مصر: ارتباك بشأن الحظر في رمضان وتدابير لشم النسيم

مصر: ارتباك بشأن الحظر في رمضان وتدابير لشم النسيم

15 ابريل 2020
رصدت الإدارات الصحية خروقات عديدة لقرار الحظر (زياد أحمد/Getty)
+ الخط -

كشفت مصادر حكومية مصرية عن ظهور آراء داخل لجنة إدارة أزمة وباء كورونا، ينتمي أصحابها لأجهزة سيادية وجهات اقتصادية نافذة، تقترح إلغاء حظر التجول بشكل عام خلال شهر رمضان، الذي سيبدأ مباشرة بعد انتهاء فترة الحظر الجزئي السارية حالياً حتى 23 إبريل/ نيسان الحالي، مع استمرار غلق المساجد وساحات الصلاة والاعتكاف، وكذلك منع التجمعات في المقاهي والمطاعم والخيم الرمضانية وغيرها من أشكال الترفيه المعتادة في رمضان.

وذكرت المصادر أن هذه الآراء تتذرع بأن استمرار تقديم أهمية النشاط الاقتصادي على جهود استكشاف الإصابات وتحديد بؤر انتشار العدوى، سيقتضي، خلال رمضان، استخدام مقاربات أخرى تماماً، للسيطرة على الزحام المتوقع في حركة المرور خلال وقت انتهاء ساعات العمل الرسمية وحتى أذان المغرب، ثم من وقت أذان العشاء وحتى الفجر، قياساً بالوضع الحالي، الذي أصبح فيه ازدحام الشوارع من وقت انتهاء العمل وحتى الثامنة مساء، وقت بداية الحظر، مشهداً معتاداً في جميع المدن المصرية، ويمثل خطورة داهمة على الصحة العامة ووضع انتشار الوباء وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة المصرية.

وقالت المصادر الحكومية إن لجنة إدارة الأزمة في مأزق حقيقي بسبب رمضان، فمن ناحية لا يمكنها مخالفة سياسة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بتأكيد أولوية النشاط الاقتصادي والحفاظ على استمرارية الأعمال، وعلى هذا الأساس يبدو من المنطقي الاستجابة لمقترح إلغاء حظر التجول، ومن ناحية أخرى لا يبدو من المنطقي إطلاقاً استمرار غلق بعض المحال وتعليق بعض الأنشطة مع إلغاء الحظر، كالمطاعم والمقاهي تحديداً، لأن التجمعات خارجها في المعتاد تكون أكبر مما يحدث داخلها، خصوصاً مع وجود مؤشرات لإعادة افتتاح بعض المراكز التجارية الكبرى (المولات) وهي من وجهات التجمع والترفيه الأساسية في القاهرة الكبرى والإسكندرية.

المشكلة الأخرى ذات بعد أمني، وهي أنه إذا تم إلغاء حظر التجول نهائياً، كما تقترح هذه الأصوات، فإنه من المحتمل حدوث غضب شعبي - بدأت مؤشراته بالفعل على صفحات التواصل الاجتماعي - ضد قرار غلق المساجد ومنع الصلوات الجماعية، والتي قد تمتد لمنع صلوات التراويح والقيام والتهجد والاعتكاف في رمضان، وهي اعتبارات لا يمكن للنظام الحالي فصلها عن الجانب السياسي، ظناً بإمكانية استغلالها من قبل تيارات الإسلام السياسي من "الإخوان المسلمين" والسلفيين لتأليب الرأي العام عليه. رغم أن مؤشرات الغضب البادي تجاه قرار غلق المساجد حالياً مرجعها المواطنون المتدينون غير المسيسين، الذين يتساءلون عن سبب استمرار غلق المساجد، التي لم تكن تجمع بالتأكيد إلا نسباً ضئيلة من الموجودين يومياً في الأسواق التجارية.


وذكرت المصادر أن التقارير الحديثة من وزارة الصحة باتت تحذر بصورة متكررة من عواقب استمرار وضع الحظر الهش القائم حالياً، خصوصاً بعد رصد فرق الترصد التابعة للإدارات الصحية العديد من الخروقات في تنفيذ قرارات الحكومة خلال الأسبوع الحالي، وتحديداً بعد خطاب السيسي الأخير الذي قال فيه إن "خسائر التوقف الاقتصادي أكبر من خسائر إصابات كورونا"، ثم قرار الحكومة، الأربعاء الماضي، بتقليص فترة حظر التجول لمدة ساعة، مع استمرار وقف التعليم والتعليم الجامعي والطيران وأماكن التجمع والترفيه.

