30 عاماً على الوحدة اليمنية: النزعات الانفصالية تحاصرها

30 عاماً على الوحدة اليمنية: النزعات الانفصالية تحاصرها

22 مايو 2020
يرى الانفصاليون حلمهم يقترب (نبيل حسن/Getty)
+ الخط -
باتت الوحدة اليمنية الضحية الأبرز للنزاع الدائر منذ خمس سنوات في اليمن. ومع حلول ذكراها الـ30، يتجه أحد أهم منجزات الشعب اليمني في التاريخ الحديث، للتلاشي شيئاً فشيئاً، وليصبح أقرب إلى اسمٍ على ورق، وسط غموض دولي حول ما يُحاك لهذا البلد ووحدته من مستقبل، في حال وضعت الحرب أوزارها.

وأعادت الحرب السعودية على اليمن منذ العام 2015، شرذمة هذا البلد، الذي ظلّ يحافظ، ولو عن طريق الاستبداد، على وحدته الشكلية، على الرغم من تعالي الأصوات المناهضة لها منذ صيف العام 1994. وتمركز الحوثيون في الحدود الشطرية ليمن ما قبل 1990 بعد السيطرة على صنعاء ومحافظات الشمال، فيما يرى الانفصاليون أن حلمهم بدولتهم المفترضة، قد أصبح قريب المنال أكثر من أي وقت مضى.

ويتزامن حلول ذكرى الوحدة، هذا العام، مع انتكاسةٍ غير مسبوقة لآخر ما تبقى من ملامح الدولة اليمنية. فالحضور الشكلي للحكومة الشرعية، بدأ يتوارى بشكلٍ شبه كلّي في المحافظات المحررة، عقب إعلان "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، لما يسمى بـ"الإدارة الذاتية".

وفيما يحكم الانفصاليون قبضتهم العسكرية والسياسية على عدن ومحافظات لحج والضالع وأجزاء واسعة من أبين، تحافظ حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى على خيطٍ رفيع مع الوحدة اليمنية في الوقت الحالي، وسط تنامي النزعات الانفصالية المتسلحة بالثروة النفطية والمواقع الاستراتيجية.

ولا تبدو الأوضاع في مأرب مختلفة، فالمحافظة التي تحتضن أكبر قواعد جيش الشرعية، تتمتع بشبه استقلالٍ ذاتي، ولن يكون بمقدور الحكومة تجاوز حاكمها البارز، سلطان العرّادة، أو إزاحته من منصبه بسهولة، في حال فكّرت بتدوير منصب المحافظ، كونه يدير منطقة تنام على خزّان من النفط والغاز.

بدورها، باتت سواحل البحر الأحمر، الممتدة من المديريات الغربية لتعز إلى تخوم مدينة الحديدة، مستعمرة خاصة بالجنرال طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وعلى الرغم من انسجام تام مع "المجلس الانتقالي" الانفصالي جنوباً، استجابةً لتوجيهات مُمولٍ واحد، إلا أن علم الجمهورية اليمنية الذي اختفى جنوباً، لا يزال يرفرف في مناطق الساحل الغربي.


ولا يزال الموقف الحوثي غامضاً حتى اللحظة بشأن الحفاظ على الوحدة اليمنية. وأعلن أخيراً القيادي الحوثي البارز، والمُعّين من قبل جماعة "أنصار الله" نائباً لرئيس مجلس الشورى، محمد البخيتي، أنهم "لم ولن يلجأوا إلى فرض الوحدة بقوة السلاح، ولذلك بقيت قواتهم على حدود المحافظات الجنوبية، على الرغم من قدرتهم على التوسع". وفيما شدّد على حوار بعد وقف الحرب، من أجل التوصل لحل يرضي جميع الأطراف، قال القيادي الحوثي، عبر موقع "تويتر"، إن جماعته، حتى وإن قبلت فصل الجنوب عن الشمال، فإن السعودية والإمارات لن تنسحبا من الجنوب، ولن تسمحا ببناء دولة مستقلة فيه، أو التوقف عن توظيف الجنوبيين ضد الحوثيين.

