الزعيم وجماهيره في زمن الكورنة

الزعيم وجماهيره في زمن الكورنة

17 مارس 2020
يتسلل الفيروس في كل مكان (محمد صواف/فرانس برس)
+ الخط -
أبلغتنا الحاشية أن الزعيم أعفى نفسه من الجماهير لأجلٍ غير مسمى. لا يجوز ليدَي القائد الطاهرتين المُطهرتين مصافحة عامة الشعب الزاحفين من آخر زنقة في ديارنا. الزعيم أمدّ الله عمره على حساب مريديه ومعاديه لا يحتاج فيروسات العوام، الحاشية ستصفق عنهم وتقرر عنهم. الزعيم أعلن الحرب على الوباء لشدة حرصه علينا، هدم جدران السجون المكتظة، ووضع ذوي القربى في العزل الإجباري، وسيعدم غداً الموبوئين في صفوف الجماهير لتحيا الأمة. كما انتصر علينا، سيهزم الزعيم المدعو "كورونا"، وسيعبر فوق جسور جثثنا إلى النصر الذي لا يليق إلا بالفاتحين.

الحاشية أبلغتنا عن زمن الكورنة في ديارنا الأبية، عن عزلة الحاكم عن رعيته، وعن عزلة الرعية عن العالم. الزعيم أدرى بحالنا التعيسة، نحن المحظوظين الذين ابتلى فينا حظ الزعيم السيئ. الحاشية أبلغتنا أن الكورنة ستعطل حجّنا الميمون لنجدد المبايعة. لماذا نترك العدو الفيروسي يتسلل إلى صفوفنا لنؤكد المؤكد في صندوق اقتراع القمامة؟ هذا ترفٌ لا يحتاجه معشر المتذمرين.

الحاشية أبلغتنا أن الزعيم سيُسيّج ديارنا بنعمة الجهل، هذا الوباء المتربص لا يحتاج أن يعرف مكاننا، ونحن لا نحتاج أن نعرف عنه. الزعيم أعلن حال طوارئ وحظر تجوال، ليحررنا من تعب التجمع في الساحات العامة لنهتف باسمه، هو سيهتف لنفسه في المرآة، ويصلي لانقراضنا في المنام. منازلنا هي معتقلات جديدة كي لا نتعبه في مطاردتنا واعتقالنا، ديارنا أصبحت سجناً كبيراً برتبة منطقة احتواء. الوباء هو استراحة الزعيم، يستحق عطلةً من تطويعنا، الكورنة هدية لمن لا ينام الليل يراقب الناس.

زعيمنا المظفر بعيوبٍ كاملة الأوصاف سيخصص مواد غذائية لجنوده وحاشيته، كيف نأكل نحن، الجوع هو قدرنا الذي ارتضيناه، محاصيلنا على أقدامه لينهم بها كالجراد. هذا الدخان الذي يصعد من الهاوية على وجوهنا الكاحلة بالسواد ويحجب نور الشمس عنا، هو دعاءٌ لبقاء الزعيم على السلطة العليا. هذا الخراب يأتي ليُخلص الزعيم من رعيته الطالحة التي تطمع بعطاياه، ليأخذنا هذا العدو نحن دروع الوباء لينعم الحاكم بسكونه ويكدس ديونه إلى أبد الآبدين. زعيمنا لا تضيق به الحال، صدره رحب لمديح السلطان، لا يشفينا حتى من وباء حبه. لا نهلع نحن طالما ينام الزعيم، يموت الوباء ليحيا على جثثنا نحن المحظوظين الذين ابتلى فينا حظ الزعيم السيئ.