هل يمهد إحياء "الكتلة الديمقراطية" لإنهاء هيمنة إسلاميي المغرب؟

إحياء "الكتلة الديمقراطية" بالمغرب: محاولة جديدة لتطويق الإسلاميين

29 فبراير 2020
سحب "العدالة والتنمية" البساط من تحت "الكتلة"(فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -


أعادت اللقاءات التي عقدتها قيادة حزب "الاستقلال" المغربي، ثاني أكبر حزب في المعارضة، خلال الأيام الماضية، مع حزبي "التقدم والاشتراكية" المعارض، و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، المشارك في الأغلبية الحكومية، الحديث عن إمكانية إعادة تنشيط تحالف "الكتلة الديمقراطية".

فبعد 28 سنة على ولادة تحالف ظل في حالتي مد وجزر، تسعى أحزاب "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي" و"التقدم والاشتراكية" إلى تجاوز صراعاتها وخلافاتها، التي أدت إلى تأزيم وضعها التنظيمي والسياسي، وقوضت فرص تقاربها، من خلال التنسيق بين بعضها البعض، استعداداً للانتخابات البرلمانية في 2021، والضغط لإقرار قوانين انتخابية جديدة، قد تعينها في استعادة مكانتها وقوتها على الساحة السياسية. وفيما لا تستبعد الأحزاب الثلاثة من نقاشاتها الحالية استعادة التنسيق عبر إحياء تحالف "الكتلة"، من أجل الترتيب المبكر لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة، تطرح أكثر من علامة استفهام حول دوافع المحاولة الجديدة لإعادة نفخ الروح في جسد تحالف يلجأ قادته، دائماً، إلى الاستنجاد به في الفترات الحساسة في المشهد المغربي.

وبالنسبة لعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال عبد الجبار الراشدي، فإنه من السابق لأوانه اليوم الحديث عن إحياء للكتلة الديمقراطية. وقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الأحزاب الثلاثة في مرحلة المشاورات ستتلوها خطوات أخرى، مضيفاً "نريد أن يمتلك الجميع الاتفاق السياسي، الذي نطمح إلى إقراره، لأننا لا نتعاطى مع هذا الموضوع من باب الشوفينية أو بمنطق حزبي ضيق، بل على العكس من ذلك، نريد أن يصبح جزءا من المشروع المجتمعي المتوافق عليه، وأن يقدم دينامية جديدة للحقل السياسي الوطني، وأن يزرع الأمل ويوضح الرؤية المستقبلية للسياسة في بلادنا، وأن يوطد المسار الديمقراطي". وبحسب الراشدي، فإن "الاجتماع الذي عقدته قيادة الاستقلال مع قيادة حزبي التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي يأتي على خلفية الرسالة التي وجهها الحزب إلى رئيس الحكومة، يدعوه فيها إلى فتح حوار مع الهيئات الحزبية لإطلاق ورش الإصلاحات السياسية والانتخابية، من أجل الوصول إلى اتفاق سياسي بين الدولة والأحزاب السياسية يكون موازياً للنموذج التنموي الذي تشهده بلادنا".

وكان قادة أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، قد أعلنوا في 17 مايو/أيار 1992 عن ميلاد الكتلة الديمقراطية كإطار تعددي، لتنسيق مواقف مكوناتها وتوحيد جهودها من أجل فرض أهدافها المشتركة. وبالرغم من الدور المؤثر الذي قامت به الكتلة في المشهد السياسي، والدفع بالإصلاحات في البلاد، وقيادة التناوب التوافقي في عهد الراحل الحسن الثاني، إلا أنها ظلت في الكثير من اللحظات مجمدة بسبب الصراع بين قطبيها "الاتحاد الاشتراكي" و"الاستقلال".



واعتبر عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية جواد شفيق أن الظروف الحالية تختلف عن تلك التي كانت سائدة إبان ولادة تحالف الكتلة الديمقراطية في العام 1992. ولفت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تجديد العلاقة مع حزب الاستقلال، والعمل المشترك، والتداول الدائم مع قيادته، حاجة مجتمعية وسياسية ملحة، وأن المواقع التي يحتلها الحزبان حالياً، تسمح للأغلبية، كما المعارضة، تقديم مقترحات تتعلق بالقوانين الانتخابية". وقال إن "جميع مكونات الحياة السياسية مدعوة لإجراء نقاش حول القوانين الانتخابية، وعملياً لا نستثني أحدا، إلا أن حزب الاستقلال يظل الأقرب إلينا. ولعل من إيجابيات اللقاء مع قيادته اكتشافنا مرة أخرى أننا نكاد نفكر بنفس العقل السياسي، وأن هناك تقارباً كبيراً جداً بيننا". وأضاف "نتمنى أن يثمر هذا التنسيق ويذهب بعيداً في أفق الاستحقاقات المقبلة، لأنه بعد سنوات من خطاب 9 مارس/آذار 2011 (إعلان الملك محمد السادس عن مشروع دستور جديد)، حان الوقت لوقفة أخرى لمراجعة ما أنجز، خصوصاً أن المغرب بحاجة إلى نفس آخر، في إطار الاستمرارية لمستقبله".

