أسرى "داعش" في سورية: معضلة من دون حلول

أسرى "داعش" في سورية: معضلة من دون حلول

31 مارس 2020
تحتجز "قسد" الآلاف من عائلات "داعش"(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
في غمرة انشغال العالم بتفشي فيروس كورونا، قفزت إلى واجهة المشهد السوري مرة أخرى مشكلة لا يبدو أن حلها سيكون قريباً، وهي مشكلة أسرى تنظيم "داعش" لدى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من التحالف الدولي، عقب تمرّد قام به عدد منهم في سجن الحسكة المركزي في أقصى الشمال الشرقي من سورية مساء أول من أمس الأحد. ويضمّ المعتقل ثلاثة آلاف من مسلحي التنظيم، وهو واحد من عدة سجون تحتجز فيها "قوات سورية الديمقراطية" آلاف المعتقلين. وانتهى الأمر أمس الإثنين، وفقاً لما أفاد به المتحدث باسم "قسد"، كينو غابرييل، بقوله: "سيطرنا على أعمال شغب أطلقها مسلحون تابعون لتنظيم داعش"، مضيفاً: "وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لنا أنهت أعمال الشغب، وأمنت المنشأة وجميع السجناء في الداخل".

وأفادت مصادر مقرّبة من "قسد"، بأن التمرّد في السجن المعروف باسم "الصناعة"، الواقع في أطراف حي غويران بالمدينة، بدأ بتكسير كاميرات المراقبة داخل المهاجع ثم تحطيم الأبواب وصولاً إلى هدم أحد الجدران، ما مكّن مجموعة من المعتقلين من الفرار. وعلى الأثر، شهدت مدينة الحسكة استنفاراً من قوات التحالف الدولي و"قسد" التي نشرت دوريات وحواجز في مناطق سيطرتها في المدينة، كما قامت بتفتيش ومداهمة العديد من الأحياء. 
وذكرت مصادر في "قسد" لـ "العربي الجديد" أن السجناء "كتبوا على البطانيات أنهم يريدون من التحالف الدولي ولجان حقوق الإنسان أن تأتي إلى سجن الحسكة". وأضافت أنه "بعد ذلك بدقائق، قام المسلحون بتكسير كل الكاميرات وأبواب المهاجع، ثم حطموا الجدران فأصبحت المهاجع مفتوحة على بعضها". وأشارت إلى أن أحد طوابق السجن خرج عن سيطرة حراس السجن، ما أدى إلى هروب عدد غير محدد من السجناء، موضحة أن السجناء من جنسيات مختلفة. وأضافت المصادر أن "مشكلة عناصر داعش المسجونين ليست مشكلتنا فحسب، بل تخص التحالف الدولي أيضاً. لا أحد يقدم لنا أي مساعدة لحل هذه المشكلة".

من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "قوات مكافحة الإرهاب" ضمن "قسد" تمكنت من السيطرة الكاملة على التمرد والعصيان اللذين نفذهما عناصر تنظيم "داعش" داخل سجن غويران. وشدد على أن هذه القوات ألقت القبض على العناصر الذين فروا من مهاجعهم إلى حرم السجن والبالغ عددهم 4 أشخاص، وذلك بمساعدة من طائرات التحالف التي حلقت في الأجواء، وسط فرض طوق أمني كبير في محيط السجن. وأوضح المرصد أن قوات "قسد" فكت أسر المساجين الذين اتخذهم عناصر التنظيم رهائن، تحت ذريعة تعاونهم مع إدارة السجن الذي يضم أكثر من 5 آلاف عنصر من جنسيات مختلفة. أما المركز الإعلامي لقوات "قسد" فذكر أمس الإثنين، أن "قوى الأمن الداخلي (الأسايش) ألقت القبض على أربعة عناصر من تنظيم داعش كانوا قد فروا، من سجن الصناعة بعد أعمال شغب وعصيان دامت لساعات". وقد كشفت مصادر محلية، أمس، أن فرقاً طبية دخلت السجن، في مؤشر إلى وجود إصابات بين المساجين.
وأشار مصدر في "قسد" إلى أن القوات "طالبت بتوفير محاكمات لأسرى التنظيم"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "لم نجد حماساً من الأوروبيين. الأمر معقد ويبدو أن لا أحد يريد هؤلاء، لذا لا حلول في الأفق". من جانبه، أوضح عضو لجان الديمقراطية السورية (آمارجي)، إبراهيم مسلم، أن "قسد"، ومجلسها السياسي "مسد" طالبا في أكثر من مناسبة التحالف الدولي والأمم المتحدة بإيجاد حلّ لأسرى "داعش" من خلال إنشاء محاكم دولية من أجل محاكمتهم وإعادتهم إلى بلادهم، إلا أن هذه المطالب لم تلقَ آذاناً صاغية". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "ربما التجاذبات السياسية التي حصلت في الفترة الأخيرة، من عرض روسي لقوات سورية الديمقراطية للاتفاق مع النظام، أو العرض الأميركي لاتفاق سلام بين هذه القوات مع تركيا، ستكون أرضية لمناقشة ملف تنظيم داعش برمته". وأعرب عن اعتقاده بأن وضع أسرى "داعش" لدى "قسد سيبقى على حاله في الوقت الراهن في ظل انتشار فيروس كورونا في العالم".

