أبعاد تعيين سفير روسيا في دمشق مبعوثاً لبوتين

أبعاد تعيين سفير روسيا في دمشق مبعوثاً لبوتين

26 مايو 2020
بوتين عين يفيموف مبعوثاً فور خروجه من العزل الذاتي(Getty)
+ الخط -
أحدث تعيين السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، مبعوثاً خاصاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تغيراً طارئاً ومفاجئاً في نمط العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والنظام.

وفُسرت هذه الخطوة بأنها تأتي تمهيداً لترتيبات سياسية مقبلة، ربما يكون الحل السياسي الشامل أحدها؛ فيما التقطها الكثير من السوريين الفاعلين في الشأن السياسي على أنها بداية لوضع البلاد تحت الوصاية والانتداب الروسي بشكل رسمي، على الأقل من جهة الروس، الذين يعتبرون الحلفاء الأقوى للنظام، لا سيما منذ تدخل روسيا المباشر عسكرياً براً وجواً منذ سبتمبر/أيلول 2015.

وقال مراسل "العربي الجديد" في موسكو إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقّع، يوم أمس الاثنين، على مرسوم تعيين السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، مبعوثاً خاصاً له لتطوير العلاقات مع سورية، في أول يوم من مباشرته لعمله عقب خروجه من العزل الذاتي.

وجاء في نص المرسوم، الذي نُشر على بوابة المعلومات القانونية الروسية، أن "تعيين السفير المفوض فوق العادة لروسيا الاتحادية لدى الجمهورية العربية السورية، ألكسندر يفيموف، مبعوثاً خاصاً لرئيس روسيا الاتحادية، لتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية"، على أن يدخل المرسوم حيز التنفيذ من تاريخ توقيعه.

وكان بوتين قد عين يفيموف سفيراً بدمشق في أكتوبر/تشرين الأول من العام قبل الماضي، بعد أن أنهى مهامه سفيراً لروسيا في الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من 2013 إلى 2018.

وفور تداول أخبار تعيين السفير يفيموف مبعوثاً خاصاً، توالت التحليلات والتكهنات حول خلفيات هذا الإجراء الدبلوماسي غير المسبوق، لا سيما أن لبوتين مبعوثاً خاصاً (السفير ألكسندر لافرنتييف) إلى سورية منذ تعاظم الأحداث في البلاد، وتسلم روسيا الكثير من الملفات التفاوضية الخاصة بالشأن السوري على المستوى الدولي والإقليمي.

وفي تصريح لـ"العربي الجديد" حول الموضوع، أشار السفير والدبلوماسي السوري السابق والمنشق عن النظام فاروق طه إلى أن "تعيين السفير الروسي مبعوثاً للرئيس الروسي في دمشق يأتي في إطار حكم فعلي ومباشر، بأمر الواقع وبغلاف دبلوماسي"، لافتاً إلى أن "تاريخ العلاقات الدولية لا يعرف حالات مماثلة، وليس في القانون الدولي ثمة اعتراف بأحقية دولة ما في السيادة على دولة أخرى". وسجل السفير والدبلوماسي السابق خشيته من "أن تكون هذه الخطوة جاءت بتفويض دولي، وهذا ما سينكشف لاحقاً"، بحسبه.

من جهته، يرى المستشار السياسي والباحث في الشؤون الروسية - التركية باسل حاج جاسم أن ذلك "ربما يأتي في إطار الاستعداد لمرحلة جديدة عناوينها الاقتصادية والسياسية ستكون لها الأولوية".

وأضاف جاسم في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "تعيين ألكسندر يفيموف مبعوثاً خاصاً قد يكون فعلاً بهدف تطوير التعاون مع سورية، في إشارة لعناوين ورسائل سياسية اقتصادية في أكثر من مجال واتجاه، وستتضح بالتأكيد في الأسابيع القليلة القادمة، مع بدء فتح الطرق الدولية أو ما يعرف بـ(أم 4) و(أم 5)".

ونبّه حاج جاسم إلى أنه "إذا أعقبت تعيين مبعوث خاص لبوتين، لتطوير العلاقات مع سورية، تسمية سفير روسي جديد في دمشق، فهذا يعني أن موسكو باتت تضع ملف سورية على رأس أولوياتها الخارجية أكثر من أي وقت مضى، لا سيما مع وجود مبعوث رئاسي خاص لروسيا إلى سورية هو ألكسندر لافرنتيف، يترأس وفود روسيا في محادثات أستانة وكذلك في محافل دولية أخرى تتعلق بسورية، وفي حال لم يسمَّ سفير جديد، فنحن على أبواب مرحلة جديدة في تعامل روسيا مع هذا الملف، بتعزيز التواصل المباشر أكثر من أي وقت مضى مع الكرملين مباشرة، وذلك بوجود موفدين خاصين للرئاسة، بالإضافة لمسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين".

