العراق: تركة عبد المهدي تكبّل الكاظمي

العراق: تركة عبد المهدي تكبّل الكاظمي

23 مايو 2020
تعهد عبد المهدي بدعم العائلات (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبالتزامن مع اشتداد التظاهرات الشعبية العراقية، والتي قوبلت بعمليات قمع استهدفت ساحات الاحتجاج، وجّه رئيس الوزراء العراقي حينها عادل عبد المهدي، خطاباً تضمّن 11 قراراً حكومياً، ترتبط بتحسين ظروف عيش العراقيين، وذلك في سبيل تهدئة الجماهير الغاضبة، التي خرجت إلى الشارع في أكثر من 10 مدن عراقية جنوب ووسط البلاد وفي بغداد. وعلى الرغم من استقالة عبد المهدي، إلا أن القرارات الأخيرة لحكومته، ومنها أوامر توظيف عشرات آلاف المواطنين، لا تزال تمثل معضلة لخلفه مصطفى الكاظمي. ويبدو رئيس الوزراء العراقي الجديد عاجزاً عن الإيفاء بوعود سلفه، بسبب تكلفتها المالية المرتفعة في ظلّ الظروف الحالية، كما هو عاجز حتى التراجع عنها.

ومن أبرز القرارات التي كان اتخذها عبد المهدي، منح رواتب لكل عائلة لا تمتلك دخلاً ثابتاً، وتوفير البدائل السكنية للمواطنين القاطنين في العشوائيات، واستمرار خطة توزيع الأراضي المخدومة مجاناً، بالإضافة إلى منح محافظات البصرة وذي قار والقادسية 30 ألف فرصة توظيف بالتساوي. كذلك تتضمن التعهدات توظيف حاملي شهادات الماجستير والدكتوراه في الجامعات والمعاهد، وصرف إعانات مالية للعاطلين من خريجي الجامعات تبلغ 150 ألف دينار لكل شخص (حوالي 125 دولارا)، ومنح قروض سكنية مُيسرة. ومن رزمة الوعود "الإصلاحية" كذلك، قرارات خدمية، مثل بناء محطات تحلية مياه وتوليد كهرباء، ومشاريع صرف صحي في البصرة وبابل والنجف وكربلاء وبغداد ومناطق أخرى منتفضة.

وقاد المستفيدون من قرار عبد المهدي بتعيين خريجي كلّيات التربية، أخيراً، حراكاً أمام وزارة التربية، بعد مضي أكثر من 6 أشهر على تعيينهم من دون حصولهم على أي راتب منذ ذلك الوقت، وهو ما اعتبره مراقبون بوادر لأزمة جديدة ستواجه حكومة الكاظمي.


وقالت مصادر سياسية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "الكاظمي يعاني مع فريقه من صعوبة الإيفاء والالتزام بقرارات اتخذها سلفه قبل استقالته، لاسيما المالية منها، وتوفير رواتب للذين تمّ تعيينهم أخيراً"، مبينة في الوقت ذاته أن رئيس الوزراء "محرج كذلك من التراجع عن التعهدات المرتبطة بتوظيف عشرات الألاف، فضلاً عن المنح وقرارات ارتجالية أخرى". وأشارت المصادر إلى أن "عبد المهدي لم يكن على علم بما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية في البلاد، بل غايته الوحيدة مع فريق مستشاريه، تهدئة الانتفاضة، كما أن غالبية القرارات لم يتم دراستها بشكلٍ صحيح، وكل الالتزامات باتت اليوم على عاتق الكاظمي".

بدوره، رأى عضو تحالف "سائرون"، أكبر الكتل البرلمانية، أمجد العقابي، أن "عبد المهدي ورّط العراق بسلسلةٍ من القرارات السيئة، والتي صدرت عنه من أجل منع استمرار الاحتجاجات، لكنها ساهمت بإشعال التظاهرات أكثر، حتى بلغت مرحلة خطيرة". واعتبر العقابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الكاظمي أمام مهمة ليست سهلة أبداً، ونحن في تحالف سائرون، نعرف حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه، لذلك ندعمه ونؤيد قراراته الخاصة بحفظ العراق وسيادته".

من جهته، شدّد عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، حنين قدو، على أن "حكومة الكاظمي ملزمة بالإيفاء بكل قرارات سابقتها، أما التبرؤ منها فيعني فقدان مصداقية الحكومة لدى الشعب"، لافتاً إلى أن "الموازنة المالية الجديدة لا بد أن تشهد بعض التعديلات بما يتناسب مع التغيرات". وتتعلق هذه التعديلات، بحسب رأيه، خصوصاً بـ"مرتبات الموظفين الجدد، لاسيما الذين عيّنوا خلال فترة التظاهرات، ولا يمكن أبداً التنصل من دفعها، على الرغم من أن قرار تعيين آلاف الخريجين جاء عاطفياً وغير مدروس، إلا أنه في النهاية يُعبّر عن وجهة نظر الحكومة، التي تقع عليها مهمة إدارة الأزمات".

وأوضح المحلل العراقي عبد الله الركابي، أن "الأسابيع الأخيرة من عمر حكومة عبد المهدي، كانت تنزلق باتجاهات خطيرة، فإلى جانب سيطرة واضحة لزعماء المليشيات على مفاصل مهمة من الدولة، ولمساتهم الكبيرة على القرارات الأمنية المتعلقة بقمع التظاهرات، حصلت كوارث أعمق وأخطر على مسار الحكومة". ووضع الركابي  قرارات عبد المهدي ووعوده، في إطار تلك الكوارث، إذ إن الأخير "اتخذها من دون الرجوع إلى الوزارات وإمكاناتها، كما أنه أغفل دور السلطة التشريعية". واستبعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "يكون الكاظمي قادراً على حلّ هذه المعضلة، في ظلّ الأزمات الحالية، لاسيما أن غالبية القرارات لا تحل بالتسويات السياسية، لارتباطها بالمشاكل الاقتصادية".

ورأى الركابي أن "الكاظمي يقف أمام مهمة غير اعتيادية، فهو محاصر بأكثر من جبهة، منها المتظاهرون الذين يرفضونه أصلاً، فضلاً عن الموظفين المتخوفين على رواتبهم، إضافة إلى استمرار تذبذب أسعار النفط وعدم ثباتها، مع وجود كيانات سياسية لا تزال تطالب بالحصص وتعيش في وادٍ بعيد عن المحنة العراقية".

ويواصل المتظاهرون في العراق احتجاجاتهم، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مطالبين بانتخابات مبكرة وقانون جديد، في بلد تتفاقم فيه المشاكل الأمنية والاقتصادية منذ العام 2003، وهم تعرّضوا طوال الأشهر الستة الماضية إلى "قمعٍ مفرط" بحسب منظمات عالمية، كما أدى ذلك إلى مقتل نحو 700 متظاهر منهم. وتراجعت في الأسابيع الماضية أعداد المحتجين بسبب الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة العراقية بعد انتشار فيروس كورونا، لكنهم يؤكدون عزمهم على مواصلة وتنشيط حراكهم.