاستقبال حالات كورونا.

وفي السياق نفسه، بدأ العاملون في مرفق الإسعاف يلوحون باتخاذ إجراءات احتجاجية، قد تصل للإضراب عن العمل، نتيجة عدم توفير الواقيات الشخصية لهم وعدم تخصيص تدابير احترازية بالقدر الكافي لهم عند نقل حالات مصابة بكورونا، وتكليفهم بأعمال إضافية، وهو ما يعكس من جهة عدم كفاية العمالة المتوفرة في القطاع الصحي، وعدم موثوقية الأرقام المعلنة من الوزارة عن توفير مستلزمات الوقاية لجميع المتعاملين مع الحالات. وتقترب حالات الإصابة بكورونا في مصر من 19 ألفاً بعد أيام عدة من الزيادة المستمرة بتسجيل أكثر من 700 حالة يومياً، فيما انخفضت معدلات الوفاة إلى 4.4 في المائة وزادت نسبة التعافي أيضاً إلى نحو 29 في المائة.