وسائل إعلام حفتر توظف خطاب باشاغا لإثارة الفوضى بطرابلس

وسائل إعلام موالية لحفتر توظف خطاب باشاغا لإثارة الفوضى في طرابلس

24 فبراير 2020
تحدث باشاغا عن اختراق مجموعات مسلحة لمؤسسات الدولة(حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -
لا يزال خطاب وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا يلقى أصداء واسعة ومتباينة، بعد الهجوم الذي شنّه على المجموعات المسلحة التي لا تتقيد بأوامر وزارته، واصفاً إياها بـ"المليشيات"، فيما تحاول جهات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر استثمار الخطاب في إحداث فوضى داخل طرابلس، لحدّ ادعائها أن وزارة الداخلية نشرت قواتها في مختلف أرجاء العاصمة، في "خطوة استباقية لإجهاض أي محاولة تمرد أو خروج مسلح".

وتحدث باشاغا، في خطاب ألقاه أمس الأحد، عن اختراق مجموعات مسلحة للمخابرات ومؤسسات الدولة، مؤكداً أنه يفرّق بين القوات المنضوية تحت شرعية حكومة الوفاق والتي تقاتل العدوان على طرابلس، وبين المليشيات التي "تمارس الإجرام والجريمة المنظمة". وقال: "عندما نتحدث عن مليشيات، فإننا لا نفرق بين المليشيات في كل ليبيا، شرقاً وغرباً، ونحن ضدها جميعها"، مشيراً إلى وجود "مليشيات قبلية ودينية بالمنطقة الشرقية اعتدت وقتلت النساء".

وعلى الرغم من أنه أصدر بياناً توضيحياً، رداً على محاولات وسائل إعلام تابعة لحفتر توجيه كلامه إلى سياقات أخرى، مؤكداً أن "القوة المساندة لحكومة الوفاق الوطني ولعملية "بركان الغضب" هي قوات شرعية تطوعت للدفاع عن العاصمة طرابلس"، وأنه يعني بالمليشيات "تلك التي تستغل حالة النفير والطوارئ لصدّ العدوان على طرابلس"، إلا أن وسائل إعلام تابعة لحفتر لم تتوقف عن توظيف الخطاب للتسويق لإمكانية حدوث مواجهات بين الوزير وقادة المجموعات المسلحة.

وقالت قناة 218 الممولة من الإمارات، في محاولة لتعميم خطاب الوزير، إن "باشاغا قد فجّر البراكين الخامدة بمؤتمره الذي تحدث فيه عن التشكيلات المسلحة في طرابلس، والتي وصفها بالمليشيات التي لا تتقيد بالقانون ولا تلتزم بالنظام والضوابط، إذ تغيرت نظرة ومستوى خطاب كثير من قياديي التشكيلات والمنتسبين إليها، الذين سارعوا إلى نبذ المؤتمر والتعرض إلى شخص باشاغا وصفته الاعتبارية"، بل زعمت أن وزارة الداخلية نشرت "دوريات أمنية من جهاز البحث الجنائي في طرابلس كخطوة استباقية من وزارة الداخلية".

وحتى على صعيد كبار قادة قوات حفتر، قال المتحدث الرسمي باسم القيادة، أحمد المسماري، إن "طرابلس تعيش فوضى كبيرة بعد خطاب باشاغا"، واصفاً الوزير بـ"المليشياوي الذي هندس عملية فجر ليبيا"، زاعماً أن باشاغا "يحاول التسويق لنفسه على حساب البعض للوصول إلى السلطة". وفي محاولة لإثارة الفوضى، طالب المسماري مقاتلي الحكومة بتسليم أنفسهم "لأنهم سيكونون ضحية لتبييض أوراق فتحي باشاغا أمام المجتمع الدولي".


وبشأن إشارة وزير الداخلية في خطابه إلى مسلحين، قال إنهم داهموا مكتب وزير المالية، "ووضعت رصاصة في يده" للضغط عليه للتوقيع على مستندات اعتمادات خاصة بهم، معتبراً أنهم مثال على من يصفهم بـ"المليشيات"، حاولت صحيفة "المرصد"، الموالية لحفتر، توجيه حديث الوزير إلى "لواء النواصي"، وهو من القوى البارزة في قوات الحكومة التي تقاتل قوات حفتر جنوبي طرابلس.

