مصر ترحب بإحياء مفاوضات سد النهضة... وإثيوبيا تستعجل الملء

مصر ترحب بإحياء مفاوضات سد النهضة... وإثيوبيا تستعجل الملء

03 مايو 2020
مرّت تسع سنوات على بدء بناء السدّ(إدواردو سوتيراس/فرانس برس)
+ الخط -


كشفت مصادر مصرية أن القاهرة ردّت على مقترحٍ أميركي جديد بالعودة إلى مسار مفاوضات واشنطن حول ملف سدّ النهضة، بعد نقل هذا المسار إلى مسؤولية وزارة الخارجية الأميركية بدلاً من وزارة الخزانة كما كان حاصلاً خلال الجولات السابقة، وذلك بسبب اعتراضٍ إثيوبي على العودة لهذا المسار في حال استمر تحت مسؤولية وزير الخزانة ستيفن منوتشين. وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إنه في الوقت الذي لم تمانع فيه القاهرة من نقل الملف إلى مسؤولية وزارة الخارجية الأميركية، أبدت رفضها التام لاستبعاد البنك الدولي كطرفٍ مراقب، أو استبداله بطرفٍ إقليمي. ولفتت المصادر في هذا الصدد إلى رفض القاهرة إشراك الاتحاد الأفريقي، بعدما اقترحت أديس أبابا ذلك على الولايات المتحدة، ضمن مطالبها للعودة مجدداً إلى مسار مفاوضات واشنطن.

ويأتي ذلك فيما ظهرت مؤشرات جديدة على تصعيد إثيوبيا في قضية السد، إذ أكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، انطلاق تحضيرات محلية لبدء الملء والتشغيل، عبر تشغيل العاطلين عن العمل بسبب جائحة كورونا، وذلك على الرغم من الضغوط الأميركية المتواصلة على أديس أبابا لمنع مثل هذه الخطوة، قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.

مصر تسابق الوقت
وفي ما يتعلق باستئناف مفاوضات واشنطن، كشفت المصادر أن القاهرة أكدت خلال مباحثات هاتفية جرت أخيراً بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره الأميركي مايك بومبيو، على حصر العودة إلى المفاوضات مجدداً، في البنود الخلافية فقط في الاتفاق السابق الذي وقّعته مصر بالأحرف الأولى، وعدم البدء في مسار تفاوضي جديد.


وبحسب المصادر، فإن البند الخاص بكمية المياه التي سيتم تمريرها من السد، والتي تمّ التوصل إليها خلال الجولات السابقة من المفاوضات التي استقبلتها العاصمة الأميركية، والمقدرة بـ37 مليار متر مكعب، سيكون أول البنود التي سيتم التباحث بشأنها، بعدما اعترضت عليه أديس أبابا.

وجاءت صياغة هذا البند في اتفاق واشنطن بعد مفاوضات مُضنية توصل خلالها المراقب الأميركي إلى صيغةٍ وسط، بين المقترح المصري الذي تمسّك وقتها بتمرير 40 مليار متر مكعب، في حين تمسك الجانب الإثيوبي بتمرير 32 مليار متر مكعب فقط، قبل أن تعترض أديس أبابا لاحقاً، مؤكدة صعوبة تنفيذ المقترح الذي تضمنه الاتفاق المبدئي. وجاء اعتراض إثيوبيا بدعوى أن هذا المقترح لن يمكنها من الاحتفاظ بمنسوب المياه في البحيرة خلف جسم السد عند 595 متراً، لكونها ستكون مضطرة للتصريف المباشر من مياه البحيرة في حالات الجفاف، وهو ما سيعيق عمليات توليد الكهرباء من السد، بشكلٍ يهدد بانقطاع عمليات التوليد في أي وقت.

كما كشفت المصادر أن القاهرة قد تقبل بخفض الكمية المتفق على تمريرها، لتصل إلى 34 مليار متر مكعب بدلاً من 37، وذلك لتسريع عملية التوصل إلى اتفاق نهائي قبل بدء إثيوبيا عمليات التخزين في السد، وذلك مقابل إعادة ضبط بنود أخرى في الاتفاق بحسب المصادر، التي أوضحت أن التصرف الإثيوبي الأخير بالتراجع عن التوقيع في اللحظات الأخيرة، دفع الجانب المصري لإعادة النظر ببعض البنود المتعلقة بالجانب الإجرائي وضمانات التنفيذ، وهو ما ستسعى إلى إعادة ضبطه، مقابل التساهل في الجزء الخاص بالكمية الممررة.

