عام على حراك فبراير الجزائري: رهانات ومقاربات خاسرة للسلطة

عام على حراك فبراير الجزائري: رهانات ومقاربات خاسرة للسلطة

الجزائر
60244E7B-773C-460F-B426-426EBC60D89E
عثمان لحياني
صحافي جزائري. مراسل العربي الجديد في الجزائر.
22 فبراير 2020
+ الخط -
لم يكن الوضع هادئاً في الجزائر بين نهاية عام 2018 ومطلع عام 2019، وكان واضحاً أن مشروع الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة سيكون من الصعب تمريره. فقبل ذلك كانت بعض الحركات الاحتجاجية المعزولة قد بدأت تكسر جدار الخوف، وتتسع شيئاً فشيئاً قبل أن تتحول إلى حالة احتجاج وطني عارم بدءاً من 22 فبراير/شباط الماضي تطيح ببوتفليقة وفريقه الرئاسي، من دون أن تحقق كامل مطالب الحراك جراء التباعد المستمر حتى اليوم بين المحتجين والسلطة، التي فشلت في إنهاء القطيعة مع الشارع.

وبعد سنة من الحراك الشعبي، بدا أن السلطة تعاملت مع هذا الحراك في مستويين، أولاً كحالة مطلبية مشروعة تمت الاستجابة لجزء من مطالبها وإحداث تغييرات سياسية، لكن هذه التغييرات لم ترق لمطالب الحراك المركزية، وثانياً كحالة أمنية تستدعي الإبقاء على مجمل عوامل الحذر ومحاولة تجفيف المنابع السياسية والمناطقية للحراك. لكن السلطة ظلت حريصة على صناعة ذاتية لحل الأزمة السياسية عبر القنوات الدستورية، ما أبقى الحراك ومكوناته حتى الآن خارج دائرة صناعة الحل السياسي.

وفيما كانت مؤشرات كثيرة تظهر قبل عام أن السلطة لم تكن تملك الوقت والإمكانات السياسية لتمرير مشروع الولاية الرئاسية الخامسة، لم تضع الأجهزة إلى جانب الفريق المحيط بالرئيس في حساباتها احتمال حدوث ثورة شعبية كتلك التي اندلعت في 22 فبراير 2019. وأشارت التقديرات الرسمية والتقارير الأمنية حينها إلى أن ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة قد يثير احتجاجات ظرفية يمكن التحكم فيها، على غرار ما حدث عند ترشحه لولاية رابعة عام 2014 على الرغم من مرضه. وأظهرت سجلات الاعترافات التي أدلى بها أعضاء من الفريق الرئاسي والكارتل المالي خلال عمليات الاستجواب في المحكمة العسكرية والمحكمة الجنائية، أن السلطة راهنت على توفير أكبر قدر من الأموال لضخّها في الحملة الانتخابية وتوزيع ريع مالي على أوسع نطاق وعلى كافة الأحزاب والمنظمات والجمعيات والفاعلين المحليين والمرجعيات الدينية التقليدية (الزوايا) للسيطرة على الشارع، لكن ذلك لم يكن كافياً مع هيجان غير مسبوق للشارع.

لم تسعف مواقف قيادة الجيش المرتبكة بوتفليقة في التحكم في الوضع، أو في الإبقاء على مشروع ولايته الخامسة، فتصريحات قائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح، بعد أربعة أيام من اندلاع التظاهرات، في خطابه الشهير في بشار جنوبي الجزائر الذي وصف فيه تظاهرات الحراك بـ"النداءات المجهولة"، والمتظاهرين بـ"المغرر بهم"، زادت من حالة الصدام السياسي بين السلطة والحراك. وجدد قائد الجيش محاولة إرهاب الشارع بالمخاطر الأمنية ودعا الجزائريين في خطابه الثاني في شرشال قرب العاصمة الجزائرية، بالذهاب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 إبريل/نيسان الماضي، لكن مسيرات مطلع شهر مارس/آذار الماضي المهولة، مع خروج ملايين المتظاهرين في شوارع البلاد (تحدثت تقديرات أمنية سرّبت لكنها لم تنشر في مارس/آذار الماضي عن وجود 28 مليون متظاهر)، دفعت بوتفليقة إلى الإقرار بواقع الرفض الشعبي وإعلانه في 11 مارس إلغاء الانتخابات الرئاسية وحل حكومة أحمد أويحيى.

