إسرائيل: انتصار نتنياهو وخضوع الجنرال

إسرائيل: انتصار نتنياهو وخضوع الجنرال

28 مارس 2020
انتقد شركاء غانتس السابقون خطوته(أحمد غربلي/فرانس برس)
+ الخط -

تمكن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، خلال ثلاثة أسابيع تفصل بين إجراء الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في الثاني من مارس/آذار الحالي، وبين انتخاب الجنرال بني غانتس، زعيم تحالف "كاحول لفان"، رئيساً للكنيست أول من أمس الخميس، من قلب نتائج الانتخابات التي خرج معسكره منها بـ58 مقعداً، من دون أي قدرة على تشكيل حكومة ضيّقة بفعل حصول المعسكر المناهض له، الذي كان غانتس يقوده حتى أمس الأول على 62 مقعداً، تشمل أيضاً 15 مقعداً للقائمة المشتركة للأحزاب العربية.

حقق نتنياهو، أول من أمس الخميس أول انتصار له، عندما أقنع غانتس، بعد سلسلة من التسريبات الصحافية على مدار الأسبوع، عكست حرباً نفسية وحملة تحريض شعواء مع تكريس وجود خلافات داخلية بين غانتس وشركائه، بأن يتخلى عن شركائه وينضم مع حزبه "حوسن ليسرائيل" والجنرال الأسبق أيضاً غابي أشكنازي لحكومة وحدة وطنية، وأن يأخذ مكانه تحت "نقالة الجنود" في المعركة ضد فيروس كورونا المستجد. قرار غانتس، الذي اتخذه ظهر الخميس رسمياً بعد إعلان عزمه الترشح لرئاسة الكنيست، بعد أن كان يطرح نفسه بديلاً لنتنياهو ويرفض أي مسودة اقتراح لحكومة وحدة وطنية، جاء على ما يبدو بعد أن اتضح له نهائياً، أن شركاءه في التحالف، على حد زعمه، يرفضون أي خيار لتعاون مع حكومة نتنياهو أو تشكيل حكومة وحدة وطنية في ظل حالة الطوارئ المعلنة بفعل فيروس كورونا. لكن هذا الادعاء لا يصمد أمام ما تجلى من معلومات تحدثت عن أن غانتس، على الرغم من التصريحات المعلنة، لم يوقف، لا هو ولا الجنرال أشكنازي، الاتصالات مع نتنياهو لتشكيل حكومة وحدة وطنية، سواء لعدم وجود أفق لتشكيل حكومة بدعم خارجي من القائمة المشتركة، أم لاقتناعه بأنها فرصته الأخيرة للوصول إلى موقع رئاسة الحكومة، بعد التناوب مع نتنياهو.

أدرك الجنرال غانتس أيضاً أن الخيار الوحيد الآخر هو الذهاب لانتخابات رابعة، أكدت استطلاعات مختلفة، أنها ستكون في صالح نتنياهو ومعسكره. ولما لم تكن هناك فروقات رئيسية في المواقف المتعلقة بتصفية القضية الفلسطينية، عبر إعلان غانتس هو الآخر موافقته وقبوله بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعروفة بـ"صفقة القرن"، لم يكن أمام غانتس إلا أن ينقض وعده الانتخابي بألا يشارك في حكومة يتزعمها متهم بالفساد، وهو وعد لم يكن من الصعب على غانتس أن ينقضه، خصوصاً بعد أن نقض وعداً آخر بعدم التعاون مع القائمة المشتركة أو طلب توصيتها للحصول على تكليف لتشكيل الحكومة المقبلة.