وأوضحت المصادر أنه "على الرغم من الاتجاه المصري بأن القبول بكمية أقل يعد انتصاراً للنهج الإثيوبي في التفاوض، وهو السبب الأساسي الذي دفع أديس أبابا للتملص من التوقيع، إلا أن ضمان الاستمرارية من دون مراوغات إثيوبية في المستقبل يعد مكسباً، في ظلّ التفاوض مع خصمٍ غير شريف، ويتلاعب بعدما دفع العملية التفاوضية برمتها إلى المسار الذي رسمه منذ البداية".

يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه المجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة في بناء سد النهضة الإثيوبي، أن "الموقف الخاطئ لبعض البلدان أعاد تنشيط دعم السد". وتابعت المديرة العامة للمجلس، رومان جبريسيلاسي، في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الإثيوبية، أن "الدعم قد أعيد تنشيطه بعد الموقف الخاطئ لبعض البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتجاهل سيادة إثيوبيا". وأشارت إلى أن "ما يريده الإثيوبيون هو ضمان تنميتهم المستقبلية والحد من فقرهم، وبالتالي فإن النهج غير العادل لبعض الأوساط، أثار الغضب وعزّز دعم الجمهور لبناء السد".

وكشف المكتب الوطني لتنسيق المشاركة العامة في بناء سد النهضة الإثيوبي عن جمْع أكثر من 530 مليون بير إثيوبي (قرابة 10 ملايين دولار أميركي) خلال الأشهر التسعة التي مضت.

من جهته، قال وزير المياه والطاقة والري الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، بداية شهر إبريل/نيسان الماضي، خلال احتفالية رسمية بالعام التاسع لبدء إنشاء سد النهضة، إن أي ضغوط خارجية لن تثني أديس أبابا عن الاستمرار في سدّ النهضة.


الملء بموعده المعلن
وفي إشارة جديدة على إصرار الحكومة الإثيوبية على بدء عملية ملء وتشغيل سد النهضة في يوليو/تموز المقبل بغض النظر عن الاتفاق أو حتى التنسيق المسبق مع مصر والسودان، أطلقت وزارة المياه والطاقة حملة لتشغيل الشباب والرجال على مستوى البلاد، خصوصاً من ولاية بني شنقول التي يقع فيها السدّ وولايتي أوروميا وأمهرة، كعمالة مؤقتة، في أنشطة مرتبطة ببدء الملء وتطهير المياه وإزالة الغابات في المنطقة المتاخمة لمجرى النيل لتقليل نسبة المياه المفقودة وتحقيق الاستفادة القصوى من المياه المتدفقة.

وقال مصدر إثيوبي تابع لحزب "جبهة تحرير تغراي"، المنافس الأبرز لحزب رئيس الوزراء آبي أحمد في الانتخابات المقبلة المؤجلة لأجل غير مسمى، إن الأحزاب الإثيوبية التي شاركت في الحوارات الوطنية الأخيرة التي نظّمتها الحكومة حول سد النهضة الشهر الماضي، تلقت تأكيدات على بدء الملء في موعده المعلن، على الرغم من الضغوط الأميركية المتواصلة لمنع الملء قبل الاتفاق على قواعده وطريقة التشغيل مع مصر والسودان.

وأضاف المصدر أنه من المتوقع أن تلقى دعوة الحكومة لتشغيل العاطلين في هذه الأعمال المؤقتة إقبالاً كبيراً من الشباب، خصوصاً بعدما تعطّلت العديد من المشاريع التي كانت تنشط بتمويل أو باستثمارات أجنبية بسبب جائحة كورونا، كما أنه من المتوقع استمرار الأعمال لحين بدء السد في توليد الكهرباء بشكل تجريبي في ربيع العام المقبل، بحسب تقديرات الحكومة.

