وثيقة "الحل" الحوثية.. عقدة أخرى في طريق السلام اليمني

وثيقة "الحل" الحوثية.. عقدة أخرى في طريق السلام اليمني

17 ابريل 2020
شروط الهدنة لم تنضج (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

تحولت الوثيقة، التي طرحتها جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) كشرط لوقف الحرب في اليمن، إلى عُقدة جديدة في طريق السلام الشائك منذ سنوات، والتي قد تنسف كافة الجهود التي يقودها المجتمع الدولي لترسيخ هدنة هشة استدعتها المخاوف من انتشار فيروس كورونا، ودخلت أسبوعها الثاني وسط خروقات متصاعدة.

وطيلة الأسبوع الأول من الهدنة الأحادية الجانب التي أعلنها التحالف السعودي الإماراتي في 9 إبريل/ نيسان الجاري، التي التزمت بها الحكومة الشرعية مقابل رفض حوثي، سعت الأمم المتحدة، عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، لاستغلال الفرصة بطرح مبادرة خاصة لوقف شامل للحرب في كافة مدن البلاد، إلا أن المقترحات الأممية باتت هي الأخرى محل رفض حوثي.


وترتكز مبادرة غريفيث على 3 مقترحات، أولها "وقف إطلاق النار في عموم اليمن"، فيما المقترح الثاني ينص على تدابير بناء الثقة المتمثلة بـ"التدابير الإنسانية والاقتصادية التي تتضمن إطلاق سراح السجناء والمحتجزين، وفتح مطار صنعاء الدولي، ودفع رواتب موظفي القطاع الحكومي، وفتح الطرق الرئيسية، وضمان رسو السفن المحملة بالسلع الأساسية في موانئ الحديدة"، أمَّا المقترح الثالث فيخص "الاستئناف العاجل للعملية السياسية".

وغداة الجلسة الخاصة حول اليمن، دعا مجلس الأمن الدولي، اليوم الجمعة، الحوثيين والحكومة اليمنية للتجاوب مع مقترح غريفيث لوقف إطلاق النار وبدء تدابير بناء الثقة.

وفيما كان مراقبون يتوقعون صدور قرار إلزامي بوقف الحرب اليمنية، اكتفى مجلس الأمن بإعلان "دعم نداء الأمين العام للأمم المتحدة لطرفي الأزمة بوقف المعارك فورا، والتركيز على التوصل إلى تسوية سياسية".


ولا يبدو أن دعوة مجلس الأمن ستلقى آذانا صاغية من قبل الحوثيين الذين يرفضون الهدنة الأحادية الجانب، وكذلك مقترحات الحل الأممية، حيث يستقوون بموقفهم العسكري الذي منحهم، خلال الشهر الماضي، الأفضلية بعد السيطرة شبه الكاملة على محافظة الجوف، وتطويق محافظة مأرب النفطية، أبرز معاقل الحكومة الشرعية.

وساهمت المكاسب العسكرية في رفع مطالب الحوثيين، فوقف إطلاق النار الحقيقي لم يعد الهمّ الأول بالنسبة لهم، ولكن فرض "رؤية الحل" التي قدموها، وأعلنوا فيما بعد تسميتها بـ"وثيقة الحل الشامل" من دون إفساح المجال لأي طروحات من الحكومة اليمنية، أو مقترحات الأمم المتحدة.

وتصدر متحدث الحوثيين وكبير مفاوضيهم في المشاورات، محمد عبد السلام، الحملة الحوثية الرافضة بشكل مطلق لوقف إطلاق النار الحالي، وطيلة الأسبوع الأول للهدنة المفترضة، حقق الرجل رقما قياسيا بعدد مرات الظهور للتعليق على الهدنة، كانت خلاصتها جميعا أنها عبارة عن "مناورة سياسية مفضوحة من التحالف السعودي الإماراتي".

وأعاد عبد السلام، اليوم الجمعة، نشر مقابلة أجراها تلفزيون "المسيرة" الناطق بلسان الجماعة، في وقت متأخر من مساء الخميس، وتتمحور حول "ما تبقى من فرص السلام في ظل التصعيد الحاصل واستمرار الحصار".

وفي المقابلة، شن القيادي الحوثي هجوما لاذعا على المبعوث الأممي مارتن غريفيث بعد ساعات من تقديم إحاطته أمام مجلس الأمن، أمس الخميس، وقال إنه "يقدّم رسائل لا تسمن ولا تغني من جوع".