وتحتجز "قسد" آلاف العناصر الذين كانوا يقاتلون ضمن تنظيم "داعش"، إضافة إلى عدد غير معروف ممن هم متهمون بالتعاون مع التنظيم إبان سيطرته على نحو نصف مساحة سورية خلال عامي 2014 و2015. وقد خاضت قوات "قسد" منذ تأسيسها أواخر عام 2015، حرباً طويلة الأمد ضد التنظيم في منطقة شرقي الفرات بدأت في عام 2016 وانتهت في مطلع عام 2019، مع سقوط بلدة الباغوز آخر معقل للتنظيم في سورية. وطيلة سنوات الحرب، كان عناصر من "داعش" يسلّمون أنفسهم لقوات "قسد"، وصولاً إلى المعركة الأخيرة في الباغوز، حيث سلّم عدد كبير من عناصر وقادة التنظيم أنفسهم لهذه القوات وللتحالف الدولي الذي نقل عدداً منهم إلى معتقلات سرية. وبالتالي، بات عدد كبير من عناصر التنظيم تحت مسؤولية قوات "قسد"، التي طالبت أكثر من مرة الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المحتجزون بمساعدتها لحل هذه المشكلة من خلال تسليم كل دولة من يحمل جنسيتها، ولكن هذه الدول لم تستجِب لمطالب "قسد"، ما شكّل عبئاً عليها في ظل انسداد أي أفق للحلّ. وتحتجز قوات "قسد" عناصر وقادة تنظيم "داعش" في سجون عدة، منها سجن الصناعة في الحسكة وسجن في منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، إضافة إلى سجون أخرى في منطقة شرقي الفرات "تضم مسلحين هم الأكثر خطورة في التنظيم، وقد فرضت عليهم حراسة مشددة"، وفق مصادر مطلعة.

وخلال العملية العسكرية التركية في منطقة شرقي نهر الفرات في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حاولت "قسد" استخدام ورقة أسرى التنظيم لديها للضغط على المجتمع الدولي للتدخل وإيقاف العملية التركية. وأشار القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي في حينه إلى أن 12 ألف شخص من التنظيم محتجزون في سجون هذه القوات. وكانت فصائل المعارضة السورية أبدت استعدادها لتسلّم أسرى التنظيم في بداية العملية التركية، ولكن عبدي قال: "مسلحو داعش المعتقلون وعائلاتهم لدينا. نحن من ألقى القبض عليهم، ونحن من يحدد مصيرهم". ومن الواضح أن قوات "قسد" تحاول الاستفادة من وجود أسرى التنظيم لديها للحصول على مكاسب سياسية من المجتمع الدولي. ولم تكترث أنقرة لتهديد "قسد" بإطلاق سراح أسرى "داعش" لديها، ولكن الجانب الأميركي لم يسمح للجيش التركي بتطوير هجومه ليشمل المساحة التي يريد السيطرة عليها. وإضافة إلى مسلحي التنظيم، تحتجز قوات "قسد" عائلات أسرى "داعش" وعائلات قتلاه من نساء وأطفال في مخيم الهول في ريف الحسكة الجنوبي الشرقي، المعروف بـ "السجن الكبير"، ويشهد بشكل دائم محاولات تمرد من قبل قاطنيه.

وأفادت هذه القوات في أكتوبر الماضي بأن 785 أجنبياً من عناصر تنظيم "داعش"، تمكنوا من الفرار من مخيم عين عيسى بمحافظة الرقة شمال شرقي سورية حيث كانوا محتجزين. وفي اليوم التالي، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن القوات التي يقودها الأكراد في شمال شرقي سورية، ربما تطلق سراح أسرى من التنظيم لحمل القوات الأميركية على العودة إلى المنطقة.