ويعتقد الباحث اليمني، عبد الناصر المودع، بوجود أكثر من سبب يجعل الحوثيين أقل القوى السياسية الشمالية اهتماماً بالوحدة، أبرزها أن الجماعة في جوهرها، امتداد لدولة الأئمة التي كان مركز ثقلها المناطق الشمالية، ومن ثم فإنهم يفضلون، على الأقل في المرحلة الأولى، الفوز بحكم الشمال، كونه المجال الجغرافي لحكم الأئمة تاريخياً.

ورأى المودع، في دراسة حديثة له، أنه "كون سكان الجنوب يتبعون بشكل كامل، تقريباً، المذهب السني، فإن من مصلحة الحوثيين إبقاء هذه الكتلة السكانية خارج سيطرتهم، والاكتفاء بحكم الشمال الذي يشكل المنتمون تاريخياً للمذهب الزيدي ما نسبته 40 في المائة تقريباً من سكانه"، معتبراً في المقابل أن "استمرار الوحدة (بالنسبة للحوثيين) يعني أن هذه النسبة قد تنخفض إلى ما دون 25 في المائة".

الاتحاد الفيدرالي أو الفناء الجماعي

المصير الذي آلت إليه الوحدة اليمنية لم يكن مفاجئاً لليمنيين، ففي العام 2013، خرج مؤتمر الحوار الوطني الذي ضمّ كافة المكونات والقوى السياسية اليمنية، بمقترحاتٍ لشكل الدولة المرتقبة، كخلاصة مشاورات استمرت لنحو عام، وتضع حلولاً منصفة لعدد من القضايا الهامة، منها القضية الجنوبية ومسألة الانفصال.

أقرت وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار، والتي انقلب عليها الحوثي، أن يكون شكل الدولة الاتحادية المرتقبة من ستة أقاليم، أربعة منها في الشمال هي آزال، سبأ، تهامة، والجند، واثنتان في الجنوب هما عدن وحضرموت.

كانت مآخذ الحوثيين على الوثيقة أن تلك الأقاليم تقوم على تقسيم اليمنيين إلى أغنياء وفقراء، حيث تمّ استحداث أقاليم لا تمتلك منافذ بحرية ولا ثرواث نفطية وغازية. ومن تلك الثغرة، بدأ الرفض، واندلعت شرارة الحرب المتصاعدة، والتي خلّفت حالةً من التشرذم غير المسبوق بالجغرافيا اليمنية.

ومع اتساع رقعة الأصوات المؤكدة بتفسخ الوحدة وانهيارها التام، أعربت السياسية اليمنية وعضوة لجنة صياغة الدستور، ألفت الدبعي، عن اعتقادها أن وحدة اليمن، كشعب، لا تزال موجودة ومستمرة مهما حاول البعض تصويرها بأنها انتهت، لافتة إلى أن وحدة السلطة والحكم، ووحدة القرار، هي التي انتهت، ولا يمكن أن تعود على هيئة شكل الدولة البسيطة التي سقطت في اليمن، كما نشاهد في الواقع. وقالت الدبعي، وهي أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز، لـ"العربي الجديد"، إن "ما نشهده حالياً من صراعات على مستوى المناطق اليمنية، وعلى مستوى المنطقة الواحدة، هو انعكاس لسقوط الدولة البسيطة الاستبدادية، وإذا أردنا الحفاظ على الوحدة، فيجب الذهاب إلى إعادة صياغتها ضمن إطار فيدرالي اتحادي من أقاليم عدة، وبما يضمن إعادة تقسيم السلطة والثروة، ويحقق مبدأ الشراكة والاستقلالية".


ولم يعد الجنوب بمفرده من يرفض عودة المركزية أو الارتباط بالنظام المركزي. ووفقاً للسياسية اليمنية، فإن تعز "لا يمكن أن تقبل العودة إلى أن تُحكم من سلطة في صنعاء، ولن تقبل مأرب ولن تقبل تهامة وغيرها". ورأت الدبعي أنه "ما لم يذهب اليمنيون إلى إيجاد حلٍّ لمشهد الصراع الحالي، بالتفكير بصيغ اتحادية فيدرالية، تساهم في خروج اليمن من مشهد الاقتتال والحرب، ومواجهة كوارث التمزق والانقسام والأوبئة المنتشرة، وخصوصاً جائحة كورونا، فلن يكون أمامهم سوى الفناء الجماعي".

