كورونا يضاعف تحديات روحاني: إنقاذ الاقتصاد أولوية

كورونا يضاعف تحديات روحاني: إنقاذ الاقتصاد أولوية

26 ابريل 2020
بدأت الحكومة تطبيق خطة "التباعد الاجتماعي الذكي"(أتا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

تعيش حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وضعاً لا تُحسد عليه اليوم، بعدما ضاعف فيروس كورونا التحديات الجسام التي تواجهها على الصعيدين الداخلي والخارجي منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في الثامن من مايو/أيار 2018، لتصبح أمام واقع صعب للغاية، يقيّد قدرتها إلى حدّ كبير في اتخاذ قرارات بحجم التحديات والأزمات. يحصل ذلك قبل عام تقريباً من انتهاء ولاية روحاني الثانية، فيما لا يحق له الترشح لولاية ثالثة، وهو يحاول أن يتجاوز هذه الفترة من دون اشتباك كبير مع خصومه المحافظين في الداخل، وسط انعدام أي أفق لاختراق ما في الأزمة مع الإدارة الأميركية، وذلك على ما يبدو بغية السعي للحفاظ على موقعه داخل السلطة مستقبلاً، أسوة بمعلّمه السياسي، الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، وتجنباً لمصير مماثل لرؤساء سابقين مثل محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد ومير حسين موسوي.

داخلياً، عرّض كورونا الحكومة الإيرانية "المعتدلة" لهجمات المحافظين، وانتقادات شعبية وإصلاحية مستمرة حتى اليوم، بسبب سياساتها في مواجهة الوباء، واتهامها بالتأخّر في اتخاذ التدابير اللازمة طيلة الشهرين الأخيرين، منذ الإعلان الرسمي عن تسجيل أولى حالات الإصابة بـ"كوفيد 19" في البلاد يوم التاسع عشر من فبراير/شباط الماضي.

والمفارقة هنا، أنّ التيار المحافظ الذي يهاجم اليوم سياسات روحاني في مكافحة كورونا، واتهم أحد قادته البارزين، المرشح المحتمل لرئاسة البرلمان الجديد محمد باقر قاليباف، الحكومة بالتأخر في اتخاذ التدابير الاحترازية، في تغريدة خلال الشهر الماضي، كان قد عرقل عبر أوساط متنفذة فيه وضع مثل هذه الإجراءات في بادئ الأمر، مثل إغلاق المزارات والأماكن الدينية وصلوات الجمعة في مدينتي قم ومشهد، وخصوصاً الأولى التي تعتبر مركز ثقل الثورة الإسلامية، وتمثل المرجعيات الدينية فيها إحدى الجهات المشاركة في صناعة قرارات البلاد. ذلك قبل أن تتخذ اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا قراراً بغلق هذه المواقع ووقف الأنشطة الدينية، منتصف مارس/آذار الماضي "في إجراء غير مسبوق بهذا الشكل خلال تاريخها" بحسب المرشد الأعلى، علي خامنئي، في 22 مارس/آذار، قائلاً إنّ ذلك "خطوة اضطرارية والمصلحة اقتضتها".

وخلال الفترة الأخيرة، زادت ضغوط رجال الدين المحافظين على روحاني لإعادة فتح المزارات، ليتراجع عن قراره السابق القاضي باستمرار إغلاقها حتى 21 مايو، معلناً في 19 من إبريل الحالي، في اجتماع للجنة الوطنية لمكافحة كورونا، إمكانية فتحها مجدداً اعتباراً من الرابع من مايو المقبل "مع مراعاة التدابير الوقائية الصحية"، عازياً السبب إلى طلب رئيس الحوزة الدينية في مدينة قم، علي رضا أعرافي، ذلك منه، وكان الأخير قد شارك بدوره في اجتماع اللجنة.

وعلى الرغم من دوافع إيديولوجية ودينية وراء انتقاد محافظين متشددين للحكومة بسبب إغلاق المقامات الدينية، لا يخفى أنّ ثمة أهدافاً سياسية أيضاً وراء تزايد انتقادات التيار المحافظ لجملة سياسات روحاني بشكل عام، ومكافحة كورونا بشكل خاص، خلال الفترة الأخيرة. وهذه الانتقادات بالدرجة الأولى ليست موجهة لروحاني نفسه، الذي سينتهي عهده في الرئاسة في مايو 2021، بل تأتي في سياق التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة لاستعادة المنصب من الإصلاحيين و"التيار المعتدل"، وذلك بعد نجاح التيار المحافظ في السيطرة المطلقة على البرلمان خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي أجريت في 21 فبراير/شباط الماضي، في عملية انتخابية كان التنافس فيها بين المرشحين المحافظين أنفسهم بعد رفض ترشح معظم الإصلاحيين.

إلا أنّ التحدي الأبرز الذي تواجهه إيران اليوم على نحو عام، وحكومة روحاني بشكل خاص، بفعل كورونا، ليس التجاذبات السياسية الداخلية، وإنما الأزمة الاقتصادية التي فاقمتها تداعيات تفشي الوباء منذ شهرين، بعد اضطرار السلطات إلى إيقاف الأنشطة الاقتصادية، مثل إغلاق الأسواق والمحال التجارية، لكبح الفيروس. هذه الخطوة، بالإضافة إلى تراجع منسوب التجارة الخارجية خلال الفترة الأخيرة، وكذلك تراجع أسعار النفط، وما تبع ذلك من انخفاض حاد في إيرادات الدولة على ضوء استمرار العقوبات الأميركية وتشديدها أخيراً، وضعت البلاد أمام واقع حرج زاد من مفاعيل الضغوط الاقتصادية الأميركية بشكل كبير. وذلك على الرغم من أنّ إيران بحسب تصريحات روحاني، الأربعاء الماضي، تبقى أقلّ تأثراً بسقوط أسعار النفط بالمقارنة مع الدول الأخرى، بسبب التراجع الحاد في صادراتها النفطية خلال العامين الأخيرين.

