التوتر بين درعا والسويداء: النظام وروسيا يحاولان افتعال فتنة

التوتر بين درعا والسويداء: النظام وروسيا يحاولان افتعال فتنة

07 ابريل 2020
أحد المتورطين بالتوترات زعيم تشكيل بدرعا تابع للروس(فرانس برس)
+ الخط -

لم تكد تمرّ أيام على انتهاء التوتر بين أهالي محافظتي درعا والسويداء في الجنوب السوري، حتى عادت عمليات الخطف المتبادل من قبل مجموعات من الطرفين تعمل على دفع الأحداث إلى حافة الصدام، وسط تحذيرات من خطورة الوصول إلى هذه المرحلة، لا سيما أنها تصبّ بمصلحة النظام السوري، الذي لطالما سعى إلى إحداث فتنة طائفية.

واختطف شبان من بلدة بصر الحرير التابعة لمحافظة درعا، السبت الماضي، مجموعة من قوات النظام تتحدر من محافظة السويداء ذات الغالبية من أبناء طائفة الموحدين الدروز، أثناء مرور سيارة تقلهم في البلدة. وذكرت مصادر محلية أنّ اختطاف العناصر يأتي "كردة فعل" على قيام عصابة في السويداء بخطف مدنيين من أبناء محافظة درعا، كانوا في السويداء، يوم الجمعة الماضي، مشيرةً إلى أنّ شاباً من الأخيرة اختطف، الجمعة أيضاً، في بلدة بصر الحرير.

وكانت المحافظتان الجارتان قد شهدتا أواخر الشهر الفائت توتراً أدى إلى اشتباكات نتج عنها سقوط قتلى بين مجموعات مسلحة، عقب قيام مسلحين ينتمون لعصابات من السويداء تمتهن الخطف من أجل الفدية، باختطاف مدنيين اثنين يتحدران من ريف درعا، كانا يستقلان مركبة محملة بالأبقار، وفُقدا قرب بلدة القريّا، جنوب السويداء. وإثر ذاك، تسلل ثلاثة مسلحين يستقلون دراجة نارية، من جهة مدينة بصرى الشام باتجاه أراضي بلدة القريّا، وأطلقوا النار على سيارة تقل ثلاثة مدنيين من أبناء البلدة، بعدما حاولوا خطفهم، ما أدى إلى مقتل أحدهم وإصابة الآخرين. وجرت اشتباكات بين مسلحين من الجهتين أدت إلى مقتل 10 أشخاص من الفصائل المحلية في السويداء وإصابة ستة آخرين منهم بجروح، بالإضافة إلى مقتل أربعة من مسلحي بصرى الشام.

وتدخّل الجانب الروسي محاولاً تخفيف حدة التوتر بين الجانبين، إذ سلّمت مجموعات درعا جثامين ستة من أبناء السويداء قتلوا في الاشتباكات إلى وجهاء من المحافظة في قرية عرى بوساطة الهلال الأحمر السوري، بينما أطلقت الفصائل المحلية في السويداء سراح شخصين من منطقة بصرى الشام، كانت هذه الفصائل قد اختطفتهما في وقت سابق. وصدر بعد ذلك بيان مشترك عن وجهاء المحافظتين، أكدوا فيه على تعزيز روابط العلاقات بين درعا المعروفة بـ"سهل حوران"، والسويداء المعروفة بـ"جبل العرب". ونصّ البيان على ضرورة إنهاء ملف المخطوفين، وتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة شؤون هؤلاء، والبحث في ملابسات الاقتتال الذي حصل أخيراً قرب بلدة القريا في محافظة السويداء. ولكن التوتر سرعان ما تجدد مرة أخرى، ما يؤكد أنّ هناك جهات مستفيدة، في مقدمتها النظام، من اندلاع صراع طائفي في جنوب سورية.

وذكرت مصادر محلية في السويداء لـ"العربي الجديد"، أنّ ما وصفتها بـ"العصابات المدعومة من النظام"، هي التي تقف وراء الحوادث التي حصلت، مشيرةً إلى أنّ مجموعة القيادي السابق في فصائل المعارضة السورية أحمد العودة، التابعة للفيلق الخامس المدعوم من الروس، تتحمّل جانباً كبيراً من المسؤولية.

في حين أشارت مصادر محلية في درعا إلى أنّ تصرفات مجموعة العودة "تأتي كرد فعل على عمليات الخطف التي تجري بحق مدنيين من درعا من قبل عصابات ينتمي أفرادها إلى السويداء". وفي بيان لها، أعلنت عشائر منطقة حوران رفضها لـ"الطائفية بكل أشكالها"، وأكدت "حرصها على العيش المشترك وحسن الجوار"، مشيرةً إلى أنها تعوّل "على العقلاء لنزع فتيل الفتنة ورأب الصدع".

