الهيئات القضائية تستسلم: المرشحون للنيابة العامة يلتحقون بأكاديمية السيسي

الهيئات القضائية تستسلم: المرشحون للنيابة العامة يلتحقون بأكاديمية السيسي

20 فبراير 2020
اعترض قضاة على التوجه الجديد (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

رفع مجلس القضاء الأعلى في مصر راية الاستسلام لضغوط النظام، بعد عامٍ تقريباً من محاولة التملص والالتفاف على الاتفاق القاضي بإلحاق المرشحين الناجحين في المقابلات الشخصية من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون دفعة 2016 تمهيداً للعمل بالنيابة العامة، بالأكاديمية الوطنية للتدريب. وجاء إتمام الاتفاق تحت ضغط الحاجة الماسة لإلحاق أعضاء جدد بالنيابة العامة، وعدم اتضاح خريطة زمنية لإصدار قانون المجلس الجامع للهيئات القضائية. وسيختص هذا القانون، وفقاً للتعديلات الدستورية الأخيرة، بوضع قواعد تعيين موحدة في جميع الهيئات تحت إشراف الرئاسة ووزارة العدل.

وكشفت مصادر قضائية رفيعة المستوى، أن مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار مصطفى شفيق، أبلغ المرشحين الناجحين في المقابلات التي عقدت على مدار شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني الماضيين، والمجازين أمنياً، بالالتحاق بالدورة المقبلة من الدراسة في الأكاديمية، والتي ستبدأ منتصف مارس/ آذار المقبل.

وكان مجلس القضاء الأعلى قد طلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، العام الماضي، عبر مخاطباتٍ رسمية، أن يعفي وكلاء النيابة من الالتحاق بالأكاديمية، مقابل إضافة بعض المواد والمناهج الخاصة بحروب الجيل الخامس والعلاقات الدبلوماسية واستراتيجية السياسة المصرية، وغيرها من المواضيع التي تركز عليها الدراسة في الأكاديمية، إلى ما يدرسه القضاة الشباب فور التحاقهم بالعمل القضائي في معهد الدراسات القضائية التابع لوزارة العدل. وجاء الطلب عملاً بوجود سوابق، بعد العام 2013، بتدريس مواد ذات طبيعة أمنية واستراتيجية في هذا المعهد.

ورفض السيسي هذا المقترح تماماً، لأنه يقضي على الهدف الرئيس من التحاق المرشحين بالأكاديمية، وهو اختبارهم عملياً والتعرف على توجهاتهم الفكرية والسياسية عن قرب، لاستبعاد ذوي التفكير النقدي والآراء المعارضة لتوجهات السلطة، حتى وإن كان أصحابها مؤيدين للنظام بمعناه الواسع. ومن الأهداف أيضاً، صقل هؤلاء المرشحين بمهارات وأفكار يرى السيسي ضرورة تمتع جميع العاملين بالدولة بها.

وكان أحد أسباب الاعتراض الرسمي على أن يكون القرار النهائي في القبول أو الرفض لإدارة الأكاديمية، هو خشية أن تصدر القائمة النهائية للتعيينات خالية من عشرات الأسماء التي كان قد تمّ اختيارها بمعيار الكفاءة والتفوق الدراسي، نظراً لورود تحريات جديدة زعمت انتماء بعض أقاربهم من الدرجة الثالثة أو الرابعة لجماعة الإخوان المسلمين، كما حدث في دفعة النيابة العامة الأخيرة، أو بسبب ملاحظات على أدائهم خلال الدراسة بالأكاديمية.


وبذلك تكون جميع الهيئات القضائية في مصر قد رضخت لتعليمات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ووزارة العدل، بإلحاق المرشحين الناجحين في المقابلات الشخصية تمهيداً للالتحاق بالعمل بها، للدراسة في الأكاديمية الوطنية للتدريب. ويأتي ذلك بعد أشهر عدة تقريباً من مخاطبة وزير العدل السابق حسام عبد الرحيم لجميع الهيئات القضائية للإسراع في موافاتها بأسماء الناجحين في المقابلات الشخصية، للالتحاق حديثاً بالعمل القضائي من بين خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون، وذلك حتى يتم توزيعهم على دفعات، لتلقي دروس ومحاضرات في الأكاديمية، حيث كان مجلس الدولة والنيابة الإدارية قد رضخا للضغوط منذ شهرين تقريباً. واستثنيت من ذلك هيئة قضايا الدولة التي كانت قد ألحقت بالفعل مرشحيها للدراسة بالأكاديمية.

