فضائل كورونا علينا

فضائل كورونا علينا

30 مارس 2020
أعاد المواطنون اكتشاف أنفسهم وحكوماتهم (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
رغم الآلام والخوف اللذين يسببهما انتشار فيروس كورونا، وأسئلة الناس المحجوزين في بيوتهم عن عمر الأزمة وإن كانت ستنتهي قريباً، أو ستنتهي أصلاً، يعيد المواطنون في كل مكان اكتشاف حكوماتهم ونخبهم وأنفسهم بكثير من الدهشة والاستغراب. ومع اشتداد الأزمة وقرارات الحجر ومنع التجول وفراغ الشوارع من أصواتها وتوقف الدكاكين والمحلات عن ضجيجها، اكتشف الناس في كثير من الدول حنان حكوماتهم المفرط، وكذبها المفرط أيضاً. فجأة صار بإمكان المواطن ألا يدفع فاتورة الماء والكهرباء، فيما تحذر الحكومة الشركات من قطعها عن البيوت، وصار بإمكان البنوك أن تصبر على سداد القروض، بل وتتبرع للدولة أيضاً، وأصبحت الحكومة توصل الزيت والدقيق إلى البيوت، وتزيد في سرعة الإنترنت مجاناً، وتوزّع الأموال على الفقراء والمحتاجين، وتوقفت فجاة بكائيات الميزانيات المحدودة والنمو المتوقف والخزائن الفارغة والاستثمار المعطّل، وتسابقت كبرى الشركات في موجة تبرع غير مسبوقة للمستشفيات التي كانت تعرف منذ زمان أنها معطلة ولا إمكانات لديها.

ولكن المواطنين يعيدون اكتشاف أنفسهم أيضاً، فقد أصبح المواطن يحترم الطوابير وينتظر دوره بعيداً عمن يسبقه لتفادي الاكتظاظ، وصارت المحلات لا تبيع سلعها إلا بقدر متساوٍ بين الجميع، وشرعت العائلات في تقسيط مؤنها والحد من التبذير، وبقدرة قادر صارت فضلات الخبز تخزّن في الثلاجات لإعادة استخدامها من جديد إذا اقتضى الأمر، وخلت سلات المهملات من أطنان الخبز التي كانت تُلقى فيها يومياً، ومن بقايا الأطعمة الأخرى أيضاً التي كان يتكبّر عليها الأطفال.

هذه بعض فضائل كورونا علينا، فقد عادت العائلات إلى بعضها، وجلست المجتمعات بعضها مع بعض تتسامر ليلاً وتتناقل أخبار الساسة وتفاصيل الأزمة وتطوراتها في كل مكان، ولكنها بقدر ما تتلاصق عاطفياً بقدر ما تتباعد فعلياً، إذ تشهد الأسواق العالمية تنافساً غير مسبوق وضربات تحت الحزام وفوقه وفي كل مكان من أجل الظفر بالمعدات الطبية والصحية، وتشهد البحار سرقة مواد من دولة إلى أخرى. ولولا الشرطة والجيوش المنتشرة في الشوارع لعمّت الفوضى في أكثر من بلد وسقطت أقنعة الحضارة والتمدن عن الجماهير الملتزمة إلى حد الآن بضبط النفس، اختياراً أو اضطراراً، أو أملاً في دواء قد يظهر قريباً ويُنهي الأزمة، ولكنها إرادة الحياة وحرارة الروح كما يقال، ومن يدري فلعلنا نعود إلى الفطرة إذا طال عمر هذه الكارثة. وفي الانتظار يكفينا ما أيقظه فينا كورونا من خصائل جميلة لعلنا نحتفظ بها بعد أن يذهب.

دلالات

المساهمون