تشييع مخلوع وتنكيل بمنتخب

تشييع مخلوع وتنكيل بمنتخب

28 فبراير 2020
أقيمت جنازة عسكرية لمبارك (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
في المشهد المصري اختزال لحالة الاستبداد العربي، وركوب الدين هنا جزء من معادلة تجمع هؤلاء المستبدين. ففي موت الرئيس المصري المخلوع بثورة يناير، حسني مبارك، استُحضر الدين لإسكات الناس، وطَمس فعل إطاحته. فالمقارنة محظورة في الاستبداد العربي، وتُعدّ مخالفة لدين الحاكم، بين جنازة مبارك العسكرية، ودفن الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي وما تخلله من تطويق العسكر بلدته ليدفن سراً، بعد تنكيل مميت.
مبارك ليس مجرد "رئيس سابق"، كذلك لم يكن مرسي، ولا في نسخة واحدة من شاشات إعلامية تعيش على النفاق. ففيما تُفرض على المصريين حالة "حداد" على مبارك، راحت شاشات الانقلاب تتشفى بمرسي، وتدلق على الرؤوس كل مساوئ تاريخنا، مذ صار للعرب مقولة "إن لله جنوداً من عسل".

همروجة "الجنود" المنقلبين على أول رئيس منتخب، مهما اختلفنا يظل مؤرخاً أنه رئيس جاء بصناديق اقتراع عربية بعيداً عن نسبة 99.99 في المئة، هدفها تذكير الناس بأن "جنود العسل" لا يهمهم جعجعة الحقوق في الغرب، ومطالبات إيطاليا بمعلومات عن جوليو ريجيني وإطلاق باتريك جورج زكي، ولا أنين ثكالى ومكلومين على راحلين ومختفين في أقبية الاستبداد.

وإذا كان يستحيل مقاربة موت بموت، باعتبار البعض أن "الحرية لا تليق بالعرب"، كاستحضار وفاة رئيس النمسا الأسبق كورت فالدهايم، أو المستشار الألماني السابق هلموت كول، المنتخبين من شعبَيهما، فقد توفي منذ وقت قريب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والمخلوع زين العابدين بن علي، فلم نرَ هوس جَلد ثورة تونس، ولا السخرية باسم "المؤامرة" من دماء ودموع من ضحّوا لحرية بلادهم العربية وديمقراطيتها.

قد تكون تجربة حافظ الأسد، و"رأفته" حتى الموت برفاقه، والمختطفين، سوريين ولبنانيين وفلسطينيين، في زنازين المزة وتدمر وأقبية "فرع فلسطين"، الأقرب لعقول المستبدين. بل لو عاد الأمر لبعضهم، في تأليه ذاته، لاخترعوا لنا سلالة "كيم العربي"، لتعيش الشعوب هستيريا الوداع، وتركع تحت أقدام أصنامهم.

على الرغم من ذلك، هل يستطيع من يُجرّم ثورة يناير المصرية، والثورات العربية، أن يمحو رفض الناس للعبودية وتوقهم إلى الحرية؟ ذلك هو السؤال الأهم، المتفشي في سجون كبرى تُسمى أوطاناً، فيما لن تستطيع كل جنود "جرار العسل" سوى تأجيل الجواب عليه إلا لحين.