مسرحية تعديل الدستور الروسي: بوتين رئيساً مدى الحياة

مسرحية تعديل الدستور الروسي: بوتين رئيساً مدى الحياة

12 مارس 2020
أكّدت التعديلات تشبث بوتين بالسلطة (ألكسي دروزينين/ فرانس برس)
+ الخط -
يفتح إقرار مجلس الدوما الروسي، أمس الأربعاء، التعديلات الدستورية التي طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع تضمينها بنداً يسمح له بالترشح لولايتين رئاسيتين إضافيتين، الطريق واسعةً أمام سيّد الكرملين للبقاء في الحكم مدى الحياة، ويضع روسيا على خطى الجمهوريات السوفييتة السابقة لناحية أنظمتها الاستبدادية، وسط تساؤلاتٍ مُعارضة حول مدى قلّة ثقة الرئيس الروسي بالدولة وبحزبه، والتي تدفعه للتشبث في السلطة.

وأقر مجلس الدوما (النواب)، أمس الأربعاء، بأغلبية 383 صوتاً، في القراءة الثالثة والأخيرة، التعديلات الدستورية التي من شأنها تعزيز صلاحيات السلطة التشريعية في البلاد، وتحديد الحدّ الأقصى للولايات الرئاسية، لكن مع "تصفير" ولايات الرئيس فلاديمير بوتين، ما سيتيح له الترشح لولايتين إضافيتين عامي 2024 و2030، ولمدة إجمالية محددة بـ12 عاماً.

ووفقاً للإجراءات المعمول بها في روسيا، أحيل مشروع قانون تعديل الدستور بعد "الدوما" إلى مجلس الاتحاد (الشيوخ) للمصادقة عليه، حيث أيّده 160 عضواً، فيما عارضه عضوٌ واحد وامتنع ثلاثة عن التصويت. ويلي هذه المرحلة الحصول على موافقات ما لا يقل عن ثلثي المجالس المحلية، ثم توقيع الرئيس، وطرح المشروع في استفتاء مقرر إجراؤه في 22 إبريل/ نيسان المقبل.

وعلى الرغم من تأكيده مراراً عدم نيته الاستمرار في الرئاسة مدى الحياة، إلا أن بوتين البالغ من العمر 67 عاماً، أعلن أول من أمس الثلاثاء في كلمة له أمام "الدوما" قبوله مثل هذا التعديل، بشرط أخذ رأي المحكمة الدستورية وتصويت المواطنين بـ"نعم" في الاستفتاء.

وعزّزت العجالة التي تمّ بها تمرير التعديلات الدستورية في الدوما من الشكوك في أن حزمة الإصلاحات التي أعلن عنها بوتين في رسالته إلى الجمعية الفدرالية الروسية منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، لم يكن لها من أساسها أي هدف آخر سوى استمرار سيّد الكرملين في حكم البلاد بعد انتهاء ولايته الرابعة عام 2024.

ووفق نص الفقرة 3.1 من المادة 81 من الدستور الروسي المعدل، يتم إعفاء الرئيس الروسي الذي يشغل منصبه وقت دخول التعديلات الدستورية حيّز التنفيذ، من احتساب ولاياته السابقة ضمن الحدّ الأقصى للولايات الرئاسية.    


وفي هذا الإطار، وصف الخبير في شؤون أوروبا الشرقية والوسطى، إيفان بريوبراجينسكي، ما جرى في الدوما خلال اليومين الماضيين بـ"مسرحية من أداء جيد". وقال بريوبراجينسكي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "بعض الممثلين مثل النائب ورائدة الفضاء السابقة، فالينتينا تيريشكوفا، أدوا أدواراً محفوظة مسبقاً، وهناك آخرون مرتجلون، أمثال زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، فلاديمير جيرينوفسكي، ما زاد العرض عبثاً". وكان جيرينوفسكي قد اقترح أثناء النقاشات في الدوما إلغاء التصويت المباشر في الانتخابات الرئاسية والاكتفاء بتصويت أعضاء مجلس الدولة، على أن يتم تشكيله من 40 إلى 50 شخصية برلمانية وحكومية وعلمية مرموقة.