بالتالي، حذّر خبراء اقتصاديون من أنّ استمرار هذا الوضع الاقتصادي الناجم عن تفشي كورونا، سيعقّد الأزمة، ويمكن أن يؤدي إلى إفلاس قطاعات اقتصادية كبيرة مثل قطاع الخدمات، الذي يشكّل أكثر من 50 في المائة من الاقتصاد الإيراني، في المستقبل القريب، بعد تعرض نحو 4 ملايين عامل للخطر، الأمر الذي ستكون له مخاطر على مناعة الجبهة الداخلية. وحذّر 50 عالماً اقتصادياً إيرانياً مطلع الشهر الحالي، روحاني في رسالة موجهة له، من أنّ التبعات الاقتصادية لكورونا، يمكن أن تشعل احتجاجات في أرياف المدن، خلال النصف الثاني من العام الإيراني الحالي الذي بدأ في 20 مارس/آذار الماضي، أو في العام المقبل. علماً أنّ إيران شهدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، احتجاجات مطلبية واسعة على خلفية رفع أسعار البنزين.

كما أنّ تفاقم الوضع الاقتصادي، وما يترتب عليه من تداعيات داخلية وخارجية، من شأنه في حال استمر، أن يضعف موقف إيران في المواجهة مع الولايات المتحدة، التي تتخذ في كل يوم أبعاداً جديدة، ولا أفق لتخفيف التوترات بين الطرفين.

ولهذه الأسباب كلها، أدركت الحكومة الإيرانية سريعاً أنه ليس بمقدورها الاستمرار في القيود الاقتصادية بسبب كورونا، لتصبح أمام ثنائية الصحة أو الاقتصاد، والتي تشبه عملية التوفيق بينهما محاولة الجمع بين النقيضين، لأن أحدهما سيكون على حساب الآخر، فاتجهت لإنقاذ الاقتصاد، معلنةً بدء تطبيق خطة "التباعد الاجتماعي الذكي" لتنفيذ التدابير الصحية بشكل آخر. وعليه، سمحت الحكومة الإيرانية بالعودة التدريجية للأنشطة الاقتصادية، اعتباراً من منتصف إبريل الحالي، إلى أن أصبحت الأسواق والمحال التجارية مفتوحة بالكامل خلال الأيام الأخيرة. وبعد انتقادات واجهتها الحكومة بسبب هذا القرار، قال روحاني مطلع الشهر إنّ الدولة اضطرت لهذا الأمر ولم يكن أمامها إلا هذا الخيار.

ولجأت إيران إلى هذه الخطوة الاضطرارية بعد إخفاق حملاتها الدبلوماسية على مدى الأسابيع الماضية في دفع الإدارة الأميركية لإلغاء العقوبات أو تعليقها أو تخفيفها في ظروف تفشي كورونا، ومنعها صندوق النقد الدولي منح قرض طلبته طهران بقيمة 5 مليارات دولار منتصف مارس الماضي.

وبعدما نجحت إيران إلى حدّ ما في التأقلم مع العقوبات الأميركية قبل تفشي كورونا، وفق ما ظهر في تحسن المؤشرات الاقتصادية، فهي تسعى في الوقت الراهن من خلال استئناف الأنشطة الاقتصادية إلى تقليل تداعيات كورونا الاقتصادية بما يحول دون إضعاف موقفها في الصراع مع واشنطن، مع مواصلة رفض "التنازلات المؤلمة" التي يريدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الملفات الرئيسية الثلاثة، البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي والدور الإقليمي، بغية الوصول إلى اتفاقية شاملة بين الطرفين.

وفي السياق، تشير جملة السلوك الإيراني، في الآونة الأخيرة، في مناطق الاشتباك في المنطقة، لا سيما العراق ومياه الخليج، بعد المواجهة التي وقعت مع السفن الأميركية، فضلاً عن إطلاق طهران أول قمر صناعي عسكري، يوم الأربعاء الماضي، إلى أنّ الظروف الصعبة الراهنة نتيجة كورونا لم تحدث تغييراً في المواقف الإيرانية في الصراع مع الولايات المتحدة، أقله حتى الآن، بل أنها تتجه نحو نوع من التصعيد المدروس للضغط على واشنطن في ظلّ ظروفها الداخلية الصعبة بسبب التفشي الواسع لكورونا. كما أنّ ما بين التصريحات الإيرانية ما يحمل إشارات تشي بأنّ الحكومة الإيرانية بموازاة التمسك بمواقفها، تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وما إذا كانت تأثيرات كورونا في الداخل الأميركي يمكن أن تحرم عدوها اللدود دونالد ترامب من الولاية الثانية، وتأتي بالمرشح الديمقراطي جو بايدن، لتعود المياه لمجاريها بعد تغيير مسارها منذ الثامن من مايو 2018 بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.