أسئلة ما بعد استهداف حمدوك: مخطط لإحكام قبضة العسكر؟

أسئلة ما بعد استهداف حمدوك: مخطط لإحكام قبضة العسكر؟

الخرطوم

العربي الجديد

العربي الجديد
10 مارس 2020
+ الخط -
بعد مرور أكثر من 24 ساعة على محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، تطرح العديد من التساؤلات المرتبطة بشأن هوية الجهة التي خططت للحادثة والأهداف التي تريد تحقيقها، خصوصاً بعدما لوحظ تعمد الإعلام الرسمي استباق نتائج التحقيقات في عملية توجيه الاتهامات، فضلاً عن توظيف الحادثة للإعلان عن قرارات جديدة هدفها تشديد القبضة الأمنية، بما في ذلك إنشاء جهاز للأمن الداخلي تابع لوزارة الداخلية والاستمرار في هيكلة المنظومة الأمنية.

القرارات التي أعلنت عقب اجتماع مشترك انعقد بين مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، والمجلس المركزي لتحالف الحرية والتغيير، وناقش تطورات الأوضاع الأمنية في البلاد عقب المحاولة الفاشلة لاغتيال حمدوك؛ نصّت كذلك على "أهمية الرصد الدقيق والمتابعة الفعالة لكل الأفراد المنتمين للمنظمات الإرهابية، أو التي لها أهداف ضد الثورة، واتخاذ الإجراءات الاحترازية ضدها، مع التشديد على مراقبة المنافذ والمداخل الحدودية لملاحقة العناصر الإرهابية"، وفق بيان تلاه المتحدث الرسمي باسم مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان.

وأكد سليمان، حسب البيان، على "أهمية صون الأمن الوطني وتحصينه من كل المهددات المحلية والإقليمية والدولية، مع التأكيد على تأمين وحماية قيادات الفترة الانتقالية كجزء من واجبات الأجهزة الأمنية وجزء من استقرار الفترة الانتقالية، والقيام بكافة الإجرءات التحوطية والاستباقية لعدم تكرار ما حدث".

وشدد الاجتماع كذلك على "ضرورة الوصول للجناة وتقديمهم للعدالة، مع محاسبة الجهات التي كان عليها حماية المنطقة التي وقعت فيها محاولة الاغتيال"، دون أن يفوّت التأكيد على "أهمية ودعم الشراكة والتعاون بين اجهزة الحكم الانتقالي ومكونات الفترة الانتقالية، وتنوير وتبصير الشعب عبر وسائل الإعلام الرسمية بأهمية الأمن الوطني... مع دعم وإسناد لجنة إزالة تمكين الثلاثين من يونيو حتى تقوم بمهامها بالسرعة المطلوبة".

خطّة مدبّرة؟

وفيما تتواصل التحقيقات في الاستهداف، من دون أن يتم الإعلان عن معلومات جديدة، تبرز فرضيات عدة بشأن محاولة الاغتيال التي وقعت أمس الإثنين، حينما استهدف مجهولون موكب رئيس الوزراء الذي كان في طريقه من منزله بضاحية كافوري، إلى مقر عمله بالخرطوم، بعبوة متفجرة، على الأرجح أصابت سيارته وسيارات أخرى قريبة من موقع الحدث، في حين لم يصب حمدوك بأي أذى، وباشر مهامه الاعتيادية بعد ساعات قليلة من الحادثة.

 
ولا يستبعد البعض أن ما جرى لا يعدو أكثر من مخطط معدّ بدقة من أجل تحقيق أهداف واضحة تؤدي في المحصلة إلى إحكام قبضة العسكر على مختلف نواحي الحياة السودانية، لا سيما بعدما ظهرت نوايا التفرد لدى العسكر في أكثر من محطة، كان استفراد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بملف السياسة الخارجية والهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل أحد أبرز مظاهرها، فيما جاء تكليف نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" بإدارة اللجنة العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية كأحدث مؤشر.

ويرى رئيس تحرير صحيفة "مصادر" السودانية، عبد الماجد عبد الحميد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن خلو السجل السوداني من أية محاولة اغتيال يعد بمثابة مدخل أول يثبت فرضية أن محاولة اغتيال حمدوك مجرد مسرحية، لأن كل القوى السياسية ملتزمة تماماً بالعمل السياسي السلمي قبل الثورة وبعد الثورة.

وطوال التاريخ السياسي الطويل، لم يعرف السودان أي حادث اغتيال لشخصية سياسية محلية، فيما جرت محاولة يتيمة للهجوم على منزل رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني بالرصاص في عام 1988.

ووفقاً لعبد الحميد فإن المدخل الثاني للتشكيك هو ضعف طريقة تنفيذ المحاولة التي تخلو من فعل جدي واستخدام قنبلة أقرب للصوتية في عملية التفجير. كذلك يتوقف عند مسارعة الإعلام إلى استباق نتائج التحقيق في الحادثة والتخوين المبكر للنظام القديم، مع اضطراب البيانات الرسمية الصادرة عن الأجهزة الحكومية، سواء مجلس الوزراء أو مجلس الأمن والدفاع، أو تحالف الحرية والتغيير الحاكم.


ولا يستبعد عبد الماجد أن تكون أجهزة مخابرات إقليمية وراء محاولة الاغتيال، بغرض فرض واقع سياسي جديد. وهو ما يشير إليه أيضاً المحلل السياسي مجاهد عبد الله، واضعاً ذلك باتجاه تمكين العسكر من إحكام القبضة على السلطة.


