يحلمون بوطن.. تحلمون بحزب

يحلمون بوطن.. تحلمون بحزب

03 فبراير 2020
التونسيون يرفضون التقوقع في صراعات السياسة(الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

يحتاج المواطن التونسي في متابعة شؤون البلاد إلى جهد كبير وتفرّغ لفهم التصريحات والمواقف المتضاربة والمتناقضة من كل الجهات وداخل كل حزب، وبمجرد أن تضع صورة للمشهد وترتب عناصرها حتى ينهار البناء كله في لمح البصر ويعاد ترتيب التحالفات من جديد، وليس من السهل في تونس أن تبحث عن عائلات سياسية متقاربة فكرياً بل قد تجدها متنافرة ومتباعدة ومتصارعة في أغلب الأحيان، وقد يتطلب الأمر معرفة بالكواليس أسبوعياً أو يومياً لتعرف من يقف مع من ومن يصارع من وإلى أين ستؤول الأحداث.

والمتابع لسير التحركات الحزبية في تونس يلاحظ بسهولة كيف تتضارب المواقف داخل العائلة الإسلامية ومكوناتها المختلفة، وكذلك داخل العائلة اليسارية، خصوصاً داخل "العائلة الوسطية الحداثية" التي تتكثف فيها الأحزاب والمكونات السياسية، وتتعقد فيها الصراعات والطموحات الشخصية، والتي وصلت إلى حدّ الصراع داخل كل عائلة على أساس مقولة "أنا ومن بعدي الطوفان". وهو ما أثبتته الانتخابات الأخيرة ثم مسارات تشكيل الحكومة بعدها، والمستمرة منذ أشهر.

وقد يبدو هذا أمراً مفهوماً بالنظر إلى عمر الحرية السياسية في البلاد وما يحتاجه الحراك الفكري السياسي من وقت، لتستقر المفاهيم والمعايير وتتحدد خلاله البوصلة التي تبرز في نهاية الصراع عنواناً رئيسياً لكل عائلة سياسية، غير أن هذا الأمر سيحتاج إلى وقت أطول وكلفة مرتفعة لهذه الصراعات، لن يدفعها إلا الناس الذين خرجوا ثائرين وحالمين بوطن يريدون تشكيله بطريقة مختلفة عما تريده الأحزاب، ويرون أن هناك ممكناً ومتاحاً في البلاد ليُنجز ويتحقق. لهذا بدأت المسافة بين الناس والسياسيين في الاتساع، والهوّة تكبر، لأن هناك أحلاماً متناقضة ورؤى مختلفة، بين من يريد أن يبني وطناً ومن يريد أن يشيد حزباً وقصراً ليحكم، ولن تستطيع أن تقنع التونسيين بأن جوهر الخلافات الحزبية لا يعود إلى أسباب وطموحات شخصية وعائلية، بعدما تبيّن العكس، لذلك يتواصل سعيهم في البحث عن حزب مختلف أو شخص مختلف، يشبههم، ينطق بأحلامهم ويعبر عنهم، وهو ما فعلوه في الانتخابات الأخيرة وسيكررونه في الانتخابات المقبلة، وعلى الأحزاب تلقّف الرسالة، لأن الناس يحلمون بوطن لا بحزب.

المساهمون