مجزرة إدلب: تركيا توسع قاعدة أهدافها

مجزرة إدلب: تركيا توسع قاعدة أهدافها

29 فبراير 2020
وزير الدفاع التركي متابعاً العمليات ضد النظام السوري(الأناضول)
+ الخط -


خطفت الضربة القاسية التي استهدفت الجيش التركي في إدلب السورية ليل الخميس، وأسفرت عن مقتل 33 جندياً تركياً وإصابة أكثر من ثلاثين آخرين، الأنظار أمس الجمعة، ليبدو الشمال الغربي من سورية على أعتاب مواجهة مفتوحة بين الروس والأتراك، قبل أن تتكثف المشاورات بين مسؤولي البلدين وتفضي إلى اتفاق على عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وذلك فيما أكدت أنقرة تمسكها بحقها في الرد الذي بدأته من وقوع الهجوم على جنودها، مع اعتبارها أن كل عنصر للنظام السوري هو هدف مشروع لها.

ووقع الهجوم مساء الخميس في ريف إدلب، وأدى إلى سقوط 33 قتيلاً من الجنود الأتراك، فضلاً عن 32 مصاباً. وبحسب مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، فإن طائرة حربية قصفت تجمّعاً للقوات التركية في قرية بليون بريف إدلب، ما أدى إلى مقتل وجرح عشرات الجنود. وأوضحت المصادر أن مدفعية النظام عاودت استهداف التجمّع بعد قصفه بالطائرات، ما أدى إلى انهيار المبنى الذي كانت تتمركز فيه القوات.

ورداً على الهجوم، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، أن الجيش التركي قصف أكثر من 200 موقع تابع للنظام عبر الطائرات المسيرة والمدفعية، وتم "تحييد" أكثر من 300 من عناصر النظام السوري، مشيراً إلى "أن الضربات أدّت إلى تدمير 5 مروحيات و23 دبابة و23 مدفعاً وأنظمة دفاعية وحيّدنا 309 عناصر للنظام". كذلك لفت إلى تدمير 10 مدرعات و5 شاحنات لنقل الذخيرة و3 مستودعات للذخيرة ومستودعين لمستلزمات عسكرية وأحد المقرات التابعة لقوات النظام. وأكد الوزير أن القصف في إطار الرد على هجوم النظام "ما زال مستمراً". وأعلن أنه عند وقوع الهجوم على الجنود الأتراك، "لم تكن هناك أي مجموعات مسلّحة حول وحداتنا العسكرية". وأضاف أن الضربات في إدلب تمّت "على الرغم من التنسيق مع المسؤولين الروس"، مشيراً إلى أن القصف تواصل على الرغم من "التحذير" من وجود قوات تركية في المكان، لافتاً إلى أن سيارات إسعاف تعرّضت كذلك للقصف.

وذكرت مصادر في المعارضة السورية أن الجيش التركي قصف إثر مقتل الجنود الأتراك العديد من المواقع العسكرية التابعة للنظام، من بينها مطارا النيرب وكويرس في ريف حلب الشرقي، بالصواريخ البالستية، إضافة إلى مطار حماة العسكري، ومطار أبو الظهور في ريف إدلب الشرقي، ومطار منغ في ريف حلب الشمالي. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن القصف التركي أدى إلى مقتل 20 عنصراً من قوات النظام في أرياف إدلب الشرقية والجنوبية والجنوبية-الشرقية وفي ريف حلب الشمالي الشرقي.

في المقابل، استهدفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة نقطة للقوات التركية في قرية معارة النعسان، شمال إدلب، ولم ترد معلومات عن وقوع خسائر. وكانت هذه القوات قد قصفت بقذائف المدفعية نقطة المراقبة التركية في مدينة بنش بريف إدلب الشمالي، وفق مصادر محلية، أضافت أن طائرة حربية روسية قصفت أمس بعدد من الصواريخ بلدة بليون في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين من عائلة واحدة.

من جهتها، حاولت وزارة الدفاع الروسية تبرير قصف الخميس، زاعمة أن الجنود الأتراك الذين استهدفهم القصف كانوا ضمن "وحدات مقاتلة من مجموعات إرهابية". وقالت الوزارة إن "عسكريين أتراكاً كانوا في عداد وحدات مقاتلة من مجموعات إرهابية تعرضت لنيران جنود سوريين" في محافظة إدلب. وأشارت إلى أن الجانب التركي لم يبلغ عن وجود قوات له في المنطقة المعنية وأنه "لم يكن يفترض أن توجد هناك". وتابعت الوزارة أنه فور تلقي معلومات عن إصابات في صفوف العسكريين الأتراك اتخذ الجانب الروسي كافة الإجراءات الضرورية لوقف إطلاق النار من قبل قوات النظام بشكل كامل، وتأمين إجلاء القتلى والجرحى الأتراك إلى أراضي بلادهم. وادعت الوزارة أن الطائرات الحربية الروسية لم تنفذ أي مهام في المنطقة التي تعرض فيها العسكريون الأتراك للقصف، مضيفة في بيان لها أن الحادث وقع أثناء محاولة "هيئة تحرير الشام" تنفيذ عملية هجومية على محاور كثيرة ضد مواقع لقوات النظام في منطقة إدلب لخفض التصعيد الخميس.