كذلك يتوقف عبد الله، في حديثه مع "العربي الجديد"، عند تفاصيل حادثة استهداف حمدوك المتوفرة حتى الآن، ومن بينها كمية المتفجرات المستخدمة، مشيراً إلى أنها قليلة جداً بالنسبة لجهة ترغب في اغتيال رئيس وزراء، خصوصاً أن التفجير لم يسفر عنه سقوط أي ضحية. كما يلفت إلى البرود الذي تعاملت معه الأجهزة الأمنية، بما يشمل عدم إغلاق الطرق وتفريغ مسرح الحادثة بسرعة قياسية وعدم إجراء أي عمليات تفتيش بالقرب من مكان الحادث. ويطالب عبد الله بوحدة سياسية بين كل الأحزاب لتشكيل خط دفاع أول ضد كل المخططات التي تحاك للسودان.

من جهته، يقول كمال عمر، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض، لـ"العربي الجديد"، إن الأجهزة الأمنية، وحتى اللحظة، لم تقدم عبر التحقيقات الأولية ما هو مقنع للجميع بوجود محاولة اغتيال جدية في بلد لم يشهد تصفيات جسدية أو اغتيالات. ورأى أن الحكومة التي فشلت في إدارة البلاد ربما أرادت إلهاء الناس باستغلال الحادثة، حتى لا تدع المواطن يفكر في قضاياه المعيشية. وأكد أنها - أي الحكومة - هي المستفيد رقم واحد من المحاولة في كل الأحوال، ومعها أجهزة مخابرات لن يهدأ لها بال إلا بتنصيب "سيسي" في السودان.

لكن رئيس حزب مستقبل السودان، فتح الرحمن فضيل، يرفض فرضيات المخطط الداخلي، أو تورط مخابرات أجنبية، وحتى توجيه أصابع الاتهام باتجاه النظام السابق، قائلاً إنه "من الواجب ترك كل ذلك انتظاراً لنتائج التحقيق، والذي يجب أن يوضع أمام الرأي العام أولاً بأول".

بيان أول للشرطة 


وفي وقت لاحق، أعلنت الشرطة السودانية، اليوم الثلاثاء، أن عبوة مصنعة محلية استخدمت أمس في محاولة اغتيال حمدوك، بعد زراعتها على جانب الطريق.

وجاءت رواية الشرطة مختلفة عن رواية بيان حكومي سابق، أشار لاستخدام مدبري الهجوم على موكب حمدوك للرصاص.

وذكر بيان من الشرطة، هو الأول لها منذ بدء تحقيقاتها حول الحادثة، أن "فرق الأدلة الجنائية بقسم الأسلحة والمتفجرات توصلت إلى تحليل المادة المتفجرة التي استخدمت في محاولة الاعتداء على موكب رئيس الوزراء، وخلصت إلى أن نتائج فنية أولية كشفت أن المادة عبارة عن عبوة متفجرة زنة (750) غراما، تم زرعها على جانب الطريق، وأنها مصنعة محلياً، مكونة من مادة أزيد الرصاص شديدة الحساسية تُحدث أصواتا عالية عند الانفجار، مشيرة إلى أن الانفجار خلف حفرة بطول 90 سنتمترا وعرض 25 سنتمترا، بدائرة قطرها 1500 متر وتسبب الشظايا الحديدية في إحداث الأضرار المادية بالمركبات.

وأكد البيان أن فرق التحريات والتحقيقات تواصل عملها بتنسيق تام بين مع الأجهزة النظامية والعدلية للوصول إلى كشف أبعاد المخطط. وطلبت الشرطة من المواطنين مدها بكل المعلومات عن المظاهر والتحركات المشبوهة.

دلالات

ذات صلة

الصورة
أطفال سودانيون في مخيم زمزم في ولاية شمال دارفور في السودان (الأناضول)

مجتمع

أفادت منظمة أطباء بلا حدود بأنّ طفلاً واحداً على الأقلّ يقضي كلّ ساعتَين في مخيّم زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور غربي السودان بسبب سوء التغذية.
الصورة
نازحون سودانيون في مدرسة في وادي حلفا 1 (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

مجتمع

في فناء رملي لمدرسة تحوّلت إلى مركز إيواء للنازحين في شمال السودان، يلعب أطفال بالكرة. من حولهم، ينتظر عشرات الأشخاص المنهكين الفارين من الحرب، منذ أشهر، تأشيرة دخول الى مصر.
الصورة
تشاد (مهند بلال/ فرانس برس)

مجتمع

فرّ مئات الآلاف من السودانيين من الحرب في بلادهم إلى تشاد، ووجدوا الأمان في أكواخ هشّة في مناطق صحراوية، لكنّهم باتوا أمام تحدٍّ لا يقلّ صعوبة وهو إيجاد الرعاية الطبية والأدوية للبقاء على قيد الحياة.
الصورة
مطار إسطنبول الدولي (محمت إيسير/ الأناضول)

مجتمع

استغاثت ثلاث عائلات مصرية معارضة لإنقاذها من الترحيل إلى العاصمة المصرية القاهرة، إثر احتجازها في مطار إسطنبول الدولي، بعدما هربت من ويلات الحرب في السودان عقب سبع سنوات قضتها هناك، مناشدة السلطات التركية الاستجابة لمطلبها في الحماية