تصدع في الائتلاف الحكومي التونسي يهدد بقاءه

تصدع في الائتلاف الحكومي التونسي يهدد بقاءه

13 مايو 2020
تساؤلات عن قدرة الفخفاخ على جمع الأفرقاء(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تصاعدت في الأيام الأخيرة حدة الخلافات بين حركة "الشعب" وحركة "النهضة"، المتحالفتين في حكومة إلياس الفخفاخ، ووصلت إلى حد ينذر بقطيعة داخل الائتلاف الحكومي التونسي، باعتبار أنه تشكل أصلاً وسط خلافات كبيرة بين أغلب مكوناته. لكن الخلافات بين الحركتين ليست جديدة، ولا مفاجئة، فهما تختلفان جذرياً حول الكثير من الملفات الأساسية، ومن بينها فهمهما للثورة وتصورهما للعلاقات الدولية التونسية. وكشف تصريح للنائب عن حركة "الشعب" هيكل المكي أخيراً عمق هذا الخلاف. فقد توجه، في البرلمان، بالتحية إلى "الجيش العربي السوري الذي يقاوم الإرهاب والمشروع التركي الصهيوني في أرضنا... والشعب الليبي الذي يجهض مشروع التتريك الجديد، ويُسقط الاتفاقية الأمنية والبحرية التي تجعل من ليبيا ولاية عثمانية. وتحية كذلك للجيش الوطني الليبي (مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر) الذي يقاوم المليشيات الإرهابية المسلحة المدعومة من الأتراك"، على حد تعبيره، وهو ما أثار استغراب كثيرين، لكنه كشف حقيقة وعمق الخلافات بين مكونات حزبية تونسية كثيرة تنقسم حول هذه المواضيع. ووصف المكي، رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، بـ"كبير الإخوان المتأسلمين بتونس"، وحمّله "المسؤولية عن سلامته الشخصية" بسبب ما قال إنه "تجنّد صفحات تابعة لحركة النهضة ضده".

لكن تصريح الأمين العام لحركة "الشعب" زهير المغزاوي، في حوار إذاعي، أشعل هذه الخلافات، وأكد أيضاً هشاشة هذا الائتلاف الحكومي، إذ اعتبر "أن إسقاط الحكومة وحلّ البرلمان وفق قواعد دستورية وسلمية أمر قانوني، لكن الدعوة إلى إسقاطها بطريقة متهورة وتآمرية من بعض الخاسرين من الانتخابات الماضية هو الذي نرفضه". واتهم المغزاوي أطرافاً من داخل الحكومة بالوقوف وراء هذه العملية، قائلاً إن "أطراف في السلطة غير بعيدة عن مثل تلك الدعوات"، متابعاً: "النهضة تضع رِجلاً في الحكومة وأخرى في المعارضة". واعتبر المغزاوي الائتلاف الحكومي غير تقليدي، وما يجمعهم فقط، الوثيقة التعاقدية والأطراف التي حولها تشقها تناقضات، مشيراً إلى أن "النهضة وتحيا تونس مسؤولون عن الوضع السابق للبلاد".

واتهم المغزاوي رئيس البرلمان ورئيس "النهضة" راشد الغنوشي باستغلال أزمة كورونا، والأغلبية في المجلس لتمرير بعض القوانين، مثل اتفاقيتي قطر وتركيا اللتين لا تتطلبان أي استعجال نظر، مشدداً على أن "الكتلة الديمقراطية رافضة لهذه الاتفاقيات بالصيغة الحالية، والمسألة ليست أيديولوجية، رغم موقفنا من قطر وتركيا. ونبجل مصلحة تونس قبل كل شيء، لكننا نرفض عملية المرور بقوة"، وفق تعبيره. وتابع المغزاوي قائلاً إن "الائتلاف الحكومي متناقض، وفيه أحزاب متصارعة، وهو ما يفسّر بعض السياسات الخاطئة والمتعارضة في بعض الأحيان"، مضيفاً أن "حديث بعض أحزاب المعارضة، على غرار عبير موسي، أنها هي من يقف وراء إسقاط الاتفاقيتين غير صحيح، لأن من طالب بتأجيل النظر فيها، الحكومة والأحزاب الداعمة لها".