مع هذا التطور، بدأت السلطة تبحث عن تكتيك سياسي لحلّ الأزمة ووضع البلاد على مسار يجنّبها الفوضى. وسعت السلطة إلى الاستنجاد في شهر مارس الماضي بالمبعوث الأممي والدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، لعرض مقترح إقامة ندوة وطنية للحوار، تشارك فيها كل القوى، لكن الحراك الشعبي أبدى اعتراضاً شديداً، ما دفع الإبراهيمي إلى المغادرة، قبل إعلان بوتفليقة استقالته، لتبدأ البلاد مرحلة باتت فيها معالجة الأزمة بين يدي الجيش.



خلا المناخ السياسي لقائد الجيش قايد صالح، الذي وفر ما وصفه بـ"تأمين الحراك ومرافقته"، وحرص على منع أي صدام دموي خلال التظاهرات، واسترضاء الشارع بسلسلة اعتقالات طاولت عدداً كبيراً من رموز نظام بوتفليقة، منهم رئيسا الحكومة السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ورجالات الكارتل المالي، الذين كان الحراك الشعبي يطالب بمحاسبتهم، في مقابل فرض حل دستوري للأزمة بعد تعيين عبد القادر بن صالح رئيساً للدولة وإجراء انتخابات رئاسية ثانية في الرابع من يوليو/تموز المقبل. لكن الرفض الشعبي ساهم في إلغائها بعد انسحاب المرشحين، ما دفع الجيش إلى تشجيع بن صالح لاحقاً على اقتراح آلية حوار وطني وتشكيل هيئة حوار برئاسة كريم يونس. قادت الهيئة جولات حوار لم تشارك فيها أبرز القوى السياسية واعترض عليها الحراك الشعبي، لكنها نجحت في رسم ممر إلى إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات أشرفت على إجراء انتخابات رئاسية جديدة تمّت في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي. خلال هذه الفترة راهنت السلطة أيضاً على تفكيك الحراك الشعبي والفصل بين مكوناته عبر خطاب سياسي، يستدعي عناصر الهوية الوطنية ويضعها في قلب صراع سياسي، لكن الحراك نجح في تجاوز هذا الموقف.

في السياق، أبدى الأستاذ في كلية العلوم السياسية توفيق بوقاعدة، اعتقاده أن السلطة تعاملت مع الحراك الشعبي على أساس أنه مشكلة وجب التخلص منها، وليس تعبيراً شعبياً عن مطالب تقرّ هي ذاتها في كل مرة بشرعيتها. وأكد بوقاعدة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "السلطة راهنت كثيراً على عامل الوقت لاستنزاف الحراك وتفكيك مكوناته، لكن الواقع يؤكد أن مقاربتها فشلت مع الوقت، ولا يزال الحراك مستمراً، وأكثر من ذلك فإن زخم الحراك ازداد في الأسابيع الأخيرة، مع تسجيل عودة الكثير ممن خاب ظنهم في عمل السلطة وعدم استجابتها للوعود التي كانت قد قطعتها إلى التظاهرات". وأضاف بوقاعدة أن "كل محاولات السلطة للالتفاف على الحراك باءت بالفشل، وظهرت السلطة بأشخاصها الحاليين أكثر ضعفاً وفقدت الدولة في عهدهم منطقها، بل استبدلوها بلغة شعبوية وممارسات بالية، أكدت فرضية تحول السلطة إلى خطر علي الدولة الجزائرية، ورحيلها أمر حتمي لإعادة هيبة الدولة ونجاعة إدارة الشأن العام".

