5 سنوات على تحرير عدن: من انقلاب إلى آخر

5 سنوات على تحرير عدن: من انقلاب إلى آخر

22 مايو 2020
عدن تمر بانقلاب جديد (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
حلت الذكرى السنوية الخامسة لتحرير عدن من الحوثيين والمليشيات الموالية حينها للرئيس السابق علي عبد الله صالح (قُتل على أيدي الحوثيين في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017)، أمس الخميس، من دون أي اهتمام أو إحياء، في مشهد اعتبره الكثيرون أمراً طبيعياً. 

وعلى الرغم من أهمية ذلك النصر الذي تحقق في 21 مايو/أيار 2015 وتأثيراته على مسار الأحداث والحرب اليمنية، إلا أن ما تمر به عدن من انقلاب جديد بعد تصفية الكثير من قادتها، أعاد إلى الأذهان التفاصيل والظروف التي مرت بها المدينة وجوارها في 2015، والتي تتشابه مع الوضع الحالي.

مصدر في السلطة المحلية وآخر مسؤول في المنطقة العسكرية الرابعة في عدن، اتفقا، في حديثين لـ"العربي الجديد"، على أنه مع الانقلاب الجديد الذي ينفذه أتباع الإمارات في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، "من المنطقي ألا يتم الاحتفال بذكرى تحرير عدن، وألا يسمح الانقلابيون الجدد بذلك، فهناك قناعة لدى الجميع أنه لا يحق لنا الاحتفال بهذه المناسبة".
واعتبرا أن ما يجري تضليل للناس واستهزاء بتضحيات الشهداء والجرحى، مضيفين أن "عدن تقع تحت احتلال جديد يجب على الجميع تخليصها منه ثم الاحتفال بذكرى التحرير، إكراماً لقادة تحرير عدن من الجيش والمقاومة الذين تمت تصفيتهم".
وقال القيادي في مقاومة عدن، أبو بلال العدني، والذي شارك في لحظات تحريرها وتمكن من الإفلات من التصفيات، لـ"العربي الجديد"، إن عدم احتفال الناس بذكرى التحرير أمر طبيعي، وردة فعل متوقعة من الجميع نظراً لما تمر به عدن من ظروف راهنة، جعلت الكل يؤمن بأنها لم تتحرر بعد، على الرغم من مرور خمس سنوات على طرد مليشيات الحوثي وصالح منها. 


وأضاف: "يعتقد الناس أن عدن تحررت من الانقلاب الأول ولكن بقي احتلال ثان، مع تشابه الانقلابيين في الأسلوب والأفكار والوسائل وحتى الشعارات"، فضلاً عن أن الوضع الذي تمر فيه عدن الآن مشابه لما كان قبل خمس سنوات، باستثناء أن المنطقة كان لديها في الانقلاب الأول قادة جيش ومقاومة قادوها للتحرير وتحقيق النصر، بينما لم يعد هؤلاء موجودين اليوم لتحريرها من الانقلاب الجديد، بعد تصفيتهم أو اعتقالهم أو إجبارهم على الهجرة ومغادرة عدن، ما أفرغها من كوادرها وقياداتها وعقولها وجعلها غير قادرة على المقاومة، فقد أغرقها الانقلاب الجديد بالموت من كل جانب وفي كل زاوية من أحياء المدينة.

ورأى أنه "لإقناع الناس في عدن بالاحتفال بذكرى تحريرها من مليشيات الحوثي وصالح، يجب إعادة قادة تحريرها لإخراجها من الوضع الذي تمر فيه ومن الاحتلال الجديد، لكن هذا لن يتم لأن العديد من هؤلاء القادة قُتلوا، عدا قلة هاربين خارج البلاد ويتخوفون من التصفيات على يد الإمارات ووكلائها، لذا هذه المرة على الجيش الوطني تحمَل مسؤولية إنقاذ عدن وناسها، بعد أن أصبح للحكومة جيش يستطيع القيام بذلك، لأن عدن تم إفراغها من كوادرها وقياداتها".
وبدا واضحاً التراجع الكبير في الاحتفال بالذكرى، ولم يحضر ذلك في وسائل الإعلام الاجتماعي، عدا بعض المنشورات من بعض من كانوا جزءاً من ذلك التاريخ وما زالوا على قيد الحياة ويعيشون في الخارج مجبرين.

