فشل مشروع "العفو الشامل": المعارضة الكويتية مشتتة

فشل مشروع "العفو الشامل": المعارضة الكويتية مشتتة

23 فبراير 2020
تنتظر المعارضة الانتخابات النيابية نهاية العام (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -


شكّل فشل المعارضة الكويتية في تمرير مشروع قانون "العفو الشامل" الذي تقدمت به مجموعة من النواب المعارضين داخل مجلس الأمة (البرلمان)، لإصدار عفو عن زعماء المعارضة الذين يعيشون في الخارج، ضربة قاصمة لمساعيها في العودة للحياة السياسية داخل البلاد وسط حالة من التشتت وغياب الرؤية، في ظل رفض قادة المعارضة البارزين تسليم أنفسهم للسلطات الكويتية وتقديم اعتذار للأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، مقابل إصدار عفو خاص عنهم يحرمهم من العودة للحياة السياسية. ويسعى قادة المعارضة الكويتية إلى الحصول على "عفو شامل" من أحكام السجن النهائية التي صدرت بحقهم، على خلفية دورهم في حادثة اقتحام مجلس الأمة عام 2011 أثناء الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد، بعد اتهام رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح بقضايا فساد. ويمكّن قانون العفو الشامل قادة المعارضة والمتورطين في قضية دخول المجلس، من العودة للحياة السياسية وانتخابهم للبرلمان من جديد والعودة لوظائفهم من دون تقديم اعتذار للقيادة السياسية.

واصطدمت مساعي المعارضة في تمرير مشروع قانون العفو برئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، الذي حشد أغلبية نيابية تمكنت من دمج عدة قوانين خاصة بالعفو في قانون واحد، ثم إسقاط القانون بالتصويت في جلسة شهدت اشتباكات بالأيدي بين النواب المؤيدين لقانون العفو والنواب المعترضين عليه، قبل تحوّل هذه الاشتباكات إلى الجمهور الذي كان موجوداً في قاعة البرلمان لدعم نواب المعارضة، ثم تدخل حرس مجلس الأمة بأوامر من الرئيس وطرد الحضور. واتهم الغانم زعماء المعارضة الذين يعيشون في الخارج، من دون أن يسميهم، بمحاولة "ضرب القانون والدستور والفوضوية والصوت العالي وترهيب الناس"، قائلاً إنه أفشل كل مخططاتهم، ثم سارع بعد يوم من إفشال القانون إلى لقاء أمير البلاد، الذي شكره على إدارة الجلسة والمحافظة على الدستور. 

بدوره، رأى النائب السابق في مجلس الأمة، أحد أبرز زعماء المعارضة المقيمين في إسطنبول على خلفية حكم السجن الصادر بحقه، فيصل المسلم، أن الغانم يواصل "نهجه الفرعوني" في إدارة البرلمان وأنه يسعى للحفاظ على كرسيه خوفاً من المعارضة. واعتبر مراقبون أن المعارضة الكويتية فقدت بفعل سقوط قانون "العفو الشامل" وإغلاق رئيس مجلس الأمة لهذا الملف نهائياً، بعد تصويت البرلمان على رفض آخر ورقة ممكنة لها للعودة إلى الحياة السياسية في الكويت والعودة لمجلس الأمة، المنبر السياسي الوحيد في البلاد.

لكن أحد قياديي المعارضة البارزين قال لـ"العربي الجديد"، إن "المعارضة ليست غبية إلى درجة تجعلها تُعلق الآمال على تمرير قانون للعفو الشامل في مجلس الأمة الذي يسيطر عليه الغانم بالطول والعرض، لكن فشلها يكمن في تعطيل الجلسة وإثارة الرأي العام من جديد حول قانون العفو وهو ما لم يتحقق". وأضاف القيادي أن "مستقبل المعارضة يبدو قاتماً ومشتتاً ولا رؤية سياسية لقياديي المعارضة البارزين لتقديم حل سياسي بالتوافق مع السلطة، فيما لا تعدو الاجتماعات التي تُعقد في إسطنبول عن كونها مكاناً مفضلاً لتبادل الاتهامات بين المعارضة".