ولئن كان "الاتحاد الاشتراكي" لا يخفي تفكيره بدرس صيغ لإعادة توحيد جهود "القوى الوطنية والديمقراطية" في وجه القوى المحافظة، فإن العديد من المتابعين للشأن السياسي المغربي يربطون بين تحركات "الاستقلال" وبين محاولة بعث الروح في تحالف "الكتلة الديمقراطية"، وذلك في سياق الاصطفافات التي تسبق النزال الانتخابي في 2021، ومحاولة بناء قطب يضم أحزاباً أخرى لقطع الطريق على الإسلاميين وإنهاء هيمنتهم على المشهد الحزبي.

فبعد 28 سنة من ولادتها لم تعد "الكتلة الديمقراطية" اللاعب الرئيسي في المشهد الحزبي بالمغرب، بعد أن اخترق الفاعل الإسلامي، ممثلاً في حزب العدالة والتنمية (البجيدي)، المشهد، وتمكن من سحب البساط من تحت أقدامها. وأدى انتصار "البجيدي" في الانتخابات التشريعية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 إلى تجميد تحالف الكتلة، رغم أن قادتها كانوا قد استبقوا الانتخابات بالتوقيع على "اتفاق جديد للمستقبل"، يبعث الروح في تحالفهم. بيد أن المشاركة في حكومة عبد الإله بنكيران فرقت بينهم، إذ أعلن "الاتحاد الاشتراكي" اصطفافه في المعارضة على خلاف الاستقلاليين والتقدميين الذين قرروا التحالف مع الإسلاميين. وتكرر الأمر ذاته في انتخابات 7 سبتمبر/أيلول 2016، حيث لم تلق الدعوات إلى التنسيق المشترك أي صدى داخل الأحزاب الوطنية، التي انتظمت سابقاً في إطار الكتلة الديمقراطية، مع منظمة العمل الديمقراطي الشعبي (تحوّلت إلى حزب آخر)، في ظل استمرار خلافاتها، وتعارض مواقفها من المشاركة في حكومة الإسلاميين الثانية.

وفيما كان فوز "العدالة والتنمية" قد أطلق رصاصة الرحمة على التحالفين الكبيرين اللذين كانا قائمين إلى حين تنظيم الانتخابات البرلمانية في 2011، وهما تحالف "ج 8" بزعامة "الأصالة والمعاصرة"، و"الكتلة الديمقراطية"، رأى الخبير الدستوري رشيد لزرق أن تحركات "الاستقلال" في اتجاه "الاتحاد" و"التقدم والاشتراكية" تهدف إلى إحياء تحالف "الكتلة الديمقراطية" ومحاولة بناء تحالف مع حزب "التجمع الوطني للأحرار" الطامح إلى قيادة الحكومة المقبلة، أو حزب "الأصالة والمعاصرة"، لقطع الطريق على الإسلاميين. وأشار إلى أن أحزاب "الكتلة" تسير باتجاه المطالبة بتعديل نمط الاقتراع من أجل تحقيق الثنائية القطبية، على اعتبار أن النظام النسبي حالياً لا يساعد على بروز قطبية واضحة، لافتاً، في تصريح، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "قيام القطبية يبقى مرهوناً بإصلاح سياسي مدخله نمط الاقتراع، وعرض سياسي يلبي الحاجة الاجتماعية، لا عمليات قيصرية فوقية".

ورأى الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد المنعم الكزان، أن تحركات حزب الاستقلال، في سياق محاولته إحياء الكتلة الديمقراطية مع الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، تهدف إلى قطع الطريق أمام حزب العدالة والتنمية، لافتاً، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن عدم التزام تلك الأحزاب، في السنوات الأخيرة، بتحالف الكتلة الديمقراطية، سواء في عهد حكومة عبد الإله بنكيران أو حكومة سعد الدين العثماني، كرس لدى الرأي العام قناعة بعدم جديتها في تشكيل ذلك التكتل، كما كرس اختلاف مواقعها، في الحكومة (الاتحاد الاشتراكي) والمعارضة (الاستقلال والتقدم والاشتراكية).

وفي الوقت الذي رأى فيه الكزان، رداً على سؤال حول إمكانية أن تنسج أحزاب الكتلة بمعية "الأحرار" أو "الأصالة والمعاصرة" تحالفاً ينهي سيطرة الإسلاميين على المشهد الحزبي،  قال إن "الأمر مفتوح على كل الاحتمالات، خصوصاً في ظل مشهد سياسي يتسم بالضبابية"، ذهبت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، إلى القول إنه يصعب الحديث عن تحالفات ثابتة، لكون ما يؤطر المواقف الآن هي الاستعدادات للاستحقاقات المقبلة، والتي بدأت تدفع باتجاه تغيير خريطة التحالفات. وأضافت "يمكن القول، من باب المغامرة الأكاديمية، أن هناك إرهاصات لثلاثة أقطاب سياسية، هي، العدالة والتنمية مع الأصالة والمعاصرة، والأحرار مع الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، والاستقلال والتقدم، والاتحاد الاشتراكي، الذي يحاول اللعب على تناقضات الأقطاب الثلاثة".

المساهمون