وحول دوافع السلطات الروسية، يرى بريوبراجينسكي أن "الهدف من إخراج المسرحية هو الحفاظ على حالة الدهشة بين الجمهور، حتى لا يستفيق ولا يفكر في ما يجري. لا تغيير في هذه الاستراتيجية للكرملين منذ بدء الإصلاح الدستوري".

ولما كان الإعلان عن التعديل الدستوري المثير للجدل تزامن مع تهاوي أسعار النفط العالمية بسبب انهيار اتفاق "أوبك" وروسيا، وتراجع قيمة الروبل الروسي إلى أكثر من 70 روبلاً للدولار الواحد، وسط حالة من الذعر في الأسواق، لفت بريوبراجينسكي إلى أن "السلطة الروسية تجري مثل وحيد القرن بسرعة جنونية إلى الأمام دون النظر إلى العقبات".     

بدورها، وجهت الصحافة الروسية المستقلة انتقادات إلى مشروع التعديلات الدستورية، معتبرة أن تشبث بوتين بالحكم يعكس عجزه خلال عقدين من الحكم عن إقامة منظومة سلطة لا تعتمد على شخصيته، ويضع روسيا على خطى النظم الاستبدادية في الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى. 

وفي مقالٍ حمل عنوان "التحرري بوتين. إذا لم يكن هو يثق بالدولة، فليس للآخرين سوى الثقة بأنفسهم"، لخّص الصحافي الروسي المعارض، أوليغ كاشين، نتائج "الثلاثاء الأعظم"، وقبول بوتين التعديل الدستوري، في "عدم ثقة الأخير لا بالدولة الروسية ولا بمؤسساتها، ولا حتى بأنصاره وقدرتهم على توفير كل ما يحتاجه بدءاً من الحفاظ على البلاد، ووصولاً إلى ضمانات شخصية له ولأسرته". ورأى كاتب المقال، الذي نشر في صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية، أن الخيار الذي حسمه بوتين هو "الأكثر مأساوية"، كونه يكشف أنه لم يتمكن خلال 20 عاماً من حكمه من إقامة جهاز دولة قادر على السير بصرف النظر عمن هو رأسه. وذكّر كاشين بأن شعار "بوتين هو روسيا" كان يردده منذ فترة طويلة كثيرون، لا بوتين نفسه الذي لم ينطق بذلك سوى بعد نحو شهرين من التردد العلني، ما يعني أنه لم تعد هناك أي بوادر للاعتقاد بأن النظام السياسي يقتضي وجود أي رئيس مقبل من أساسه، مستخلصاً أن بوتين قرر تأجيل "نزع البوتينية" إلى ما بعد عهده.

بدوره، رأى المحرر السياسي كيريل مارتينوف، في مقال بصحيفة "نوفايا غازيتا" الليبرالية المعارضة، أنه كان واضحاً منذ البداية أن حزمة التعديلات الدستورية التي اقترحها بوتين في 15 يناير/ كانون الثاني الماضي لا هدف لها سوى "عدم تغيير أي شيء"، معتبراً أن القطار الذي انطلق يشكّل "هدماً للنظام الدستوري".

ولما كانت النائبة تيريشكوفا، وهي أول رائدة فضاء في العالم، هي التي اقترحت "تصفير" ولايات بوتين، أشار مارتينوف إلى أن هذا الخيار يضع روسيا على حافة "الهاوية الكونية" وخطى الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى. وأضاف ساخراً أن مطار "بايكونور" الفضائي الواقع في كازاخستان عزّز استفادة روسيا من خبرة النظم الاستبدادية الشقيقة في آسيا الوسطى، في إشارة إلى استقالة رئيس جمهورية كازاخستان، نورسلطان نزارباييف، من منصبه قبل نحو عام، مع الحفاظ على صلاحيات واسعة بصفته "زعيم الأمة".

كذلك أثار التمهيد لبقاء بوتين في الرئاسة حتى عام 2036 رفض حركات المعارضة الروسية التي تقدمت من رئاسة بلدية موسكو بطلبٍ لتنظيم تظاهرات مناهضة لـ"تصفير" الولايات الرئاسية وسط العاصمة الروسية يومي 21 و22 مارس/ آذار الحالي، بينما اعتبر المرشح المستبعد من سباق الانتخابات الرئاسية عام 2018، أليكسي نافالني، أن اقتراح تيريشكوفا يعني "تعيين بوتين قيصراً".