"الأمة" يهدد بترك "الحرية والتغيير": إصلاح أم سعي لمكاسب؟

"الأمة" يهدد بترك "الحرية والتغيير": إصلاح أم سعي لمكاسب؟

24 ابريل 2020
قدّم "الأمة" مقترحات عدة لم يؤخذ بها(ياسووشي شيبا/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" الحاكم في السودان اختباراً جدياً حول تماسكه ووحدته، ذلك بعد قرار حزب "الأمة" القومي تجميد عضويته في التحالف لمدة أسبوعين، مهدداً بالانسحاب الكامل وتشكيل تحالف مستقل إذا لم تتحقق له جملة من الشروط. ونسجت خيوط التحالف في يناير/ كانون الثاني 2019، بغرض قيادة الحراك الثوري حينها، ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وذلك بعدما اتفقت أربع كتل معارضة على ميثاق "الحرية والتغيير"، وهي "تجمع المهنيين السودانيين"، و"التجمع الاتحادي"، و"قوى الإجماع الوطني"، و"نداء السودان". وكان حزب "الأمة" القومي، صاحب الأغلبية البرلمانية في آخر انتخابات قبل مجيء نظام البشير، جزءاً من كتلة "نداء السودان" التي تضم كذلك حزب "المؤتمر السوداني"، وحركات مسلحة تقاتل في عدد من المناطق.

وعقب سقوط نظام البشير، في إبريل/ نيسان من العام الماضي، تمكّن التحالف بعد مفاوضات شاقة، من تشكيل الحكومة التي حصل عليها بالكامل فضلاً عن نصف أعضاء مجلس السيادة. غير أن أحزاباً وحركات مسلحة ظلت تعيش في حالة من عدم الرضا عن أداء التحالف طوال الفترة التي تلت تشكيل الحكومة. وظلت تطالب بإعادة هيكلته وتعيين مركز قيادي موحّد للتحالف، على أن يكون حاضنة سياسية داعمة بقوة للحكومة الانتقالية، التي ظلت هي الأخرى تشتكي من وقوف التحالف بعيداً عنها في الأزمات السياسية والاقتصادية. وعمد حزب "الأمة" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، في كل مرة، إلى تقديم مقترحات لإصلاح التحالف لجهة البناء والبرامج والمواقف والاستراتيجيات، لكنه فشل في تحقيق مبتغاه، ليتخذ أول من أمس، الأربعاء، قرار تجميد عضويته، مهدداً بالانسحاب كلياً من التحالف، وتشكيل تحالف جديد في حال عدم الاستجابة لشروطه. وذكر الحزب، طبقاً لبيان صادر عن أمانته العامة، أن هناك عيوباً أساسية ظهرت في أداء الحكومة الانتقالية وفي موقف القيادة السياسية لـ"قوى الحرية والتغيير"، متهماً بعض مكونات التحالف بأنها تسير وفق مواقف حزبية، وأخرى تفاوض مجلس السيادة بلا تنسيق مع "الحرية والتغيير"، مع خلل في إدارة ملف التفاوض مع الحركات المسلحة.

وأضاف أن الاستمرار في تجاهل الوضع المتردي لا يجدي بل يمثل تنصلاً من المسؤولية الوطنية، وأن المطلوب هو العمل من أجل تكوين اصطفاف تشترك فيه القوى السياسية والمدنية الجادة. وشدّد الحزب على أهمية تكوين المفوضيات القومية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية بأسرع فرصة، ووضع استراتيجية لعملية السلام تضمن التزامها بأجندة السلام بعيداً عن أي طموحات وبرامج حزبية، والإسراع بتشكيل المجلس التشريعي بصورة متوازنة، وجدولة انتخابات ديمقراطية بدءاً بالاتفاق على قانون الانتخابات المحلية وإجرائها فوراً، ثم إجراء انتخابات المجالس التشريعية الولائية وانتخاب الولاة، وانتهاء بقانون الانتخابات العامة بغية إجرائها في نهاية الفترة الانتقالية.

كما دعا الحزب إلى التوافق على دستور انتقالي بعد بروز فجوات في الوثيقة الدستورية، التي سمحت لأطراف السلطة الانتقالية بتخطي اختصاصاتهم، مقترحاً الدعوة لعقد مؤتمر تأسيسي لقوى الثورة من كافة الموقعين على "إعلان الحرية والتغيير" داخل هياكل التحالف الحالية وخارجها، وذلك لدراسة واعتماد العقد الاجتماعي الجديد من أجل إصلاح هياكل الفترة الانتقالية كي تحقق مهامها الواردة في الوثيقة الدستورية. وأشار إلى انه إذا استجاب "تحالف الحرية والتغيير" للمطالب خلال أسبوعين "نلتقي في المؤتمر التأسيسي للاتفاق على الإصلاح الجذري المنشود"، مهدداً في حال عدم الاستجابة لهذا المطلب مع احتقان الظروف في البلاد في "العمل من أجل تحقيق التطوير والإصلاح المنشود مع كافة الجهات الوطنية، من قوى التغيير والحكومة التنفيذية والمجلس السيادي بشقيه المدني والعسكري".

