خطاب سعيد يثير جدلاً كبيراً في تونس: ثناء وانتقادات

خطاب سعيد يثير جدلاً كبيراً في تونس: ثناء وانتقادات

01 ابريل 2020
فتحت كلمة سعيد باب التأويلات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تمرّ كلمة الرئيس التونسي قيس سعيد بعد انعقاد مجلس الأمن القومي مساء أمس الثلاثاء، من دون أن تخلّف، كسابقاتها، ردود فعل متباينة بين مؤيديه وناقديه. وعلى الرغم من أن الظرف الذي تمرّ به البلاد يقتضي وحدة الصف وراء القيادة السياسية للخروج من الأزمة، إلا أنّ هذه الأخيرة خالفت التوقعات بكلمة ولّدت انقسامات كثيرة وغموضاً في بعض الرسائل، استوجب تداركه بتوضيح من دائرة الإعلام التابعة لرئاسة الجمهورية.

وجاءت كلمة سعيد حاملة لمعانٍ عدة، ورسائل لأطراف معلومة وأخرى غير معلومة، لتفتح باب التأويلات في اتجاهات متضادة أحياناً. وتوجه سعيد إلى التونسيين بكلمة حول مستجدات الوضع في ما يتعلق بمجابهة وباء كورونا، منتقداً عدم فاعلية الإجراءات الاقتصادية المتخذة من قبل الحكومة والموجهة للفئات الاجتماعية الضعيفة، وتواصل الاحتكار، معتبراً أن الظرف يعيد إلى الأذهان وجوب مساعدة الفئات الثرية المتورطة في الفساد للفئات الضعيفة، وذلك عبر المصالحة الجزائية التي يدفع خلالها رجال الأعمال المتورطون في الفساد قبل الثورة، أموالاً للجهات الأكثر حرماناً، وهو ما تلقاه البعض كإعلان من قبل الرئيس نيته مصادرة أملاك هؤلاء.

وسرعان ما قامت دائرة الإعلام برئاسة الجمهورية بتوضيح مقاصد الرئيس في معرض حديثه عن المصالحة الجزائية، مشيرة في بلاغ لها إلى أنه لم ترد في خطاب رئيس الجمهورية مساء الثلاثاء في اجتماع مجلس الأمن القومي، أي إشارة إلى المصادرة، بل ذكّر رئيس الدولة بما كان اقترحه منذ سنة 2012، بالصلح الجزائي مع المتورطين في قضايا الفساد المالي حتى تكون المصالحة مع الشعب. ويتمثل هذا المقترح الذي يعود لأكثر من ثماني سنوات في إبرام صلح جزائي مع من تورطوا في قضايا فساد مالي.

وأثارت مسألة تكرّر التوضيحات التي تعقب تصريحات الرئيس بدورها انتقادات عدة، إذ اعتُبرت نقطة ضعف فادحة في السياسة التواصلية للرئيس، الذي كثيراً ما احتاجت خطاباته إلى توضيحات وتفسير.

من جانبه، قدّر القيادي في "حركة النهضة" محمد القوماني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن خطاب الرئيس دائماً ما يحتاج إلى "شرح الشرح" حتى يفسر، وأن الكلمة كانت مخالفة للتوقعات ولم تأتِ بقرارات تذكر، باستثناء قرار تمديد الحجر الصحي الشامل أسبوعين. وشدد القوماني على أن الخطاب جاء دون المطلوب، بينما كان التونسيون ينتظرون أن يخاطبهم الرئيس بإجراءات جديدة، وأن يحدثهم عن القرارات والرقابة التي أجراها لتطبيق ما أعلن عنه في خطابه السابق، ولماذا أخلفت تلك الوعود ولم تصل المساعدات إلى مستحقيها، ولم تتوفر المواد التموينية كما وعد، ومن المسؤول عن ذلك لا سيما وأنه يلتقي رئيس الحكومة بشكل مكثف، وكان بالإمكان معرفة أسباب تعطل تنفيذ هذه الإجراءات وتلافيها.

وبالنسبة للقوماني، فإن الرئيس لا يزال يعاني أزمة خطاب سياسي واضحة، فهو يوجه اتهامات لأطراف مجهولة وهي أطراف دائمة الحضور في خطاباته السابقة، وكأنه خارج دائرة الدولة وليس رئيسها وبيده صلاحيات تمكنه من تقديم الإجابات للتونسيين، لا طرح تساؤلات جاءت صدى لما يقال في منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

تساؤلات سعيد خلال كلمته حول مآل أموال رجال الأعمال المتورطين في الفساد وفكرته حول المصالحة الجزائية، بدت محل استغراب لدى القوماني، بعد أن قطعت البلاد أشواطاً في مسار العدالة الانتقالية بما تحتكم عليه من آليات تحكيم ومصالحة وتعويضات.

وفي المقابل، وصف أمين عام حزب "حركة الشعب" زهير المغزاوي في حديث إلى "العربي الجديد" الخضة التي أحدثتها كلمة سعيد لدى بعض رجال الأعمال بالمتوقعة والمألوفة، مضيفاً أن التجربة أثبتت أن هذه الفئة تنزع إلى الهجوم كلما طُلب منها أن تساهم في الخروج من الأزمات.

وبيّن أن تفكير سعيد في الصلح الجزائي لا ضرر فيه لأي طرف، بل ستكون له نتائج إيجابية لصالح المجموعة الوطنية. وسيأتي مقترح سعيد، وفق ما كشفه المغزاوي، في شكل مبادرة رئاسية أو في شكل مرسوم حكومي إذا مرّ مشروع قانون التفويض في البرلمان خلال الفترة المقبلة.
وبشكل عام، قيّم المغزاوي كلمة سعيد بالإيجابية، مشيراً إلى أنها تضمنت رسائل قوية، من بينها اعتبار المحتكرين للمواد الغذائية الأساسية مجرمي حرب، وتعديل القوانين بغاية تشديد العقوبات عليهم، وأن ما تبقى من إجراءات سيعلن عنها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في كلمة للتونسيين خلال الساعات المقبلة.

أما رئيس حزب "قلب تونس" المعارض، رجل الأعمال نبيل القروي، وهو محل تتبعات حول شبهات الفساد، فقد استفزته في حديث سعيد إشاراته لرجال الأعمال. ولمّح، خلال حوار تلفزيوني، إلى أن الحل ليس تفكيك أملاكهم وتواتر تهديدهم من قبل القيادة السياسية.

وأبرز القروي أن القطاع الخاص يتعرض للتهديد، وأن فكرة المصادرة أثبتت فشلها، فيما قدم هؤلاء إثباتات على حسن نواياهم بتبرعهم لصالح صندوق مجابهة وباء كورونا. ولفت، في ذات السياق، إلى أن الحكومة لا تفتقر للتمويلات حتى تذهب إلى قمع رجال الأعمال وترهيبهم، وإنما ينقصها التصور الاستراتيجي والسياسات الواضحة في مجابهة هذا الخطر.