وجاءت هذه المخاطبة تأكيداً على تمسك السلطة الحاكمة بضرورة استخدام هذه الأكاديمية كأداة ترشيح أخيرة ونهائية لاختيار القضاة، شأنهم في ذلك شأن المتقدمين للعمل الدبلوماسي والوظائف الحكومية الأخرى.

وأضافت المصادر القضائية أن أعضاء مجلس القضاء الأعلى تلقوا تأكيدات بأنه "من المستحيل التصديق على تعيين معاونين جدد بالنيابة العامة دون إخضاعهم للدورات التدريبية"، ما يعني تقليص سلطة إدارة مجلس القضاء الأعلى في الاختيار. أما الآلية التي فرضت على المجلس فهي أن يتم إبلاغ أسماء المقبولين الذين اجتازوا الاختبارات والمقابلات الشخصية، ثم يتم ترشيحهم من قبل الجهات الأمنية والسيادية والرقابية، ثم يتم إلحاق المرشحين المجازين أمنياً بالأكاديمية، وفي النهاية لا يتم تعيين إلا من اجتازوا هذه الدورة.

ووفقاً للمصادر، فإن مدة الدورة الواحدة أربعة أشهر ونصف تجرى بعدها الاختبارات النهائية في أربعة أيام، ومدة الدراسة يومياً ثماني ساعات. وتدرّس المواد في صورة "كورسات تدريبية متلاحقة" في مجالات الإدارة والأمن القومي وحروب الجيلين الرابع والخامس ومواجهة الشائعات والتطرف وتنظيم الدولة والنظم السياسية، وتم تخصيص مجموعة محاضرات استثنائية في المجال القانوني للمرشحين للهيئات القضائية.

وسبق أن قالت مصادر أخرى في وزارة العدل لـ"العربي الجديد" إن العديد من المرشحين الذين خضعوا لهذه الدورة للتعيين في وظائف رسمية وحتى في هيئة قضايا الدولة، قد استبعدوا في النهاية بسبب آرائهم وتوجهاتهم الشخصية التي ظهرت في أدائهم خلال الدورة. وهو ما يؤكد أنها ليست مجرد محاضرات علمية، بل وسيلة للتصفية عن قرب بإخضاع المرشح لظروف دراسية ونقاشية مختلفة.

وسبق أن تمّ توجيه كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى جميع الوزارات، بسرعة التواصل مع الأكاديمية لحجز مواعيد لإلحاق الموظفين الجدد والشباب بها، لتلقي دورات دراسية مكثفة.

وكان "العربي الجديد" قد انفرد، في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2018، بنشر معلومات عن تنظيم دورات تدريبية للخريجين الجدد، المختارين للالتحاق بهيئة قضايا الدولة، في الأكاديمية الوطنية التي أنشأها السيسي لتفريخ جيلٍ جديد من العناصر الإدارية الموالية له، تمهيداً للدفع بها في الجهاز الإداري للدولة والأجهزة السيادية والرقابية. وعندما عُرضت المسألة على مجلسي الدولة والقضاء الأعلى، اعترض عدد من كبار القضاة عليها، مبدين تخوّفهم من الآثار السلبية لما قد يُخلفه هذا الاتجاه الجديد. وتكمن الخشية ليس فقط على المحصلة القانونية للقضاة الجدد، ومدى قدرتهم على استيعاب القضايا المعروضة أمامهم وإدراك مفاهيم العدالة، بل أيضاً على علاقتهم بزملائهم الأقدم والأكثر خبرة، وانضمامهم إلى الحقل القضائي محملين بأفكار وانتماءات تتناقض مع السمات المفترض تمتع القضاة بها، كالحياد والنزاهة والابتعاد عن السلطة التنفيذية.

ووافق السيسي، بعد إلحاحٍ ووساطات، على تعيين دفعة استثنائية واحدة للنيابة العامة، في فبراير/ شباط 2019 من دفعة 2015، من دون المرور على الأكاديمية، نظراً للنقص الحاد في عدد وكلاء النيابة.

ويدرس المرشحون في الأكاديمية نصف المواد ذات الطبيعة القانونية التي يدرسها قضاة سابقون وحاليون، والنصف الآخر منها ذات طابع أمني وعسكري وسياسي ودبلوماسي، حيث يلقنون محاضرات عن حروب المعلومات والأمن الاستراتيجي، شبيهة بالمواد التي يدرسها طلاب أكاديمية ناصر العسكرية.




 

المساهمون