وحول الضغط الإعلامي الروسي على الأسد ونظامه مؤخراً، أوضح المستشار السياسي أن "ما قيل وروج له بعض المعارضين على أنه تقارير إعلامية روسية، وبداية لتغيير الموقف الروسي في التعامل مع سورية، اتضح لاحقاً أن معظمه فبركات إعلامية، وذلك بحسب أكثر من جهة رسمية روسية أكدت ذلك، سواء من (المجلس الروسي للشؤون الدولية) وأيضاً المبعوث الرئاسي الروسي الخاص الجديد يفيموف الذي تحدث مطولاً في مقابلة صحافية عن هذا الأمر، واعتبره في إطار تخريب إعلامي للعلاقات الروسية-السورية، ويمكن هنا اعتبار كلامه، بعد تعيينه مبعوثاً، أنه كان يمثل أعلى جهة في روسيا، ألا وهي الكرملين".

وتطابقت رؤية أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية في جامعة "ماردين أرتقلو" التركية، محمد رشيد، مع نظرة المستشار باسل حاج جاسم حول هذا الموضوع، من ناحية أن هذه الخطوة، وبخلاف ما يتم الحديث عنها، تأتي في تمتين العلاقات الروسية مع سورية وليس مع النظام، مشيرا في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنه "جرت العادة عندما تلجأ دولة لتعيين مبعوث خاص في بلد ما، فذلك يأتي ضمن تدخلها في إدارة حوار سياسي ما، وبالتالي تعيين الكرملين للسفير الروسي مبعوثاً خاصاً ربما يتم في إطار الانتقال للحوار السياسي ورعاية هذا الحوار، فلدى الولايات المتحدة مبعوث خاص إلى سورية، واليوم روسيا تعيّن مبعوثاً، وباعتقادي أن ذلك يأتي في سياق الانتقال لمرحلة جديدة عنوانها الحوار السياسي".

ولفت رشيد إلى أن "تعيين المبعوث لا يعني وضع سورية تحت الوصاية الروسية أو الانتداب كما يُشاع، بل يُنظر إليه في إطار تمتين العلاقة وليس عكس ذلك؛ زمن الانتداب والوصاية انتهى، ولذلك أنا أرى أن الرسالة الروسية للمجتمع الدولي من خلال هذا الإجراء هي أن علاقتها أقوى مع سورية، وليس شرطاً مع النظام، وأن مصالحها لا تزال موجودة في البلاد، ولا شك في أن روسيا تؤرقها حالياً مسألة شرعية وجودها في سورية، وهي لا ترغب في اتخاذ خطوات تعزز من فكرة عدم شرعيتها، ولذلك موضوع الانتداب والوصاية غير وارد أبداً".

وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، وقبل تعيينه مبعوثاً خاصاً، اعتبر ألكسندر يفيموف من موقعه سفيراً لروسيا في دمشق، "أن كل الإشاعات والتلميحات المتداولة حالياً حول الخلافات في العلاقات الروسية السورية ليس لها أي أساس، وهؤلاء الذين يصرون على قراءة التعاون بين موسكو ودمشق بطريقة الكذب وتزوير الحقائق يقومون بعملية تخريب إعلامي فقط لا غير".

جاء ذلك خلال مقابلة مع صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، إذ أشار خلالها إلى أن "الأخبار المزيفة والكاذبة حول روسيا وسورية لا يستفيد منها إلا خصوم البلدين، الذين يحتاجون إلى فرصة للإساءة وإلى تشويه جميع الإنجازات والأمور الإيجابية التي أحرزتها واستكملتها روسيا وسورية خلال السنوات الأخيرة".

ويُعد تحالف روسيا مع النظام القائم في سورية قديماً وليس طارئاً، إلا أن الدعم الروسي للنظام زاد بعد اندلاع الاحتجاجات ضد رئيس النظام بشار الأسد، حيث ساند الروس الأسد سياسياً على المستوى الدولي والإقليمي، وكان لهم دور فاعل في مساندته عسكرياً بعد أن كان النظام آيلاً للسقوط، من خلال التدخل المباشر في نهاية سبتمبر/أيلول 2015، ودخول سلاح الجو الروسي ومن ثم التدخل البري على خط المواجهات، ما قلب المعادلة لصالح النظام بعد أن كانت الكفة تميل لصالح المعارضة السورية المسلحة.

وثمناً لذلك، قدم النظام العديد من الاستثمارات والميزات الاقتصادية والعسكرية لروسيا بشكل شبه مجاني لضمان حفاظها على مساندته، ما جعل البلاد تتحول إلى شبه مستعمرة روسية، بشكل غير مباشر أو رسمي.