كورونا مصر: صراع الأجهزة بسبب التمويل وهشاشة التدابير

كورونا مصر: صراع الأجهزة بسبب التمويل وهشاشة التدابير

01 مايو 2020
عناصر ضعف الاستجابة المصرية تكمن في عدم توفر المستلزمات(Getty)
+ الخط -
يهيمن التوتر على العلاقة بين أجهزة الدولة المصرية المشاركة في إدارة أزمة فيروس كورونا، مع انعكاسه على اجتماعات عُقدت في الأسبوع الحالي بين قيادات في مجلس الوزراء وأجهزة سيادية ووزارة الصحة وعدد من الجهات الأخرى، وهي لقاءات شهدت اعتراض ممثلي القطاعات الصحية المعنية بالفيروس على السياسة التي تتبعها الحكومة بعد تخفيف القيود على الحركة والاتجاه لإعادة الأنشطة الحكومية تدريجياً. كذلك طاولت الاعتراضات النقص في الاعتمادات المالية المتوافرة للقطاع الطبي ومستشفيات الفرز ومتطلبات العزل تحديداً، وكذلك عدم توافر الميزانيات الكافية لزيادة عدد التحاليل اليومية.


في السياق، كشفت مصادر في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد" أنّه يتمّ تخصيص 65 في المائة من الاعتمادات المالية الحالية للقطاع الصحي كرواتب ومكافآت وحوافز خاصة للطواقم الطبية، التي انخفض عددها بنسبة معتبرة خلال الفترة الماضية بسبب الاستقالات من العمل الحكومي قبل بدء الأزمة. وأضافت المصادر أن حالات الاشتباه والحالات السالبة تزايدت مع انخفاض أعداد أطباء التكليف الجدد الذين تسلموا أعمالهم بعد التخرج إلى 25 في المائة، بالإضافة إلى انعدام القدرة على دمج التخصصات غير الطارئة في منظومة التصدي لكورونا، بسبب ضعف إمكانات التدريب الوقائي والإمكانات اللوجستية في المستشفيات.

وأشارت المصادر إلى أن الاعتمادات المخصصة للمصانع المركزية وملحقاتها التي زاد عددها إلى 28 مصنعاً في الآونة الأخيرة، تجعل من المستحيل إجراء أكثر من 200 ألف تحليل كورونا خلال شهرين، وأن هذا الرقم بعيد عن الأرقام التي تطلب منظمة الصحة العالمية إجراءها في مصر قياساً بمستوى انتشار الوباء وعدم إمكانية تحديد الحالات المشتبه فيها جميعاً من المخالطين، ودخول مصر منذ فترة طويلة وضع الانتشار غير المدار للفيروس. وذكرت المصادر أن الوزارة قررت منذ 3 أسابيع التوسع في إجراء التحليلات للطواقم الطبية بعد حالة الذعر التي تسبب فيها اكتشاف إصابات داخل معهد الأورام وقصر العيني ومعهد القلب وغيرها من المنشآت الطبية الكبرى، إذ تلقت الوزارة تعهّدات بتوفير اعتمادات مالية أكبر لشراء مستلزمات التحاليل بما يسمح بإجراء 1500 تحليل يومياً.

لكن الذي حدث هو أن إمكانات المصانع البشرية واللوجستية لم تتحمّل إجراء كل هذا العدد من التحاليل للطواقم الطبية بجانب حالات الاشتباه، وتسبب ذلك في وضع معايير لأولوية إجراء التحاليل، ما عطّل الاكتشاف المبكر لمئات الحالات من المواطنين والطواقم الطبية. وبحسب المصادر فقد تمّ تسجيل حالات تراوحت فترة اكتشافها بعد إخضاعها للتحليل بين 5 و10 أيام، وذلك في مستشفيات الحميات بالمدن الكبرى والمستشفيات ذات الأطقم الطبية الكبيرة، مثل مستشفيات حميات إمبابة والعباسية وحلوان ومعهد الأورام.



وبعد الوقوع في هذه الأخطاء الناتجة عن عدم التقدير السليم لحجم الحالات وكفاءة المعامل، فوجئت الوزارة أيضاً بضعف التمويل الجديد، مما دعاها لتغيير خطتها سريعاً ووقف عمل التحاليل الإجبارية العامة للطواقم الطبية، بما في ذلك العاملة بمستشفيات الفرز والإحالة والعزل، لتوفير المستلزمات لتحاليل حالات الاشتباه والمرضى تحت العلاج والملاحظة. وكشفت المصادر عن صدور تعليمات شفهية جديدة لمستشفيات العزل بالاكتفاء بإجراء فحص سريع بالكواشف السريعة لأفراد الطواقم الطبية، في حال رغبوا في مغادرة أماكن عملهم إلى منازلهم أو العودة منها، الأمر الذي استقبلته الأطقم الطبية بالغضب الشديد والرفض، لا سيما بعد تحول أول مستشفى للعزل بالنجيلة إلى بؤرة حقيقية لانتشار المرض بتسجيل 21 إصابة حتى الآن بين العاملين بها ووفاة اثنين منهم.