وبدا أن المعالجات السياسية التي ترافقت مع إغلاق كامل وهيمنة لافتة للسلطة على وسائل الإعلام ومنعها تدريجياً من تغطية تظاهرات الحراك الشعبي، لم تشمل أياً من مطالب الحراك بشأن إقرار مسار انتقالي وتشكيل هيئة رئاسية مؤقتة وحل حكومة نور الدين بدوي. فقد كان الجيش رافضاً لهذه المطالب بصورة مشددة، متمسكاً بالحل الدستوري. وزادت هذه المواقف من تباعد المواقف والمسافة بين الحراك وقائد الجيش والمؤسسة العسكرية بدءاً من شهر يوليو/تموز الماضي، ما فتح الباب أمام إطلاق السلطة لسلسلة تدابير أمنية تخص إغلاق بعض الشوارع والساحات، كالبريد المركزي ومنع وصول المتظاهرين إلى العاصمة من الولايات أيام الجمعة وتزايدت الاعتقالات. كما بدأت خطابات قائد الجيش تأخذ منحى متشنجاً ضد ما اعتبره "مجموعات سياسية مناطقية"، في إشارة إلى المكون الأمازيغي، وقرر لاحقاً منع رفع الراية الأمازيغية. وهي تدابير ظلت قائمة حتى الآن، على الرغم من أن حالة التضييق الأمني لم تثنِ الحراكيين عن مواصلة التظاهر لتحقيق الهدف المركزي للشعب وهو التغيير الجذري ورحيل النظام.

ووصف الباحث في الشؤون السياسية لحسن حرمة، في حديث مع "العربي الجديد"، تطور مواقف السلطة من الحراك بأنه نابع من طابع شمولي "فجميع المنظومات الشمولية تنظر لحلحلة القضايا السياسية نظرة أمنية، وتصرّف السلطة السياسية طبيعي مثل منطق كل الأنظمة الشمولية في العالم الثالث، أي تأمين الحلول الترقيعية المؤقتة أو التأجيل أو التعنيف، لغياب رؤية حقيقية أصلاً". ووفقاً لحرمة فإنه "في مقارنة بين الحراك والسلطة، نحن أمام حراك تختلف مطالبه زمنياً ويواجه سلطة تبدو منسجمة رغم هشاشتها، خصوصاً أنها لم تنجح في القضاء على الحراك رغم أنه تمّت الاستجابة لبعض المطالب على مستوى الخطاب الترويجي الإعلامي".




ذات صلة

الصورة

سياسة

أكدت فرنسا، يوم الجمعة، وفاة فرنسي و"احتجاز آخر في الجزائر، في حادث يشمل عدداً من مواطنينا"، بعدما أفادت تقارير صحافية مغربية، أمس الخميس، عن مقتل سائحين يحملان الجنسيتين المغربية والفرنسية بنيران خفر السواحل الجزائري.
الصورة
كيف غيّر القائمون على فيلم "باربي" قواعد التسويق بتكلفة 150 مليون؟

منوعات

قرّرت وزارة الثقافة الجزائرية سحب ترخيص عرض فيلم "باربي" من صالات السينما في البلاد، بحسب ما ذكرته صحيفة الشروق الجزائرية. 
الصورة
عشرات الحرائق المستعرة في شرق الجزائر (فضيل عبد الرحيم/ الأناضول)

مجتمع

تتحدث السلطات الجزائرية عن طابع جنائي لعشرات الحرائق المستعرة، في حين يتواصل النقاش حول غياب خطط استباقية للوقاية، وقدرات السيطرة المبكرة على الحرائق، خاصة أنها تتكرر منذ عام 2018.
الصورة
استشهد عسكريون خلال مهمات إخماد حرائق الجزائر (العربي الجديد)

مجتمع

أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية أنّ 34 شخصاً لقيوا مصرعهم في حرائق ضخمة نشبت في غابات بمناطق متفرقة شرقي الجزائر، من بينهم 10 عسكريين، فيما أُجليت مئات العائلات من مجمعات سكنية وصلت إليها النيران.

المساهمون