ونسف كذلك التصريحات التي تتحدث عن "إحراز تقدم جيد" في النقاشات حول مبادرته، وقال "المبعوث الأممي تجاهل الحصار في مقترحاته، ويحاول تمرير تعابير مطاطية لا تعطي أي التزام (..) نحن نرفضها ونطلب نصًا صريحا بوقف العدوان ورفع الحصار بشكل كامل".
وكشف متحدث الحوثيين، في الحوار ذاته، أن المبعوث الأممي طلب منهم "مناقشة أوراق أخرى بغية الاتفاق على المقترحات الأممية ووعدهم بمتابعة بنود الوثيقة الحوثية"، معلنا أن ما يقوله غريفيث "غير مقبول ولا يمثل ضمانة ولا يمثل ورقة قانونية".


وإذا ما تمسك الحوثيون بشروطهم الخاصة لوقف الحرب والتي تضمنتها ما تسمى بـ"وثيقة الحل"، فسيكون من المستبعد حدوث أي تقدم ولو طفيف في عملية السلام باليمن، وفقا لمراقبين.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، مصطفى الجبزي، أن المبادرة التي طرحها الحوثيون عبارة عن "بروباغندا سياسية" لأنصارهم، وتُبرهن على عدم استعدادهم الفعلي للخوض في نقاش عملية سلام.

وقال الجبزي في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن "الحوثيين ظهروا يبحثون عن أموال فقط ومطالبهم أقرب ما تكون ابتزازية، رؤيتهم لم تعالج الجذور الحقيقة للحرب، ويبدو أنه لا يوجد لديهم استعداد لتقديم أية تنازلات، فالسلام سيحرمهم من الأموال التي يجنونها من دون رقيب في مناطقهم، كما سيفقدهم السلطة السياسية التي يمارسونها منذ 5 سنوات".

وحول ضرورة وجود قرار مُلزم من مجلس الأمن الدولي بوقف الحرب، أشار الجبزي، إلى أن "الحوثيين جماعة مارقة ومحلية، لا تخضع لضغوط مثل الدول، وليس لديها إحساس بالمسؤولية أيضا تجاه الناس في مناطق سيطرتها، خلافا للحكومة الشرعية التي تتعرض لضغط دولي كبير، ومن أبرز تلك الضغوط المساومة على الاعتراف الدولي بشرعيتها".

وتتطابق رؤية غريفيث المطروحة مع نقاشات مشاورات السلام اليمنية التي رعتها الأمم المتحدة في الكويت وجنيف خلال الأعوام الماضية، والتي كانت تحظى بتفاهمات كبيرة من قبل جميع الأطراف، لكن جماعة الحوثي الآن تشترط تمرير رؤيتها الخاصة لوقف إطلاق النار، والتي وصفتها مراكز دراسات أجنبية بأنها تحمل "مطالب استفزازية".

واعتبر "معهد واشنطن"، المعني بالتطورات الشرق أوسطية، أنه "باستثناء المشاركة في وقف إطلاق النار وإزالة الألغام الأرضية، تضع الوثيقة الحوثية المكونة من ثماني صفحات العبء الكامل لإنهاء الحرب ومعالجة مسار الاقتصاد اليمني على عاتق التحالف بقيادة السعودية، ولا يمكن اعتبارها اتفاقا تفاوضيا مع تنازلات من كلا الجانبين، بل قائمة برغبات الحوثيين".


وأشار المعهد في تقرير حديث له إلى أن الوثيقة تطالب التحالف بتعويض جميع المتضررين من الحرب، من دون توضيح بشأن ما إذا كان ذلك يشمل ضحايا هجمات الجماعة أو المباني التي دمرتها، وتدعو بشكل استفزازي إلى نظام تعويضات واعتماد رواتب لعشر سنوات قادمة.

وتطرق التقرير إلى التوقيع المذيل للرؤية، وقال "وحتى خانة التوقيع على الوثيقة تُظهر مدى الجرأة التي اكتسبها الحوثيون بفعل التطورات الأخيرة، فالاتفاق المقترح مثلاً هو مع دول التحالف وليس مع حكومة هادي، كما أنهم تخلّوا عن انتمائهم المعتاد إلى (أنصار الله)، واختتموا وثيقة الرؤية باسمٍ بديل وحتماً استفزازي وهو (الجمهورية اليمنية بصنعاء)".