عراقيل حفتر على مسارات حوار جنيف الثلاثة

عراقيل حفتر على مسارات حوار جنيف العسكرية والسياسية والاقتصادية

08 فبراير 2020
يصرّ المجتمع الدولي على تنفيذ اتفاقات قمة برلين (Getty)
+ الخط -
يتّجه حوار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة إلى مواجهة صعوبات جديدة، تتمثل في الاشتراطات التي تصرّ عليها الأطراف الليبية لانخراطها فيه على الصعيد السياسي، فيما تطمح الأمم المتحدة، بعد نحو أكثر من أسبوعين من وصول الملف الليبي إلى جنيف قادماً من برلين، لأن يكون المسار العسكري، الذي بدأ باجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة التي باتت تعرف باسم لجنة 5 + 5، بداية لتحويل الهدنة الهشة إلى وقف دائم للقتال، وأن يؤسس لاجتماعات المسار السياسي بين مجلسَي الدولة والنواب، وسط خروقات لم تتوقف لتلك الهدنة الهشة، واستمرار تدفق السلاح إلى طرفَي القتال، ما حدا بالأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى وصف استمرار خرق قرار حظر السلاح عن ليبيا بـ"الفضيحة".

عراقيل المسار العسكري

وعلى الرغم من التفاؤل الكبير للمبعوث الأممي غسان سلامة بنتائج المحادثات العسكرية، وكونها "أحرزت تقدماً وتقارباً في العديد من النقاط"، إلا أنه أقرّ بأن المسار السياسي جاء بسبب "صعوبات يواجهها مجلس النواب في اختيار ممثليه"، لكن دبلوماسياً رفيعاً مقرباً من حكومة الوفاق، وبرلمانياً مقرباً من قيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تطابقت شهادتهما حول أن التوافق، الذي أشار إليه سلامة بشأن قرب تحويل الهدنة إلى وقف دائم للقتال، يحتاج لوقت أطول، مما يشير إليه تفاؤل سلامة، مؤكدين أن ضابطَين على الأقل من بين الخمسة الممثلين لحفتر، لا يزالان معترضَين على المبدأ من أساسه، فيما تضغط البعثة من أجل إقناع أطراف دولية داعمة لحفتر، كروسيا، بإرغامه على القبول بالوقف الدائم للقتال، لتمهيد الطريق لبدء المحادثات السياسية.
ويربط المحلّل السياسي الليبي، مروان ذويب، تأخر المسار السياسي بالعراقيل التي يضعها حلفاء حفتر في مجلس النواب المجتمع بطبرق لبدء اختيار 13 عضواً، المناط بهم تمثيل مجلس النواب في المسار السياسي، ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "ما لم تكن نتائج المحادثات العسكرية لصالح حفتر، فلن يكون هناك مسار سياسي، وسيستمر نواب طبرق في وضع العراقيل من أجل تأخير انعقاده".
وفيما تؤكد ذات المصادر لـ"العربي الجديد"، أن سلامة فشل حتى الآن في إقناع ممثلي حفتر العسكريين في الجلوس بشكل مباشر مع ممثلي حكومة الوفاق، وأن المحادثات لا تزال تجري بشكل منفصل لمناقشة قائمة طويلة من بنود الوقف الدائم للقتال المدرجة في خريطة الطريق التي رسمتها قمة برلين في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، تكشف النقاب عن بدء الحديث عن دخول لجنة أوروبية على خط المحادثات في جنيف، لممارسة جملة من الضغوط على ممثلي حفتر للقبول بمطلب وقف القتال المتفق عليه في برلين.
وفي السياق، قال مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب"، التابع لحكومة الوفاق، إن خروقات قوات حفتر للهدنة مستمرّة، فبعد إطلاق "عدة صواريخ باتجاه مطار معيتيقة"، مساء أمس الجمعة، ما تسبب في توقف حركة الملاحة فيه لساعات عدة، "أُطلقت قذائف وصواريخ عدة على حي سكني على طريق ولي العهد بطرابلس"، من دون أن تسفر عن خسائر بشرية.


عراقيل المسار السياسي

وفي انتظار نتائج المحادثات العسكرية في جنيف، التي لا تزال طي الكتمان ولا يُسمح إلا بما يصرح به المبعوث الأممي في مؤتمراته الصحافية المتوالية في جنيف، لا تزال الاشتراطات تعرقل المضي في المسار السياسي؛ فمجلس الدولة بطرابلس يشترط الانتهاء من الاتفاق على وقف دائم للقتال، في وقت هدّدت فيه حكومة الوفاق بإعادة النظر في مشاركتها في أي تسوية سياسية، في حال استمرّت نيران الخروقات تطاول المدنيين.