حلم تحقق في عهد أسوأ قيادتين
حتى ما قبل مقتله في ديسمبر/كانون الأول 2017 بأشهر، كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح، يقّدم نفسه بأنه الوحدوي الأول في اليمن، ويقول إن تحقيق الانفصال "أبعد من عين الشمس". لكن منذ حرب صيف العام 1994 واجتياح الشمال للجنوب، ساهمت ممارسات نظام صالح في الاحتقان الذي انفجر في نفوس الجنوبيين، والذين كانوا ينظرون إلى كل القادمين من الشمال، على أنهم مستفيدون من أراضيهم.

وبالإضافة إلى السواد الأعظم من الناس، يرى الناشط السياسي اليمني، شفيع العبد، أن الوحدة ظلّت حلم اليمنيين باعتبارها هدفاً لنضالات الحركة الوطنية المتوّجة بثورتي 26 سبتمبر (1962) و14 أكتوبر (1963)، لكن كثيراً من الإخفاقات رافقتها، وعلى رأسها، أنها تحققت في عهد أسوأ قيادتين حكمت الشطرين"، في إشارة إلى علي صالح وعلي سالم البيض، رئيسي اليمن الشمالي والجنوبي قبل العام 1990.

وذكر العبد، وهو عضو مؤتمر الحوار الوطني، أن هذا السوء، أفضى بالوحدة، إلى حرب صيف 1994 التي عملت آثارها على تمزيق وحدة النسيج الاجتماعي اليمني، وخلق تراتبية في سلّم المواطنة، ورسخّت حالة من الامتعاض والرفض للواقع الجديد الذي أنتجته الحرب في النفوس والعقول، وعلى الأرض.

وقال الناشط اليمني لـ"العربي الجديد"، إن "القوى السياسية اليمنية أدركت خطورة ما حصل متأخراً، بعدما ظلّت تعيش سكرة النصر المغشوش، وما كان لهذا التراجع في المواقف، وليس المراجعة، أن يحدث، لولا مسيرة الحراك الجنوبي، ومن ثم ثورة الشباب، والمتمثل في الاعتراف بفشل مشروع الوحدة، وضرورة البحث عن صيغة جديدة تجلت في إقرار الدولة الاتحادية من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل".

وفي تطابق مع الرؤية التي ذهبت إليها عضوة لجنة صياغة الدستور، ألفت الدبعي، أكد العبد، أن الشكل الاتحادي هو الضمانة الحقيقية لليمنيين لحماية أنفسهم ومصالحهم، والانتقال إلى مرحلة البناء والتنمية، وتكريس قيم التعايش ومبادئ الحكم الرشيد، ومنح المواطنين الحق في حكم أنفسهم، بعيداً عن وصاية منطقة جغرافية جنوباً وشمالاً".

وعلى الرغم من التفاؤل السائد لدى اليمنيين بإمكانية تصحيح وضع الوحدة داخلياً، إلا أن كافة المؤشرات تؤكد أن تقرير مصير اليمن، سواء بإنهاء الحرب، أو شكل الدولة المرتقبة، قد أصبح في أيدي لاعبين إقليميين ودوليين. وتتسم المواقف الإقليمية والدولية بالغموض، فالتصريحات التي كانت تصدر في مطلع سنوات الحرب، والتي تؤكد على "وحدة اليمن وسلامة أراضيه واستقلاله"، بدأت بالتلاشي في غالبية البيانات والمواقف الصادرة تعليقاً على أحداث طارئة في المشهد اليمني.

ويتخوف الشارع اليمني، من تفاهمات سعودية إماراتية إيرانية، ومن ورائها الولايات المتحدة وبريطانيا، على تقرير مصير الدولة اليمنية كما هي عليه في الوضع الحالي، بحيث يبقى الحوثي في صنعاء وباقي المحافظات الشمالية، ويتم تسليم الجنوب لـ"المجلس الانتقالي"، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات داخل البلد.