حكومة الفخفاخ بتونس: أزمة دستورية في الأفق

سيناريوهات ما بعد حكومة الفخفاخ بتونس: أزمة دستورية في الأفق

17 فبراير 2020
مراقبون: سعيد قد يذهب نحو قراءة ضيقة للنص الدستوري(الأناضول)
+ الخط -

يقف المشهد السياسي التونسي على مشارف أزمة دستورية، إثر تعثّر إلياس الفخفاخ، المكلف بتشكيل الحكومة، في تجميع حزام سياسي قوي حولها.

وأمام تأويلات متعددة للنص الدستوري، الذي ينظم المرحلة المقبلة، في حال أخفقت الحكومة المقترحة في الحصول على ثقة أغلبية الـ109 من الأصوات في البرلمان، تعددت القراءات والسيناريوهات، فاتحة الباب للمساومات وصفقات اللحظات الأخيرة قبل انقضاء الآجال الدستورية. 

وبدا موقف الرئيس التونسي قيس سعيد وتأويله للنص جلياً، خلال لقائه بقيادات المنظمات المهنية، السبت، موضحاً أن "تونس فوق كل الصفقات التي يتم إبرامها في الظلام أو تحت الأضواء، وأن المناورات تحت عباءة الدستور لن تمر، وعلى الجميع أن يكونوا في مستوى المرحلة واللحظة التاريخية".

وعدّ مراقبون تعليق سعيد، الذي جاء مباشرة إثر تأجيل الإعلان عن تشكيلة الحكومة، بكون الرئيس التونسي قد يذهب نحو قراءة ضيقة للنص الدستوري. 

وينظم الفصل التاسع والثمانون من الدستور الفرضيات الممكنة لتشكيل حكومة إثر الانتخابات وصولا إلى حلّ البرلمان. وينص الدستور على أنه في أجل أسبوع من صدور النتائج النهائية للانتخابات التشريعية يتعيّن على الحزب الأول في الانتخابات تكليف شخصية لتشكيل الحكومة وعرضها على البرلمان من أجل منحها الثقة في أجل أقصاه شهران، وفي حال لم تحصل على الثقة يكلف رئيس الجمهورية "الشخصية الأقدر" على تكوين حكومة تنال ثقة البرلمان في أجل أقصاه شهر. 

وإذا أخفقت حكومة الشخصية الأقدر المقترحة في الحصول على ثقة المجلس التشريعي، ومرت أربعة أشهر على التكليف الأول، لرئيس الجمهورية الحق في حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة. 

وتجاوزت تونس، وفق النص الدستوري، مرحلة التكليف الأول، ولم يعد يفصلها عن انتهاء مرحلة التكليف الثاني إلا ثلاثة أيام (تنتهي يوم 20 فبراير/شباط)، فإما أن تحصل حكومة الفخفاخ على ثقة أغلبية النواب أو تسقط كسابقتها التي شكلها مرشح النهضة الحبيب الجملي. 

ولم يرد النص واضحاً فيما يتعلق بالسلطات الممنوحة للرئيس التونسي خلال فترة الشهر الإضافي (من 20 فبراير إلى 15 مارس/آذار) قبل أن يقرر حلّ البرلمان، لتفتح الأبواب على مصراعيها للتأويلات، وفق قراءة النائب المؤسس وأستاذ القانون رابح الخرايفي، في حديث لـ"العربي الجديد".

وأكد أن "الدستور لا يتحدث عن تكليف ثالث، وهو ما يعني أنه لا يمكن أن تكلف شخصية أخرى لتشكيل الحكومة، على أنه يمكن للنواب سحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد القائمة بتصريف الأعمال الآن، وتكوين حكومة البرلمان، وهو مفهوم جديد يفيد بأن الحكومة تنبثق من البرلمان الذي يتدخل في السلطة التنفيذية ويشكلها". 

وأوضح المتحدث ذاته أنه "ليس من الواجب على رئيس الجمهورية أن يحل البرلمان بانقضاء أجل الأربعة أشهر، إذ تتيح له ضبابية النص وصيغته غير الإلزامية أن يبقي على حكومة الشاهد لتتحول إلى حكومة بصلاحيات أصلية لا حكومة تصريف أعمال، وتواصل عملها إلى غاية انتهاء هذه العهدة وإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها". 

من جانبها، اعتبرت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، المنتمية لذات المدرسة القانونية للرئيس قيس سعيد، أن الأطروحة القائلة بإمكانية تكفل كتل نيابية بتقديم مرشح جديد لتشكيل الحكومة خلال الشهر المتبقي "فاقدة للأساس الدستوري". 

وأضافت القليبي، في تصريحات إعلامية، أن "الكتل المتبقية ليس لها تكليف دستوري صريح لتقديم مرشح، علاوة على أن حجمها وتناحرها لا يخول لها التكتل من أجل تقديم هذا المرشح". 

ونبهت أستاذة القانون الدستوري، في السياق ذاته، إلى أن الدخول في هذا السيناريو "سابقة خطيرة، وتشكيل لحكومة من دون سند دستوري". 

في المقابل، قدمت حركة "النهضة"، من خلال مواقف قياداتها، قراءة مغايرة تماماً، إذ تعتبر أن "هناك مخرجا من الأزمة الدستورية عبر الفصل السابع والتسعين منه"، وأنه "إذا أخفقت حكومة الفخفاخ في نيل الثقة، يمكن للنواب سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال التي يقودها يوسف الشاهد، وتكوين حكومة جديدة من رحم توافق نيابي أغلبي".

وتبنت قيادات "النهضة"، وفي مقدمتها رئيس كتلتها النيابية نور الدين البحيري، هذا الرأي، فيما اكتفى رئيسها راشد الغنوشي بالقول إن "نص الدستور وروحه يسمحان بإيجاد الحلول الكفيلة بمعالجة الأوضاع".



ويعد هذا الموقف محل رفض من بعض أساتذة القانون الدستوري، الذين اعتبروا أن كل حلّ يخالف فلسفة تشكل حكومة مبنية على نتائج الانتخابات التشريعية، غير ذي جدوى. 

وشرح أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ أن "الإشكال يكمن في أن الدستور لا يمكن له أن يدخل في تفاصيل ظاهرة سياسية متحركة، وكان الأفضل أن لا يغوص من حيث المبدأ في تفاصيل التكليف والآجال، على غرار الدساتير المقارنة"، واصفا واضع هذا الفصل بـ"المهندس الفاشل". 

وأبرز المتحدث، في تصريحات صحافية، أن "الدستور اليوم يواجه تغيرات لم يتوقعها، وعجز عن تقديم إجابات"، مشددا على أن "كل السيناريوهات المطروحة خارج الفصل التاسع والثمانين غير دستورية، فتكوين الحكومة لا يتم إلا في إطاره، والخروج نحو فرضية لائحة اللوم ضد حكومة الشاهد هو حل مخالف لروح الدستور". 

ولفت محفوظ إلى أنه "في غياب المحكمة الدستورية، تبقى الكلمة الأخيرة لرئيس الجمهورية ولفهمه الخاص لهذا الفصل".