وهاجم المغزاوي رئيس كتلة "النهضة" نور الدين البحيري، بعد انتقاده حركة "الشعب"، واصفاً إياه بأنه "شخص كاذب مثل حركته التي تحالفت في السابق مع النداء للفوز بغنائم الحكم، ثم انقلبت عليه". وأكد أن "نجاح وزير الصحة عبد اللطيف المكي (عن حركة "النهضة") في مواجهة كورونا ما كان ليتحقق لولا فريق العلماء والأطباء الذين معه، ولولا الإجراءات الحكومية وجهود بقية الأطراف". وهاجم وزير النقل أنور معروف (عن "النهضة" أيضاً)، قائلاً إن الذي يدعي محاربة الفساد متورط في قضية السيارة الوزارية (اتُّهم بأن ابنته كانت تقودها في أثناء حادث مروري) والقضية مطروحة أمام القضاء.

وردّ القيادي في حركة "النهضة" مختار اللموشي بأن "الأشد استهدافاً للنهضة، والأكثر افتراءً عليها، هما اللذان كانا أول من اجتمع بالسيد الرئيس (قيس سعيد) في بيته"، في إشارة إلى المغزاوي والنائب سالم الأبيض من حركة "الشعب". وردّ الوزير عبد اللطيف المكي، بدوره على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، بأنّ "من الشرف أن ينجح بالتعويل على العلماء، والإيمان بدورهم، لأن هذا منهج إدارة حكيم". لكن الرد الأقوى كان من رئيس مجلس شورى "النهضة" عبد الكريم الهاروني، الذي اعتبر أن الاتفاقيتين مع قطر وتركيا لا لبس فيهما، ومن عارضهما مصطف مع أجندات إقليمية معارضة للربيع العربي. ونشرت "النهضة" تصريحات أخرى للهاروني قال فيها إن حركته قبلت بتشكيل حكومة، مع علمها بصعوبة التعامل مع أطراف حديثة في الحكم، ولم تتخلص من خلفياتها الأيديولوجية. لكن الهاروني أشار إلى ملف خلافي آخر، مع "التيار الديمقراطي" هذه المرة، قال فيه إن ما يجمع حركته مع التيار أكثر مما يفرقه، لكنها ترفض منح الوزير محمد عبّو، عن "التيار الديمقراطي"، صلاحيات رئيس الحكومة، لأن هذا سينتج حكومة برأسين.

ويتساءل التونسيون الذين يتابعون هذا السجال العنيف بين هذه الأطراف عن إمكانية استمرار هذا التحالف، في ظل هذه الخلافات الكبيرة، فيما لم تهنأ حكومة الفخفاخ ببوادر انتصارها على فيروس كورونا، حتى الآن على الأقل. حركة "تحيا تونس" (أحد أطراف الائتلاف الحاكم)، التي يقودها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، أكدت، في بيان لها، مساندتها للحكومة وتمسكها بالاستقرار السياسي، وأهابت بكل القوى الوطنية بالمزيد من توحيد الصفوف في مجابهة تداعيات أزمة كورونا بعيداً عن التجاذبات، ورفضها "لكل الدعوات الرامية إلى نشر الفوضى وبث البلبلة، قصد المس باستقرار مؤسسات الدولة، ومن مسار الانتقال الديمقراطي".

بدوره، دعا مجلس شورى "النهضة"، "كل القوى الوطنية السياسية والاجتماعية للالتفاف حول الحكومة، في مواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة، واستبعاد كل المناكفات السياسية تحقيقاً للوحدة الوطنية". وجاء هذا الموقف في بيان للمجلس رداً على دعوات الفوضى، التي يتساءل كثيرون عمّن يقف وراءها في هذه الظروف، والجهات السياسية، الداخلية والخارجية، التي قد تقف وراءها وتحركها. لكن السؤال الآخر يتعلق بمدى قدرة الفخفاخ على لملمة هذه الخلافات التي تهدد عمر حكومته، وقدرته على جمع الأفرقاء، ومحاولة دفعهم إلى أرضية مشتركة تقوم على ما يجمع هذه الأطراف، مع أن ما يفرقها أكبر بكثير مما يجمعها. وإذا ما كانت هذه الخلافات قد برزت بهذه القوة والحكومة تنجح في إدارة أزمة كورونا وترتفع شعبيتها لدى التونسيين، فكيف ستكون العلاقات بعد انتهائها وانكشاف حقيقة الأرقام الاقتصادية والأزمة الاجتماعية، وكشف عدد العاطلين الجدد من العمل والمؤسسات المتضررة ووضع صناديق الدولة التي أنفقت كل الموارد على كورونا، والخلافات المُرحلة مع أرباب العمل والمستثمرين وكذلك مع اتحاد العمال؟