في المقابل، كان أردوغان يشدد على أن "دماء الجنود الأتراك لن تذهب سدى، وأن كل عنصر للنظام هو هدف مشروع لتركيا سيتم استهدافه"، معلناً أن "أنقرة تنتظر إجبار النظام على الامتثال لمذكرة سوتشي". جاء ذلك خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أمس، بحسب رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، الذي أعلن أن أردوغان أكد أن مثل هذه الهجمات لم تثنِ تركيا عن نهجها في إدلب، بل بالعكس زادت من عزيمتها، مشيراً إلى مسؤولية روسيا المتمثلة بإيقاف النظام بموجب المادة الثالثة من مذكرة سوتشي. وقرر الزعيمان عقد لقاء مباشر في أقرب وقت، وفق ألطون.
من جهته، أكد الكرملين أنه "عقب الاتصال الهاتفي بين الرئيسين، ندرس إمكانية عقد لقاء قمة في موسكو يوم 5 أو 6 مارس، أي الأسبوع المقبل". وكان الكرملين قد أعلن الخميس أن جدول بوتين لا يتضمن لقاء نظيره التركي في 5 مارس.
كذلك بحث أردوغان الوضع السوري في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب مساء أمس. وقال ألطون قبل الاتصال إن الرئيس التركي سيبلغ نظيره الأميركي بأن الدعم الشفهي في ما يتعلق بمنطقة إدلب لا يكفي وأن أنقرة تتوقع دعماً "فعلياً".


في غضون ذلك، عقد الوفدان التركي والروسي التقنيان اجتماعاً ثالثاً أمس في أنقرة، أكد خلاله الوفد التركي "ضرورة إعلان وقف إطلاق نار فوري ومستدام في محافظة إدلب، وانسحاب النظام إلى حدود اتفاق سوتشي".
وفي السياق، شدّد رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب على أن بلاده سترد بشدة على أي هجوم يستهدفها. وفي تصريح صحافي، قال شنطوب إن تركيا "ليست دولة تلتزم الصمت حيال هجوم يستهدفها مهما كانت الحسابات الدولية".

وكانت تركيا قد حضّت المجموعة الدولية على إقامة منطقة حظر جوي في شمال غرب سورية "لحماية المدنيين". وعقد حلف شمال الأطلسي اجتماعاً طارئاً بطلب من تركيا بموجب المادة 4 من الاتفاقية التي يمكن أن تلجأ إليها دولة عضو إذا اعتبرت أن "سلامة ووحدة أراضيها واستقلالها السياسي والأمني" باتت مهددة. وأعرب الحلف عن تضامنه مع أنقرة ودعمه لها، لكن من دون أن يقدّم تعهّدات بأي إجراءات جديدة ملموسة. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ إن الحلفاء وافقوا على المحافظة على الإجراءات القائمة حالياً لتعزيز قدرات تركيا الدفاعية الجوية. لكنه لم يلمّح إلى أي خطوات جديدة تتجاوز التعهّد بشكل عام بالبحث في ما يمكن القيام به أكثر من ذلك. ودعا "روسيا ونظام الأسد لوقف الهجمات، ووقف الهجمات الجوية العشوائية والانخراط في دعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حل دائم سياسي وسلمي للأزمة في سورية".
قبل ذلك، أعلنت أنقرة أنها لن توقف بعد الآن المهاجرين الراغبين في التوجه إلى أوروبا من تركيا. واتخذ قرار "فتح الأبواب" خلال اجتماع أمني طارئ ترأسه أردوغان ليل الخميس الجمعة.

في المقابل، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يؤكد أنه لا حلول وسطاً مع الإرهابيين في سورية، مشدداً على ضرورة تطبيق الاتفاقات المبرمة بشأن إدلب. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره من لوكسمبورغ جان أسيلبورن في العاصمة الروسية أمس، إن موسكو تبقى ملتزمة بما اتفق عليه رئيسا روسيا وتركيا بشأن إدلب، بما في ذلك فصل المعارضة عن الإرهابيين، وأن المشكلة تكمن في ترجمة الاتفاق حول إدلب على أرض الواقع. وفيما يتعلق بسقوط ضحايا بين الجنود الأتراك الخميس، أكد لافروف أن وزارة الدفاع الروسية لم تتلق معلومات من تركيا حول وجود عسكرييها في المنطقة المستهدفة. وأضاف أن تطبيق الاتفاقات بشأن إدلب كان يمكن أن يضمن عدم سقوط قتلى من الجيش التركي بسورية. وأكد أن الاتصالات بين روسيا وتركيا مستمرة على مختلف المستويات.

كذلك عقد مجلس الأمن الروسي أمس اجتماعاً طارئاً برئاسة بوتين، بحث الأوضاع في إدلب. وأفاد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن "هناك قلقاً بشأن تدهور الوضع في إدلب، نتيجة للأعمال الاستفزازية التي يقوم بها الإرهابيون الذين يشنون هجمات ضد الجيش السوري". ودعا الكرملين أنقرة إلى بذل كل ما في وسعها لحماية الرعايا الروس والمنشآت الدبلوماسية الروسية لديها. فيما أعلنت السلطات الروسية أنها سترسل سفينتين حربيتين مزوّدتين بصواريخ كروز (موجهة) إلى المياه قبالة الساحل السوري.

وحضر الملف السوري أيضاً في اتصال هاتفي بين رئيس هيئة الأركان الروسية فاليري غيراسيموف، ونظيره الأميركي مارك ميلي. وأعلن أمس أن مجلس الأمن الدولي سيعقد مساء جلسة طارئة لبحث الأوضاع المتوترة في إدلب. وقال رئيس المجلس، السفير البلجيكي مارك بيستين، للصحافيين، إن "التصعيد الأخير يدعو للقلق الشديد وقد طلب أعضاء بالمجلس عقد الجلسة، وهم الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة وجمهورية الدومينيكان". وأضاف: "نحن قلقون للغاية إزاء ما حدث ونطالب بضبط النفس ومنع التصعيد والوقف الفوري لإطلاق النار".