في المقابل، قال مصدر حكومي إن التقارير اليومية عن آثار قرار الحكومة بتخفيف القيود على الحركة الصادر الأسبوع الماضي، تربط الزيادة الكبيرة في عدد المصابين المسجلين وعدم التراجع المأمول في نسبة الوفيات بعاملين أساسيين؛ أولهما استمرار تشغيل العديد من القطاعات من دون انقطاع وصولاً إلى الفتح شبه الكامل للمصانع والمزارع والمرافق ومواقع البناء والمقاولات، وبالتالي عدم تحقيق أي فائدة من دعوات التباعد الاجتماعي بالنسبة لتلك القطاعات الإنتاجية، التي زادت نسبة ظهور الإصابات بها في الأسبوع الأخير إلى الضعفين تقريباً نسبة لما تم تسجيله فيها بنهاية الشهر الماضي.

أما العامل الثاني فهو استمرار التعامل البطيء مع الحالات الوافدة للمستشفيات، فأوضح المصدر أنه لا يمكن لأحد التذرع فقط بمسألة تأخر الإبلاغ وانتشار الاعتقاد بالوصم الاجتماعي، في ظل الزيادة الملحوظة في تدفق الحالات على مستشفيات الحميات والصدر والتخصصية. لكن المشكلة تبقى في استمرار الاعتماد على بروتوكول صارم يمنع قبول حالات الاشتباه غير المخالطة لحالات إصابة سابقة، كما يمنع قبول حالات الاشتباه لمن هم تحت سن الخمسين إلا بعد تسجيل الأعراض الثانوية، حتى لو كشف فحص الأشعة عن احتمال الإصابة بكورونا، الأمر الذي سمح بإعادة اختلاط المرضى قبل قبولهم وتسجيلهم في أوساطهم الاجتماعية، وبالتالي انتشار العدوى على نطاق أوسع.

وأضاف المصدر الحكومي أن هناك حالة من عدم الارتياح بين السلطات والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية الذي يتخذ من القاهرة مقرّاً له، بسبب ضعف الاستجابة لتوصيات المنظمة، خصوصاً في ما يتعلق بتعطيل المصالح والتباعد الاجتماعي وبالتزامن مع تسجيل أكثر من 1300 حالة في خمسة أيام فقط، فضلاً عن تخفيف الإجراءات بمناسبة شهر رمضان، وانتشار ظاهرة خرق حظر التجول في مختلف المحافظات، وعودة بعض المصانع إلى العمل بسبب التسهيلات الاستثنائية التي منحتها الحكومة للمستثمرين في القطاعات الإنتاجية. 

وحول موقف الحكومة من استمرار تسجيل معدلات إصابة يومية عالية، استبعد المصدر أن يُجري مجلس الوزراء تعديلات على التدابير المتخذة حالياً قبل عيد الفطر (في الأسبوع الثالث من شهر مايو/ أيار الحالي)، مشيراً إلى أن "تقارير مختلفة من المحافظات كشفت انتشار خروقات بالجملة للعديد من المحاذير خلال الفترة الماضية، منها الخاص بالوصول إلى المدن الساحلية والشواطئ وغلق خدمة صالات الطعام في المطاعم ومواعيد فتح وغلق المجمعات التجارية والمحال الحرفية". ورغم ذلك، أصدر مجلس الوزراء أمس الخميس بياناً يتحدث عن ملامح لخطة جديدة للتعايش مع الوباء، تقوم على تقليل حجم العمل في المنشآت، وإلزامها باتباع الإجراءات الاحترازية الشخصية والجماعية والكشف يومياً على الأفراد، وتشجيع التعامل المالي الإلكتروني.

وتجاوزت حصيلة حالات الإصابة في مصر 5400، بإعلان وزارة الصحة تسجيل أعلى رقم يومي للمصابين والوفيات منذ بداية انتشار الوباء، وهو 269 حالة جديدة، و22 حالة وفاة، ليصل العدد الإجمالي لحالات الوفاة حتى الآن إلى 359 بنسبة 7.1 في المائة لإجمالي الإصابات. ورغم ذلك، تمضي الدولة قدماً في إعادة تشغيل الخدمات الحكومية تدريجاً، بعودة عمل بعض المصالح جزئياً، كالشهر العقاري والمحاكم. كذلك أعلنت وزارة الداخلية، البدء بتجديد تراخيص تسيير جميع أنواع المركبات في وحدات المرور على مستوى الجمهورية اعتباراً من الأحد المقبل، بالتزامن مع مؤتمر عقده في القاهرة المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أحمد المنظري، حذّر فيه من المسارعة إلى تخفيف القيود على الحركة وتخفيف توصيات التباعد الاجتماعي، مرجحاً أن تزيد أعداد الإصابات في الدول التي ستبادر إلى اتخاذ تلك الخطوات.

دلالات