من جهته، رد "تحالف الحرية والتغيير" في بيان أعقب اجتماعا للمجلس المركزي، لافتاً إلى تلقيه طلباً من حزب "الأمة" لمناقشة جملة من المقترحات والرد عليها خلال أسبوعين، مع تجميد عضويته في هياكل التحالف، معلناً أنه شكّل وفداً منه للقاء قيادة الحزب ومناقشة تحفظاته بغية الوصول لحلول لها تمتّن وحدة "قوى الحرية والتغيير".



وتتباين التفسيرات لخطوة حزب "الأمة"، إذ يراها البعض تماشياً مع الوضع المضطرب داخل التحالف، وشعور الحزب بالتهميش من أحزاب صغيرة، فيما يراها آخرون جزءاً من سيناريو الهبوط الناعم الذي كان حزب "الأمة" يتبناه في الفترة الأخيرة بدعم محاور إقليمية، ويقول البعض إن الحزب يريد من كل ذلك ممارسة ضغط حتى يحصل على عدد أكبر من حكام الولايات وعضوية المجلس التشريعي المنتظر تشكيله بحدود التاسع من مايو/ أيار المقبل. في المقابل، تذهب فئة أخرى أبعد من ذلك معتبرة أن "الأمة" سيشرع في حل الحكومة الانتقالية بالتضامن مع أحزاب أخرى، من بينها حزب "المؤتمر السوداني". لكن الأخير رد بقوة على تلك الادعاءات على لسان أمينه العام خالد عمر يوسف، الذي أكد بقاء "المؤتمر" في التحالف ودعمه الحكومة الانتقالية.

بدوره، يرى كمال كرار، القيادي في الحزب "الشيوعي" السوداني، أحد مكونات "الحرية والتغيير"، أن قرار "الأمة" كان مؤسفاً، لأن وحدة التحالف ضرورية وملحّة من أجل استكمال مهام الفترة الانتقالية وتحقيق آمال وتطلعات الشعب السوداني، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن التحالف يضم أكثر من حزب، وبالتالي من الطبيعي وجود تباين في المواقف وخلافات يمكن حلها عبر الهياكل والتنسيقيات من خلال التصويت أو التوافق، والاحتكام لـ"إعلان الحرية والتغيير" والوثيقة الدستورية، من أجل البحث عن نموذج انتقالي وليس مكاسب سياسية حزبية.
ويعتبر أن "الأمة" لم يكن شفافاً بما يكفي في بيان تجميد نشاطه ولم يوضح للرأي العام نقاط الخلاف الجوهرية، ما فتح الباب لتفسيرات عدة، منها رغبته في الحصول على أكبر قدر من حصة السلطة في الولايات، مظهراً المكون الثوري بمظهر الخلاف والانقسام. وحول توقعاته بشأن إمكان انسحاب "الأمة" نهائياً من التحالف ومدى تأثير ذلك على التحالف الحاكم، يرى كرار أن خطوة الحزب إذا اكتملت ستضر فعلياً بالتحالف، لكن سيكون "الأمة" هو الأكثر تضرراً.

لكن نائب رئيس حزب "الأمة" فضل الله برمة ناصر، ينفي جملة وتفصيلاً ما يقال عن رغبة حزبه في الاستحواذ على حصص أكبر في السلطة، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن قرار التجميد وتبعاته اتُخذ بعد دراسة عميقة لتجربة الحكم الانتقالي خلال العام الماضي وأداء "قوى الحرية والتغيير". ويشير إلى أن مذكرته واضحة المعالم وشفافة وتضع خططاً واضحة لمعالجة الأوضاع المأزومة سياسياً وأمنياً واقتصادياً. وهو وضع لا يستحقه الشعب السوداني الذي ناضل 30 عاماً ضد نظام البشير ودفع فلذات أكباده ثمناً لنجاح الثورة. ويحذر برمة من مغبة عدم استجابة بقية "قوى الحرية والتغيير" لمطالب الحزب بالإصلاح الشامل وبناء عقد اجتماعي جديد وإعادة هيكلة التحالف، بحجة أن ذلك سيؤدي في النهاية إلى ضياع الثورة، نافياً أن تكون الخطوة مجرد مناورة سياسية أو حزبية. ويؤكد أن حزبه قادر على بناء تحالفات جديدة قوية وفاعلة ولن يخسر مطلقاً من خروجه من "الحرية والتغيير".

من جهته، يرى الصحافي محمد المختار، أن الأسباب التي قدمها حزب "الأمة" في بيانه موضوعية، وتمثل تراكماً سيشكل تحدياً أمام الحكومة والفترة الانتقالية برمتها، لافتاً إلى أنه من المبكر الحديث عن انسحاب نهائي للحزب من التحالف، كون الانسحاب يرتبط بشروط محددة طالب بها. ويوضح المختار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك أصواتاً أخرى داخل "الحرية والتغيير" تتفق مع رؤية "الأمة"، وليس مستبعداً حدوث تحالفات جديدة إذا لم يرمم التحالف نفسه بما يمكنه أن يكون حاضنة فعلية وفعالة لحكومة الفترة الانتقالية.