كورونا في الجزائر: أزمتنا فرصتنا

كورونا في الجزائر: أزمتنا فرصتنا

14 ابريل 2020
أزمة كورونا تمثل مناسبة لبناء دولة عادلة(رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
تولد الهمة في الأزمة، ويبزغ الحلّ في المحنة. وقد وفّرت أزمة وباء كورونا فرصة سانحة لظهور نماذج ناجحة في مجالات عديدة في الجزائر. على سبيل المثال لا الحصر: الجامعات الكسولة والمخابر التي أكلها الصدأ تحولت إلى ورشات لإنتاج المحاليل وتصميم الأجهزة، تحرير المبادرات الطلابية والشبابية، العبقريات في مجال تكنولوجيا المعلومات التي أثبتت أننا نتوفر على القدرات المحلية التي تعفينا من تسليم مؤسساتنا الحيوية للآخر، الأطباء والكفاءات الذين برزوا في المشهد، تنظيم السوق وضبط الفضاءات العامة. وفي مشهد أكثر بساطة، السجون نفسها أصبحت أمكنة لإنتاج وصناعة الكمامات الواقية.

صحيح، قد تكون بعض هذه الخطوات عابرة، فرضتها طبيعة الظرف، لكن من الذكاء التقاطها واستثمارها. فالهبة السياسية التي أفرزها الحراك الشعبي منذ فبراير/شباط 2019، والانتظام المجتمعي والتكافل الذي برز في أزمة كورونا، كل هذا يمثّل أيضاً تراكماً كافياً ليكون قاعدة بناء صحيحة للدولة الرائدة والعادلة، إذا اجتمع ذلك مع التدبير الراشد وسايرته القراءة الصحيحة والعقلانية السياسية.

كل ذلك أمر جيّد، وخريطة جميلة من المتغيرات التي تصلح لأن تكون قاعدةً وأساساً للتغيير الحقيقي. وعلى أكثر من صعيد، المجتمع مهيأ للتغيير، ومتعطش لأن يتلمس أولى الإشارات الدالة على وجود النية الصادقة في ذلك. يسمع الجزائريون في فترة الأزمة الوبائية عن قرارات وخيارات يعلنها الرئيس لا تنعدم إيجابياتها، سواء تعلق الأمر بقطاعات حيوية كالصحة، أو لصالح المناطق البائسة كالجنوب. لكن ثمة إشكالاً أساسياً في الجزائر لن يتحقق أي منجز للتغيير دونه؛ الإشكال سياسي بامتياز، وإذا لم يحلّ ضمن مشروع ورؤية واضحة وغير استبدادية، فلن يكون هناك أي أفق، وسيتواصل الهدر وإهدار الفرص.

المشكلة السياسية في الجزائر هي عمق أزمة البلد، وسجّانه الذي يقيّد كل فرص الإقلاع والتقدّم على مسار التغيير والديمقراطية؛ إذ سبق أن توفرت العوامل ذاتها قبل عشرين سنة، لكنها التحمت للأسف مع سلطة سياسية كانت تشتغل لصالح مشروع حكم فردي وطموحات ذاتية بعيدة تماماً عن طموحات الجزائريين. فعندما لا يتوفر المجال الصحيح للحريات، ولا يمكن أن يكون هناك نقد جاد ومعارضة بناءة، وعندما لا تتوفر انتخابات نزيهة، لا تتوفر للبلد مؤسسات تمثيلية حقيقية. وعندما يزدهر القمع يزدهر التملق. وعندما لا يصير القضاء مستقلاً، يصبح البوليس حاكماً بأمره، وعندما يغيب معيار الكفاءة يزدهر الولاء، وحين تغيب الشفافية يزهر الفساد، والحبل على غاربه.

في عام 1999، كان الجزائريون يخرجون لتوهم من انتكاسة تاريخية، حين تسلّمت سلطة سياسية جديدة الحكم، وقادت الجزائريين، تحت عناوين راقية كالسلم والمصالحة والعزة والكرامة، إلى خيارات خاطئة تماماً، وإلى انتكاسة أخرى، ازدهر فيها التسلّق السياسي، وانتهت إلى حقول من الفساد. في النهاية، خسر الجزائريون جولة أخرى لبناء دولة ما بعد الإرهاب، ولم يكن الإرهاب الذي صنعه الاستبداد السياسي والتشدد، وكلاهما داء عضال، درساً كافياً لبدء مسار حقيقي للتغيير والديمقراطية. هذه المرة لا يجب أن يخطئ الجزائريون الطريق، كورونا أزمة وفرصة في الوقت نفسه.