في الحالتين وجد غانتس مبررات لنقض التعهدين. ففي حالة نتنياهو، ادعى أن شعاره الانتخابي "إسرائيل قبل كل شيء"، يحتم عليه أن يفعل كل شيء لتجنيب إسرائيل انتخابات رابعة، خصوصاً في ظل أزمة كورونا وتداعياتها المستقبلية على إسرائيل. أما عند توجهه لقبول توصية من القائمة المشتركة للأحزاب العربية، فقد ادّعى غانتس أنه مضطر لطرق كل باب من أجل تخليص إسرائيل من حكم نتنياهو الفاسد، ثم استدرك بالقول إن التعاون مع القائمة المشتركة سيكون لمرة واحدة، وأن نوابها لن يكونوا شركاء في الحكومة المقبلة، وهو ما لم يطلبه أصلاً النواب العرب. والواقع أن الجنرال غانتس الذي لم يقابل عربياً في مسيرته سوى في ساحات الحرب، لم يملك في حياته المدنية والحزبية الشجاعة على مواجهة الحملة العنصرية ضد شرعية القائمة المشتركة للأحزاب العربية، ولا على أن يبدأ مشواره في الحكم من خلال الاستناد على دعم لحكومته من نواب عرب، كان قدّم قبل الانتخابات، طلباً لمنع أحدهم (النائبة هبة يزبك من التجمع الوطني الديمقراطي) من الترشح لانتخابات الكنيست بزعم دعمها للإرهاب.



التطورات الأخيرة التي خلصت إلى تقديم غانتس طوق النجاة لنتنياهو، هي نفسها التي يرى مراقبون، في ظل نقض غانتس للتعهد الانتخابي الأساسي بتغيير نتنياهو والإطاحة به من الحكم، أنها ستؤدي لاحقاً، سواء أتم نتنياهو ونفذ اتفاقية التناوب على الحكم، الذي يبدو أن حجر الأساس في إقدام غانتس على خطوته أم لا، إلى قصر أمد مسيرة غانتس السياسية، أو على الأقل سيرته كمرشح محتمل للإطاحة بنتنياهو.

ويرى مراقبون أن نتنياهو الذي خرج من الانتخابات مكسور الجناح، ويراهن على "سرقة" اثنين أو ثلاثة نواب من المعسكر المناهض له، وجد نفسه يحصل سواء بفعل سذاجة غانتس، أم رغبة دفينة عند الأخير للتخلص من شركائه، يحصل على 15 مقعداً دفعة واحدة، وهو ما قد يدفعه بالتالي إلى عدم الالتزام باتفاقية التناوب وأن يمرر حياة غانتس في حكومة الوحدة في العام ونصف العام المقبلين. مع ذلك من شأن نتنياهو أن يشترط في اتفاقية تشكيل الحكومة، التي لم ينته التفاوض بشأنها بعد، على بند يلزم فيه الشركاء قبل تنفيذ اتفاقية التناوب، بالتعهد بدعم ترشيحه لرئاسة الدولة في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في يونيو/حزيران 2021.

لكن انتصار نتنياهو لم يكن على حساب كتلة "كاحول لفان"، ولا اقتصر على تحويل غانتس من منافس على رئيس الحكومة بشروطه إلى "زاحف" إلى حكومة نتنياهو وفق تعبير شركاء غانتس السابقين، وإنما حقق انتصاراً أيضاً على زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، أفيغدور ليبرمان، الذي أعلن هذه المرة، خلافاً لمعركتي الانتخابات السابقتين في 9 إبريل/نيسان، و17 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، ترشيحه للجنرال غانتس، وقبوله بخيار حكومة ائتلاف ضيقة بعد أن كان موقفه السابق، بعدم التوصية بأي من المرشحين، نتنياهو أو غانتس، والدعوة لحكومة وحدة علمانية. ذلك أن قرار غانتس ترك ليبرمان عملياً "عارياً" إذا جاز التعبير، فلا هو بقي مع معسكر اليمين التقليدي الذي كان جزءاً منه حتى انتخابات 9 إبريل 2019، ولا جزءاً من الحكومة المقبلة، بعد أن باتت كتلته البرلمانية المكونة من 7 نواب فائضة عن الحاجة في حسابات نتنياهو لتشكيل حكومته الخامسة.

التطورات الأخيرة، وعلى الرغم من محاولات أنصار غانتس، مثل رفيقه في الحزب عضو الكنيست حيليك تروبر، الادعاء بأن المفاوضات لم تنته وأن كل شيء لا يزال متاحاً، لا تترك عملياً لغانتس، سوى خيار الانضواء تحت حكومة نتنياهو وانتظار أن ينفذ الأخير اتفاق التناوب بعد عام ونصف.


المساهمون