من جانبها، حمّلت "حركة رجال الكرامة"، التي تضمّ شخصيات في السويداء معارضة للنظام السوري، الأخير وروسيا مسؤولية الأحداث التي جرت أواخر الشهر الفائت وأدت إلى سقوط قتلى من الطرفين. وقالت في بيان صادر عنها قبل يومين: "إنّ الحركة تؤكد بالبيان الموثوق أنّ الجهة الوحيدة المسؤولة عن مجزرة القريا هي التشكيل التابع للفيلق الخامس في محافظة درعا، الذي يقوده الإرهابي أحمد العودة، وهو تشكيل من مرتبات الجيش العربي السوري، ومن المعلوم للقاصي والداني أنّ هذا الفصيل يتبع مباشرةً للقوات الروسية في سورية". وأشارت الحركة إلى أنّ "الأحداث العديدة التي حصلت عبر السنوات الماضية، كان وراءها دوماً متآمرون"، مضيفةً "ولو أنّ أهالي الجبل والسهل لم يدركوا هذا معاً في حينها، لوقعوا في فخّ الاقتتال الأهلي منذ زمن طويل".

ولفتت "حركة رجال الكرامة" إلى وجود من سمّتهم بـ"الشاذين" في السويداء "امتهنوا التعدي للإثراء على حساب أرواح الناس وكراماتهم، والمأجورين الذين ينفذون أجنداتٍ مشبوهة ومعروفة للجميع". وأكدت أنّ هؤلاء "لا يمثلون محافظة السويداء"، مضيفةً "لهؤلاء نقول: أنتم وأحمد العودة في حساباتنا واحد".

من جانبها، ذكرت مصادر في السويداء فضّلت عدم ذكر اسمها، أنّ "حركة رجال الكرامة تمثّل حجر عثرة أمام محاولات إيرانية يقودها حزب الله لنشر التشيّع بين الدروز في السويداء"، مشيرةً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الحركة "صمام أمان للمحافظة، وهو ما يدفع النظام إلى القضاء عليها من خلال توريطها بصراع مفتعل يخدم أجندة النظام وإيران في الجنوب السوري".

ومنذ بدء الثورة السورية في بدايات عام 2011، حرص النظام السوري على دفع محافظتي درعا والسويداء إلى حافة التوتر والصدام، من أجل ضمان اصطفاف الدروز إلى جانبه تحت ذريعة حماية الأقليات من مجموعات متطرفة تستهدف وجودهم. وينتشر أبناء طائفة الموحدين الدروز في مناطق سورية عدة، وخصوصاً في محافظة السويداء، وفي حي جرمانا، جنوب شرقي العاصمة دمشق، ومناطق عدة في ريفي دمشق والقنيطرة، إضافة إلى قرى عدة في جبل السماق بمحافظة إدلب، شمال غربي سورية.

وانقسم المواطنون الدروز، حالهم حال باقي مكونات الشعب السوري، ما بين مؤيد للنظام ومعارض له، أو محايد فضّل عدم الانخراط في معارضة أو موالاة. ورفض أكثر من 40 ألف شاب من الطائفة الالتحاق بقوات النظام أثناء الثورة، على الرغم من أنهم مطلوبون للخدمة الإلزامية "كي لا يكونوا شركاء في قتل إخوتهم السوريين كما يريد النظام"، وفق مصادر في السويداء.

وفي منتصف عام 2018، هاجم تنظيم "داعش" قرى في ريف السويداء الشرقي، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين. كذلك اختطف التنظيم المئات من أبناء القرى الدرزية، ولم يفرج عنهم إلا بعد إبرام صفقة مع النظام والجانب الروسي. وأكدت مصادر محلية في حينه لـ"العربي الجديد"، أنّ المجموعات التي هاجمت القرى "مرتبطة بالنظام"، وأنّ ما جرى "كان جزءاً من انتقام النظام من محافظة السويداء بسبب رفض وجهاء المحافظة دفع الشباب للخدمة ضمن قوات الأسد".

في السياق، قال الكاتب السوري حافظ قرقوط، وهو من أبناء السويداء، إنّ النظام السوري "يعيش على الخراب ويستثمر به وهو منتج له بكفاءة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "يدرك (النظام) أنه كلما كان المجتمع متماسكاً كلما عجل سقوطه، ولذلك هو يعمل بالسبل كافة على تعميق الشرخ بين المكونات الاجتماعية". وأشار قرقوط إلى أنّ النظام "يلعب بالجنوب السوري منذ عقود"، موضحاً "لكن أشكال ذلك وأدواته تختلف".

ورأى أنّ "النظام يختلق الأحداث لإشغال السوريين ببعضهم، ويصبح همهم إطفاء النيران أو كيفية تجنبها، ثمّ يقدّم نفسه على أنه الوحيد القادر على حفظ الأمن"، مضيفاً: "يمارس النظام خبث العصابات التي يفكر بعقليتها". ولفت قرقوط إلى أنّ الضغوط التي تمارس على النظام في إدلب في الشمال الغربي من سورية "تدفعه إلى فتح جبهات جديدة يؤدي فيها دور البطل الذي لولاه لاندلعت حروب أهلية في سورية. هذه كلها ممارسات نظام متهالك"، وفق ما ختم.