محمد خالد، وهو ممن شاركوا في تحرير عدن، قال في حديث مع "العربي الجديد"، مستذكراً قادة تحرير عدن "في الليلة الظلماء يفتقد البدر، عدن اليوم بأمسّ الحاجة إلى قادة تحريرها الأوائل، قادة الصف الأول من الجيش والمقاومة، فهي تفتقد إليهم في هذه الظروف الصعبة المتشابهة مع تلك التي حدثت في السابق، وها هي عدن اليوم تبحث عنهم لتخليصها من الاحتلال الحالي لكنها لا تجدهم".
وأضاف: "المؤلم جداً بالنسبة لهم، وأيضاً للمواطن في عدن، أن من غزوا المدينة وارتكبوا جرائم حرب فيها، وحاصروها وقتلوا شبابها وأطفالها ونساءها وأبطالها، جزء منهم اليوم، كقائد كتائب القناصة حينها طارق صالح، يُشارك في الانقلاب الجديد، ويتحرك بحرية على جثث ودماء الشهداء والجرحى، وقهرا لأهاليهم، بينما من بقي من قادة المقاومة والجيش فهم مطاردون ومشردون في الخارج، وممنوعون من العودة إلى مدينتهم ومنازلهم".
من جهته، كتب المتحدث باسم مجلس مقاومة عدن أثناء تحرير المدينة علي سعيد الأحمدي، في منشور على صفحته في "فيسبوك": "هناك وقفتان مع الذكرى الخامسة لتحرير عدن، الأولى ملف قيادات مقاومة عدن وما تعرضوا له من استهداف ممنهج بالاغتيال والحبس والتضييق تحت نظر من امتلك زمام الأمور، أو الطريقة العبثية في التعامل مع هذا المكسب الوطني من قبل الشرعية، فلم تقابل مبادرتهم بحل المقاومة وتسليم الأمور للحكومة الشرعية بل كان العبث في ترتيب الملف الأمني والعسكري ثم الإداري هو سيد الموقف". 


وأضاف: "هذا الملف رغم أهميته، خاصة في ذلك الوقت عقب تحرير عدن، إلا أننا يمكن أن نتجاوزه للمصلحة العامة لو كان الاستهداف والعبث مقتصرا على رموز المقاومة وقياداتها، ولكن الحقيقة المؤلمة أن التعذيب الممنهج والعبث المستهتر استهدف عدن كلها وضربها في الصميم. وكأنهم يقولون لماذا قاومت أيتها المدينة، ولماذا رفض أهلك مشروع الانقلاب وولاية الحوثي، ولماذا قدمت هذه التضحيات ولماذا فرحت بتحرير يرعاه تحالف عربي شقيق وتقوده حكومة شرعية كسيحة؟!".

أما الوقفة الثانية، وفقاً للأحمدي، فتوجّه فيها "لأدعياء الانتصار لقضية الجنوب ممن يفصّلونها على مقاس معيّن، قروي أو مناطقي أو سياسي"، بالقول "لن تقتنعوا أبداً بأن أبناء عدن بمختلف تنوعهم وأصولهم هم من حقق الانتصار، لأن لديكم عقدة الاستحواذ التي تأسر عقولكم منذ الاستقلال وتوارثتها الأجيال".
وأكد أن "عدن ستنهض بأبنائها من جديد وبنفس الباعث الذي وحدهم في 2015 رغم تنوعهم وتعدد اتجاهاتهم وأطيافهم، ولن يكون العلاج والحل أبداً باستجرار وتكرار نفس المشكلة التي أرهقت عدن كثيراً طوال خمسين سنة مرت، ألا وهي صراع الاستحواذ القطبي الثنائي وإقصاء أبناء عدن الذين استكثروا عليهم انتصارهم الذي خطته دماؤهم وصنعته أرواحهم التي فاضت دفاعاً عن مدينتهم".