الشعب يخطئ أيضاً

الشعب يخطئ أيضاً

18 مايو 2020
يعايش التونسيون أزمة صحية وأخرى سياسية (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -


في تونس حكومة قلقة وأحزابها منزعجة، وكل يبادل الآخر ضيقاً وتبرماً واضحاً، حتى لا يكاد صدر أحدها يتسع لأي ملاحظة أو مبادرة يقترحها الآخر. وليس سرّاً أن نتحدث عما يضمره الجميع، وتربص الكل بالكل. فبين حركتي النهضة والشعب حرب ضروس، وبين "النهضة" والتيار الديمقراطي حساب قديم ومعاول تشحذ. ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ يلعب سراً، ويريد أن يربح من الجميع. وحزب تحيا تونس، الخارج من الحكومة الماضية، لا يرضى بمكانه في الصفوف الخلفية، والرئيس قيس سعيّد يضرب الجميع ويواصل حملته الانتخابية. أما خارج الحكومة، فحدّث ولا حرج، فقلب تونس ينتظر متى تسقط هذه الحكومة ليدخل المقبلة، وزعيمة الحزب الدستوري عبير موسى معتكفة في البرلمان في العشر الأواخر من رمضان، ولا همّ لها إلا إسقاط الغنوشي…
وهذه هي الحال منذ وُلدت هذه الحكومة نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، أي أنها لم تعمّر بعد ثلاثة أشهر، ولكن مكوناتها تتبادل القصف العشوائي وتضيق ببعضها، والبلاد، ككل العالم، تعيش أزمة خانقة، لا أحد يعلم متى تنتهي ولا كيف سنخرج منها، لكن الأكيد أن تداعياتها ستكون كبيرة على اقتصاد عليل وشعب تتكاثر طلباته منذ عشر سنين ولا من مجيب.
لكن هذا لا يهم الأحزاب، وهي لا تكترث له ولا تعبأ به، فقد انتهت الانتخابات، والاستحقاق المقبل لا يزال بعيداً، ومدونة الشعارات جاهزة إذا حضر التلفزيون في البرلمان.
ويتساءل التونسيون إذا كان هذا هو الحال، فما الذي يجبر هذه الأحزاب على هذا الزواج بالغصب؟ ولماذا لا تنفضّ هذه الشركة المعتلة منذ أيامها الأولى؟ خصوصا أن مآلها السقوط في كل الحالات، وهكذا يرتاح الجميع ونربح وقتاً ثميناً ونستغني بالخصوص عن وجع الرأس الذي يتسببون فيه للمواطنين في الإذاعات والتلفزيونات قبل أن تسقط هذه الحكومة، وإذا ما تواصل الحجر الصحي فسنكون مجبرين على متابعة هذا العقاب القاسي.
لكن الأحزاب ليست وحدها المخطئة، فالشعب يتحمل مسؤولية كبيرة في المشهد الذي صنعه بنفسه عن قصد وبوعي. ويتذكر التونسيون، الذين صنعوا ثورة وأسقطوا نظاماً وغيروا حكومات وكتبوا دستوراً، كيف كانت نقاشاتهم تدور عشية الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية، وكيف تحولت المقاهي والبيوت والإدارات إلى منتديات نقاش حول الرئيس الأصلح والحزب الأكفأ والنموذج السياسي الأفضل. أي أنهم قادوا إلى هذه النتيجة بأنفسهم، وعليهم أن يتحملوا جزءاً من المسؤولية ويتعلموا الصبر على ما سوّته أيديهم، في انتظار الانتخابات المقبلة، لأن الشعب ليس دائماً على حق وإنما يخطئ أيضاً. وهذا درس الديمقراطية القاسي، ولكن الضروري للمستقبل.