وذكر المصدر أن من بين ما أكد عليه وزير الطاقة سيليشي بيكيلي في تلك الحوارات الوطنية التي عقدت بعض جلساتها بتقنية "فيديو كونفرانس" لتقليل الاحتكاك المباشر بين الأشخاص (بسبب كورونا)، أن إثيوبيا ليست ملزمة بانتظار الاتفاق النهائي مع مصر والسودان لملء السد للمرة الأولى، لأن كفاءة التخزين الحالية لا تسمح بأكثر من 4.9 مليارات متر مكعب من المياه، وهو ما يكفي بالكاد لتشغيل وحدتين لتوليد الطاقة في المرحلة الأولى التي يمكن وصفها بالتجريبية. وبحسب المصادر، فإن الموقف الإثيوبي يرتكز على أن القاهرة ليس لها الحق في أن تتداخل مع أديس أبابا في كيفية إدارة السد، إلا بعد الوصول لمستوى التخزين الذي يؤثر فعلياً على حصتها من المياه. ويأتي ذلك علماً أن كل توربينات السد ستكون جاهزة للعمل عند اكتمال تخزين كمية 18.4 مليار متر مكعب، ما سيؤدي إلى تناقص منسوب المياه في بحيرة ناصر جنوب السدّ العالي بشكل كبير، خصوصاً إذا انخفض منسوب الفيضان في العامين المقبلين، ليقل عن مستوى 170 متراً، ما يعني خسارة 12 ألف فدّان من الأراضي القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد كمرحلة أولى، من إجمالي 200 ألف فدان تتوقع وزارة الموارد المائية والري المصرية خروجها نتيجة المدة الإجمالية للملء.

وتعليقاً على ذلك، قال مصدر فني في وزارة الري المصرية لـ"العربي الجديد"، إن إثيوبيا تتهرب من التفاهم حول قواعد الملء الأول، حتى تحقق أقصى استفادة ممكنة من فترة الفيضان العالي المتوقعة هذا العام، وبحجة أن حفاظ مصر على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 متراً، قد يؤدي إلى حرمانهم من إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً إلى تدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي فإنهم يعتقدون بأن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.

وأضاف المصدر أن التأثير على منسوب المياه في بحيرة ناصر، قد يظهر في ربيع العام المقبل إذا طرأت أي ظروف في الشتاء تقلل من كمية المياه المتدفقة، أو إذا ارتفع معدل استهلاك المياه أو إهدارها لأي سبب في السودان. وبالتالي، بحسب رأيه، فإن التعامل مع مسألة الملء الأول للسد يجب أن يكون حاسماً، خصوصاً أن إثيوبيا إذا استطاعت المرور بقرار مستقل في هذه المسألة، فسنرى سلسلة من القرارات المستقلة الأخرى التي ستنعكس بخطورة بالغة على أمن مصر المائي.

وبالإضافة إلى كمية المياه الممررة، تتمثل النقطة الخلافية الثانية بين مصر وإثيوبيا، في عدم التوافق الكامل في الرأي الفني، فهناك اتفاق فني بين الخرطوم وأديس أبابا على ضرورة إبقاء منسوب المياه في بحيرة سد النهضة أعلى من 595 مترا فوق سطح البحر، لتستمر قدرته على إنتاج الكهرباء، بينما ترى مصر أن هذا الأمر غير عادل إذا انخفض مقياس المياه في بحيرة ناصر عن 165 أو 170 مترا، وكانت واشنطن ترى معقولية ووجاهة الطلب المصري في هذا الصدد، بينما الطرفان الآخران لا يرغبان في الربط بين مؤشرات القياس في سد النهضة والسد العالي.

وتجادل مصادر مصرية بأن إثيوبيا قد لا تستطيع فنيا، البدء في ملء الخزان في موعدها المأمول بسبب عدم جاهزية الجسم الخرساني للقطاع الأوسط من السد حتى الآن والمفترض أن يتم الانتهاء منه قبل شهرين على الأقل من بدء الملء، أخذا في الاعتبار أن الحكومة الإثيوبية أعلنت أن السد تم إنجازه بنسبة 72% فقط، علما بأن مصر كانت تفضل قبل المفاوضات الأخيرة البدء السريع في فترة الفيضان والرخاء الحالية في نهر النيل.



 

دلالات

المساهمون