وأوضحت المصادر أن تلك الخروقات تمثلت في إعادة افتتاح العديد من المطاعم في محافظات عدة، بما فيها بعض التي ضربها الوباء بصورة كبيرة خلال فترات السماح بالتجول، ضرباً بعرض الحائط قرار غلقها بشكل عام واستثناء خدمات التوصيل المنزلي فقط، وكذلك السماح بتجول المواطنين جماعات في العديد من المحافظات بعد الثامنة مساء سيراً على الأقدام، وأيضاً إعادة فتح بعض المقاهي والكافيهات في محافظات بالصعيد.

وأشارت المصادر إلى أن المعضلة الحقيقية التي تواجه الدولة الآن هي أنه من المستحيل تحقيق توازن بين متطلبات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، التي تحدث ممثلها في مصر جون جبور، الاثنين الماضي، داعياً الدولة، للمرة الأولى وبما يحمل نقداً مبطناً، إلى الحد من تحرك المواطنين وتوسيع إجراءات الفحوص، وبين متطلبات مجتمع المستثمرين الذين تحاول الحكومة أخيراً، من خلال قرارات لوزارتي السياحة والتجارة، منعهم من عدم تقليص العمالة أو تقليل نفقات الأجور الخاصة بهم، مقابل استمرارهم في الإنتاج بما يضمن بقاء أعمالهم. وقد انعكس هذا الأمر في بيان أصدره وزير المالية محمد معيط، أمس الثلاثاء، حمل العديد من التعهدات والتسهيلات لما وصفه بـ"مجتمع الأعمال" لـ"ضمان استمرار عجلة الإنتاج، مع الالتزام الكامل بالإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المقررة"، ومنها "منح تيسيرات جديدة لسرعة إنهاء المنازعات الضريبية ومساندة القطاعات الاقتصادية، ورفع الحجز الناتج عن الربط لعدم الطعن في الموعد القانوني فور سداد 1 في المائة من قيمة أصل الضريبة، ورفع الحجز الناتج عن المديونية واجبة الأداء فور سداد 5 في المائة من قيمة أصل الضريبة، وتقسيط الباقي على مدة لا تقل عن سنتين".

من جهته، كشف مصدر في الأمن العام عن صدور تعليمات، بالتزامن مع انعقاد اجتماع لجنة أزمة كورونا أمس، بمنع التجمعات نهائياً حتى في الأماكن الترفيهية في عطلة عيد شم النسيم، الموافق الإثنين المقبل، وكذلك منع المواطنين من التحرك بين المحافظات، إلا في حالات العمل والاستشفاء وتجارة السلع الغذائية والمحاصيل، وغلق جميع الشواطئ والمنتزهات، ومنع دخول المدن الساحلية، التي فيها شواطئ، إلا لقاطنيها بواسطة أوراق ثبوتية تدل على ذلك. وشرح المصدر أن التعليمات التي تخص التجمع والترفيه بشكل عام ستقتصر على التطبيق يوم شم النسيم فقط، ولكن باقي التعليمات الخاصة بالشواطئ والمدن الساحلية سيستمر تطبيقها حتى أجل غير مسمى، ومن الأكيد أنها ستستمر طوال شهر رمضان أيضاً، للحد من وجود المواطنين في المصايف.

وكانت حالة من الذعر، الممزوج بالسخرية، قد سادت وسائل التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الماضيين، بعد تداول صور لأسواق وطرق مصرية مزدحمة بالمارة بصورة تفوق معدلات الكثافة الطبيعية، الأمر الذي يرتبط بقرب حلول شهر رمضان وعيد الفطر، وإقبال المواطنين بكثافة على شراء السلع الغذائية الخاصة بالمناسبتين وتخزينها وكذلك الملابس وغيرها من الحاجيات. وتخطت مصر 2300 إصابة بكورونا منذ بداية الأزمة، في الوقت الذي تراجعت فيه الحكومة عن اتخاذ تدابير أكثر حسماً كانت تلوح بها سابقاً، بعدما فاجأ السيسي المواطنين، أخيراً، بلهجة مغايرة للهجة التخويف والتحذير التي كان ينتهجها المسؤولون الحكوميون، معبراً عن رؤية متطابقة مع رجال الأعمال والمستثمرين الذين اتخذ بعضهم قرارات بتخفيض العمالة وتقليص الرواتب، وانتقدهم الإعلام المقرب من السلطة، بغية حملهم على التبرع بمبالغ ضخمة لصندوق "تحيا مصر" التابع للرئاسة والجيش والمحصن تماماً من الرقابة المستقلة، والذي من المقرر أن يتم الإنفاق منه على تدارك آثار الوباء لتخفيف العبء عن الخزانة العامة المثقلة. وجاء قرار تخفيف حظر التجول بعد ساعات من إعلان البنك المركزي أنه أنفق 5.4 مليارات دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي في مارس/ آذار الماضي فقط، على سداد قيمة سلع غذائية واستراتيجية مستوردة، وسداد مستحقات الديون الأجنبية في مواعيدها، ليتراجع الاحتياطي النقدي إلى ما يكفي 8 أشهر فقط من قيمة الواردات للحكومة.