وفي الجانب الآخر، وبعد أن وضع مجلس النواب المجتمع بطبرق شروطاً عدة لترشيح 13 عضواً يمثلونه في محادثات جنيف السياسية، من بينها المصادقة على الأعضاء الـ14 الذين ستختارهم البعثة الأممية، وجد بعض النواب في مطالب رئيس اتحاد يهود ليبيا بضرورة مشاركته في الحوار، كممثل لليهود، حججاً جديدة للتهديد بمقاطعة الحوار.
وكان رئيس اتحاد يهود ليبيا، رافاييل لوزون، قد هدد بالدخول في إضراب عن الطعام، إذا لم يوافق سلامة على مشاركته في حوار جنيف كممثل لليهود الليبيين. وجاء ذلك في تدوينات كتبها لوزون على صفحته الرسمية، وخلال تصريحات تلفزيونية يومي الجمعة والسبت.
وتعليقاً على كل هذه المستجدات، يعتبر ذويب أن "حلفاء حفتر بمجلس النواب يسيرون بذات الطريقة التي عرقلت تنفيذ اتفاق الصخيرات لأعوام"، ويضيف أن "محادثات المسار السياسي لن تنعقد يوم 26 من الشهر الجاري كما يأمل سلامة، وستتراكم الاشتراطات كلما وجد حلفاء حفتر فرصة لذلك، لعرقلة هذا المسار".
لكن معلومات المصادر التي تحدثت عن إمكانية دخول لجنة أوروبية على خط المحادثات العسكرية في جنيف، بالإضافة إلى إعلان ألمانيا عن انعقاد الاجتماع الأول للجنة المتابعة لتنفيذ قرارات مؤتمر برلين بشأن ليبيا في ميونيخ في السادس عشر من فبراير/ شباط الجاري، يعتبرها الباحث الليبي في العلاقات الدولية، بلقاسم كشادة، عوامل جديدة على مسار المحادثات الليبية لم تكن متوفرة في السابق، وخصوصاً بعد اتفاق الصخيرات.
ويقول كشادة في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الرغبة الدولية في إنهاء مشروع حفتر، تأتي من قناعة كاملة بأنه أخذ كل الوقت الذي وفره له حلفاؤه، سواء العرب، أو فرنسا، أو روسيا، لكنه فشل تماماً"، مؤكداً أن اتفاق برلين يواجه عراقيل كبيرة، لكنه لم يفشل تماماً بسبب الإرادة الدولية في إنفاذه.

المسار الاقتصادي

ومما يدلّ على إصرار المجتمع الدولي على تنفيذ الاتفاقات التي خرجت من قمة برلين، سيبدأ ممثلون ليبيون للمؤسسات الاقتصادية والمالية، يوم غد الأحد في القاهرة، أول اجتماعات المسار الاقتصادي، إكمالاً للاجتماعات السابقة التي أشرفت عليها الولايات المتحدة الأميركية، وآخرها في تونس منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وبحسب الدبلوماسي الليبي، فإن اجتماعات المسار الاقتصادي الأولى ستستمرّ ليومين، الأحد والاثنين، بمشاركة 16 خبيراً ومسؤولاً ليبياً ممثلين للمؤسسات المالية والاقتصادية السيادية، لمواصلة ما انتهت إليه جلسات الحوار الاقتصادي في تونس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.


ويفصّل المصدر الدبلوماسي بنود الاجتماع الأول بأنها ستبحث قصة إغلاق المنشآت النفطية قبل المضي في البنود الأخرى، وهي "التوزيع العادل للثروة"، و"الشفافية في المؤسسات السيادية"، و"إعادة الاعمار".

وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، أمس السبت، عن تجاوز خسائر "الإقفالات غير القانونية" للمنشآت النفطية عتبة المليار دولار، منذ إقدام مجموعات قبلية موالية لحفتر على إغلاق الحقول والموانئ النفطية في 18 يناير/ كانون الثاني الماضي. وأكد الدبلوماسي أن الخطة التي سربتها وسائل إعلام في الآونة الأخيرة بشأن المسار الاقتصادي صحيحة في بعض جوانبها، لكن المؤكد أن المضي في مناقشة البنود الثلاثة سيكون من خلال مسارين، الأول تأليف لجنة خبراء اقتصاديين ليبيين، بمساعدة بيوت ومنظمات للخبرة الاقتصادية، من أجل وضع سياسة اقتصادية ومالية عامة، والثاني سيكون لتفصيل تلك السياسات لبرامج عمل على يد قادة المؤسسات الاقتصادية والمالية السيادية، لبدء توحيدها.
ورأى أن عمل هذا المسار سيتأخر، كونه مرتبطاً بمخرجات المسار السياسي، وأولها تشكيل حكومة موحدة في البلاد لتنفيذ ما يتفق عليه المشاركون في المسار الاقتصادي.