وقالت الصحيفة إن الوزير قدّم طلباً إلى مكتب النائب العام للقبض على قادة "لواء النواصي"، مدعية أنها اطلعت على نص طلب الوزير من دون أن تنشره.

وعلى الرغم من ثناء قطاع كبير من الليبيين على خطاب الوزير، واعتباره "خطاباً شجاعاً" يدلّ على عدم اعتماد الحكومة على قوات خارجة عن سيطرتها، لقي الخطاب من جانب آخر انتقادات كبيرة من قادة طرابلس. ففي تدوينة له، قال السياسي الليبي سامي الساعدي، موجهاً خطابه للوزير: "ليس عيباً أن يكون لديك مستشار سياسي وإعلامي ناجح وصاحب قضية، حتى لا تضع نفسك ومن معك في الورطات، وحتى لا تنزلق في سياسة التأرجح، لا تقتلوا أسودكم فتأكلكم كلاب أعدائكم".


ومن جانبه اعترض المبعوث الرئاسي لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، على توصيف الوزير للمجموعات المسلحة بـ"المليشيات"، مؤكداً في حديث لقناة "بي بي سي" البريطانية، ليل أمس الأحد، أن "كل القوى الموجودة في طرابلس وطنية وشرعية".

وتعليقاً على الجدل حول الخطاب، يصف الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، موقف الوزير بأنه "خطوة داعمة في الحوارات الجارية في جنيف، لا سيما الحوار العسكري"، مشيراً إلى أنه جاء لتوضيح شكل قوات الحكومة، وأبعاد الشبه التي يثيرها معسكر حفتر.

ويرفع حفتر شعار مكافحة المليشيات كأحد أسباب الهجوم العسكري على العاصمة طرابلس، معتبراً أنها تسيطر على قرارات الحكومة التي تسير وفق مزاجها.
ويرى الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ثقل الخطاب كان له وقع كبير على معسكر حفتر، ما حدا بالمتحدث باسم قيادة قواته ووسائل الإعلام إلى شن هذه الحملة لتشويه مضمونه، وتوجيهه إلى سياق آخر من شأنه أن يثير فوضى وربما صدامات.

وعن اعتراضات نشطاء وقادة في طرابلس على الخطاب، يقول القائد الميداني بقوات الحكومة علي بوزيد، إن "مفردات الخطاب ربما لم تكن مناسبة، وهو ما جعل الوزير يصدر بياناً توضيحياً أنهى كل الجدل".

وبشأن تأثيره على مستوى استعداد قوات الحكومة، ينفى بوزيد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن يكون له ذلك الأثر الذي تأمله وسائل إعلام حفتر، مشيراً إلى أن "باشاغا أوضح أنه يتحدث عن كل المليشيات في كل ليبيا"، سائلاً: "ماذا نسمي مليشيا الكاني التي تقاتل في صفوف حفتر في ترهونة، والمطلوبة لمكتب النائب العام على خلفية جرائم قتل ثابتة؟".


ومنذ أن تم توقيع اتفاق الصخيرات في المغرب، في ديسمبر/ كانون الأول 2015، كان أحد أهم بنوده يتعلق بالترتيبات الأمنية التي تهدف إلى إعادة دمج المجموعات المسلحة في المؤسسات العسكرية والشرطية، ونزع سلاحها، لكن اعتراضات وعراقيل واجهت تطبيق البند بعد إصرار مجلس النواب على تسمية مليشيات حفتر بـ"الجيش"، وإطلاق الوصف على خصومه، لا سيما من ينتمي لحكومة الوفاق.

ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أطلقت حكومة الوفاق حواراً أمنياً مع الولايات المتحدة الأميركية في واشنطن، يهدف إلى توحيد المؤسسات الأمنية في كل ليبيا، وإلى إدماج وزارة الداخلية للمجموعات المسلحة في المؤسسة الشرطية.

المساهمون