قرارات "استثنائية" للبرلمان التونسي تنذر بمعركة جديدة مع الحكومة

قرارات "استثنائية" للبرلمان التونسي تنذر بمعركة جديدة مع الحكومة

27 مارس 2020
البرلمان صوت لمواصلة مهمته التشريعية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
صادقت الجلسة العامة للبرلمان التونسي، التي انعقدت أمس الخميس للحوار مع الحكومة، على جملة من القرارات الاستثنائية التي تتيح للبرلمان مواصلة مهمته التشريعية خلال فترة الحجر الصحي، بـ122 صوتا موافقا، وثلاثة معترضين، و17 رافضا. 

وتثير هذه القرارات كثيرا من الأسئلة حول الأسباب الحقيقية للمصادقة عليها، قبل تمرير مشروع قانون تفويض سلطة التشريع في المسائل المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا الجديد لفائدة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بأيام. 

وانعقدت الجلسة بغاية التصويت على إجراءات استثنائية اقترحها ممثلو "النهضة" و"قلب تونس" في مكتب البرلمان، تدرج بالنظام الداخلي للمجلس التشريعي، وتسمح للنواب بالتصويت عن بعد في حال تعذر حضورهم لمقر البرلمان، إضافة إلى انعقاد أشغاله بأي نصاب متوفر، مهما كان عدد النواب الحاضرين في الجلسة. 

وبصرف النظر عن حصول هذه المقترحات على الأغلبية اللازمة للمصادقة عليها، فإنها مثلت محل استغراب كبير، فالجلسة لم تكن إلا حلقة أخرى في إطار صراع رئيس البرلمان راشد الغنوشي مع رئيس الحكومة، الذي رفض سابقا المشاركة في اجتماعات خلية الأزمة البرلمانية، والاستماع لمقترحاتها، وتم استعمال آلية الحوار مع الحكومة لإرغامه على الحضور ليس أكثر، وأن التنقيحات المراد التصويت عليها هي مجرد ادعاء تم بواسطته تقنين العمل عن بعد فقط ليحافظ البرلمان على صلاحياته، ولا تسحب منه عبر التفويض الذي طلبه الفخفاخ.

وقالت النائبة عن "التيار الديمقراطي" سامية عبو، في هذا الصدد، إن "راشد الغنوشي بصدد تصفية خلافاته السياسية مع رأسي السلطة التنفيذية، مستعملا النواب كأداة لذلك"، واعتبرت أن "جميع الإجراءات المقترحة غير قانونية، وتصب فقط في إطار الخلاف مع الفخفاخ ورئيس الجمهورية قيس سعيد". 

ووصف القيادي بحزب "قلب تونس" أسامة الخليفي طلب الحكومة بـ"عملية سطو جلية على سلطات البرلمان في نظام سياسي برلماني"، لافتا إلى أن "السلطة التنفيذية تحاول مرارا تقزيم دوره وحصره فقط في مهمة تشريعية، لتتمكن من سحبها منه بسهولة". 

وأبرز الخليفي أن الديمقراطية في العالم تقتضي احترام كل سلطة لدورها، خاصة وقت الأزمة، في حين يحاول البعض "استغلال الضعف الحاصل نتيجة الوباء والاستحواذ على السلطة وإقصاء البرلمان، الضمان الوحيد للديمقراطية وممارسة الشعب لسلطته".

وألقت الجلسة الصباحية بظلالها على خطاب رئيس الحكومة، الذي خصص جزءا مهما فيه للرد على منتقديه. 

وشدد الفخفاخ على أنه لم يطلب تفويضا شاملا من البرلمان، وإنما "سلاحا دستوريا لاتخاذ وتفعيل القرارات الاستباقية لمجابهة كورونا، في سياق مركزة القرار خلال فترة الأزمة، وتوفير غطاء تشريعي للقرارات التي سيتم اتخاذها".

وبعملية حسابية بسيطة، سيما بعد إعلان "النهضة" قبولها من حيث المبدأ طلب التفويض مع مزيد التشاور في مشروع القانون المتعلق به، فإن أغلبية الثلاثة أخماس من أصوات النواب المنصوص عليها بالدستور للتصويت على تفويض سلطة التشريع لرئيس الحكومة متوفرة وحاصلة. 

وسيصوت وفق ذلك كل من "النهضة" و"التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" و"تحيا تونس" و"الإصلاح الوطني" و"كتلة المستقبل"، مع إمكانية تصويت كل من ائتلاف الكرامة والمستقيلين من قلب تونس المعارض لفائدة المشروع، ما يفوق الثلاثة أخماس.

ويدعو ذلك للتساؤل حول جدوى تعديل صيغ عمل البرلمان في هذه الفترة، في ظل الموافقة على التفويض لرئيس الحكومة، فكل التشريعات المتعلقة بمواجهة انتشار الوباء سيتخذها الفخفاخ بواسطة مراسيم، وللبرلمان الحق في مراقبة هذه المراسيم إثر انتهاء مدة التفويض المضبوطة دستوريا بمدة أقصاها شهران. 

ويرى مراقبون أن جلسة أمس محل تأويلات مختلفة، فإما أن تكون ورقة ضغط من البرلمان بعد أن اقتصرت دفة القيادة بين رأسي السلطة التنفيذية، أو كإجراء استباقي يمكن مجلس النواب الشعب من أن ينعقد حتى خلال فترة التفويض ويبطل أي مرسوم يتخذه الفخفاخ قد تعترض عليه "النهضة" و"قلب تونس".


وفسر الخبير في القانون وأحد واضعي دستور 2014 رابح الخرايفي، لـ"العربي الجديد"، بأن "التأويلين ممكنان، فالجلسة مفتعلة للرد على طلب رئيس الحكومة بالتفويض". وشرح أن المقترحات المقدمة عدلت بطريقة استثنائية إجراءات النظام الداخلي والنصاب اللازم لعقد الجلسات، في خرق للدستور، الذي وضح هذه الجوانب. 

ويعود ذلك، وفق محدث "العربي الجديد"، إلى أن "بعض الأطراف أرادت أن تبين أن البرلمان لديه قدرة على الاجتماع ولا داعي لتفعيل الفقرة الثانية من الفصل سبعين في سياق المعركة الخفية غير المعلنة حول من يملك السلطة".

وأضاف أن "الرئاسات الثلاث تستعرض عبر الآليات الدستورية حدود سلطتها، وتتنازع فيما بينها، في حين أن ذلك يبدو مجانبا للصواب وللذوق السليم في مجابهة الإشكال الحقيقي، وهو الأمن الصحي". 

ولفت الخرايفي إلى أن "رئيس الحكومة لم يستنفد بعد صلاحياته حتى يطلب التفويض"، وفق تقديره الشخصي. 

وتساءل الخرايفي عن "مدى التزام الفخفاخ بحدود التفويض، وما سيولده ذلك من إشكاليات، سيما إذا ما عمد إلى التضييق على بعض الحقوق والحريات، وقيام البرلمان إثر ذلك بإبطال هذه المراسيم، ما سيخلق صداما كبيرا بين الحكومة ومجلس نواب الشعب".