وقرر قادة المعارضة المقيمون في إسطنبول، وعلى رأسهم النائب السابق مسلم البراك وفيصل المسلم وجمعان الحربش، الاجتماع ومحاولة بحث سبل الرد على فشلهم في حشد أصوات كافية لتمرير قانون "العفو الشامل". ورفض قادة المعارضة التصعيد ضد حكومة الكويت في الخارج، وعقد مؤتمرات صحافية على غرار ما تفعله المعارضة في العديد من الدول العربية، وذلك لإبقاء الباب مفتوحاً أمام عرض تفاوض مع الحكومة الكويتية، حسبما ذكر مصدر في المعارضة لـ"العربي الجديد". غير أن الحكومة الكويتية لا تبدو مضطرة للتحاور مع زعماء المعارضة الذين فقدوا كل أدواتهم السياسية وقوتهم في البرلمان، إضافة إلى تراجع الزخم الشعبي الداعم لهم طوال سنوات، فباتوا وحيدين في إسطنبول وسط حالة من الفوضى في الرؤية وعدم وجود خطط واضحة للتعامل مع التجاهل الحكومي لهم.

وبعثت القيادة السياسية في الكويت رسائل واضحة عبر عدد من الوسطاء لقادة المعارضة على مدى عامين مفادها أنها على استعداد لإصدار "عفو خاص" عن المتهمين، ما يعني حرمانهم من ممارسة الحياة السياسية والبرلمانية للأبد وفق القانون الكويتي، مقابل عودتهم للبلاد وتمضيتهم أياماً في السجن والاعتذار لأمير البلاد عما قاموا به من احتجاجات خلال السنوات الماضية. لكن قادة المعارضة رفضوا الاستجابة لشروط "العفو الخاص" بسبب عدم تمكينهم من العودة للحياة السياسية التي يطمحون إلى تأدية أدوار جديدة فيها مستقبلاً، وبسبب صيغة الاعتذار التي وُصفت بـ"المهينة"، وفقاً لما ذكره النائب السابق، القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، مبارك الدويلة.

في المقابل، عاد النائبان السابقان وليد الطبطبائي وفهد الخنة من إسطنبول وسلّما نفسيهما لسلطات المطار، متقدمين باعتذار لأمير البلاد، ثم أمضيا أياماً عدة في السجن المركزي، قبل صدور عفو أميري عنهما وإعادة تعيينهما في مناصبهما كأساتذة في جامعة الكويت في مقابل عدم عودتهما للحياة السياسية مرة أخرى. ولم يبقَ أمام المعارضة التي تعيش في الخارج، في ظل عدم رغبتها في التصعيد أو الاعتذار، سوى انتظار الانتخابات البرلمانية المقبلة، المقررة أواخر هذا العام، على أمل أن يحظى أنصارها بمقاعد كافية تمكنهم من الضغط على الحكومة والتفاوض بشكل أفضل حول قانون العفو الشامل.

وكانت المعارضة الكويتية قد فقدت جزءاً كبيراً من شعبيتها ونفوذها عقب مقاطعتها للانتخابات البرلمانية بين عامَي 2012 و2016، رداً على تغيير الحكومة لقانون الانتخابات وتحويلها إلى انتخاباتٍ ذات صوت واحد، وهو ما أدى لتمكين النواب المستقلين الموالين للحكومة والمنتمين للقبائل الصغيرة من السيطرة على البرلمان عام 2013. وعلى الرغم من عودة المعارضة في انتخابات عام 2016 البرلمانية وحصولها على أكثر من 15 مقعداً، إلا أن الانقسامات السياسية وتباين الرؤى بين النواب، وعدم وجود الزعامات الكبيرة لها بفعل أحكام السجن النهائية الصادرة بحقهم على خلفية اقتحام مجلس الأمة، أدت إلى انعدام التنسيق وغياب التخطيط، وهو ما أدى لفقدانها قوتها وأدوات ضغطها.

المساهمون