"النهضة" تسقط حكومة الفخفاخ... حكومة ثالثة أم حل البرلمان؟

"النهضة" تسقط حكومة الفخفاخ في تونس... حكومة ثالثة أم حل البرلمان؟

15 فبراير 2020
"النهضة" قررت الانسحاب من تشكيلة الفخفاخ (Getty)
+ الخط -
قررت "حركة النهضة" التونسية حجب الثقة عن حكومة إلياس الفخفاخ، بعد مناقشات طويلة داخل مجلس شورى الحركة، اليوم السبت.

وأكد رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني، في اختتام أعمال المجلس، أنّ "حركة النهضة قرّرت الانسحاب من التشكيلة المقترحة من قبل إلياس الفخفاخ وعدم منحها الثقة في البرلمان؛ بسبب تمسك الفخفاخ بموقفه المتمثل في عدم توسيع الحزام السياسي ليشمل حزب قلب تونس".

وكان الفخفاخ قد عرض، اليوم السبت، في دار الضيافة بقرطاج تركيبته النهائية للحكومة على الأحزاب والكتل البرلمانية المعنية بتشكيل الائتلاف الحكومي. والتقى ممثلين عن أحزاب "حركة النهضة" و"التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" و"تحيا تونس" وكتلة "الإصلاح الوطني". كما اجتمع بممثلين عن كتلتي "ائتلاف الكرامة" و"المستقبل". في المقابل، لم يلب حزبا "قلب تونس" و"الدستوري الحر" الدعوة الموجهة إليهما.

وفي السياق، نشر رئيس "قلب تونس" نبيل القروي تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، أوضح فيها أنه تمّت دعوته للحضور إلى دار الضیافة، ظهر السبت، لإطلاعه على تركيبة الحكومة، مؤكداً أنه "تم رفض الدعوة احتراماً لحزب قلب تونس، ومناضليه، وناخبيه". وأضاف: "نحن لسنا معنيين بتشكيل هذه الحكومة، ورافضون للمسار وطريقة التعاطي التي تمت بهما".



وكانت مصادر من "حركة النهضة" قد كشفت، في وقت سابق، لـ"العربي الجديد"، أنّ اجتماع مجلس شورى الحركة ناقش فرضيات عدة لتحديد موقف الحركة من المشاركة في الحكومة أو التصويت لها من دون المشاركة فيها، ومن بينها فرضية عدم التصويت لها، وهو ما سيقود إلى إسقاطها إذا انضم إلى هذا الموقف كلّ من حزب "قلب تونس"، و"ائتلاف الكرامة" و"الدستوري الحرّ".

ولا يعني موقف "النهضة" بعدم منح تشكيلة الفخفاخ الثقة بالضرورة سقوط الحكومة مباشرة، إذ لا تزال أمام رئيس الوزراء المكلف أربعة أيام لتغيير موقفه قبل الذهاب إلى البرلمان وعرض نيل الثقة، أما إذا تمسك بنفس التوجه القاضي بإبعاد "قلب تونس"، والإبقاء على توزيع الحقائب بهذا الشكل الذي أثار تحفظات كثيرة داخل "النهضة"، فإن ذلك سيقود بالضرورة إلى سقوط حكومته، ودخول البلاد مرحلة جديدة.

ولا يعني ذلك أيضاً بالضرورة حلّ البرلمان مباشرة، كما تذهب إليه بعض التأويلات الدستورية الجديدة للفصل 89 من الدستور، وسط ترجيحات بإمكانية الدخول في مشاورات جديدة لحكومة ثالثة، بعد الحبيب الجملي والفخفاخ، حيث تعتبر بعض القراءات والتأويلات لهذا الفصل أنّ تدخل الرئيس لحلّ البرلمان يأتي بعد أربعة أشهر من التكليف الأول للجملي الذي تم يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ما يعني انتهاء المهلة يوم 15 مارس/ آذار المقبل، وليس مباشرة بعد سقوط حكومة الفخفاخ يوم 20 فبراير/ شباط الحالي.

وحصلت مشاورات ماراثونية، منذ أمس الجمعة، واستمرت طوال اليوم السبت، لإقناع "النهضة" بضرورة المشاركة في الحكومة من دون "قلب تونس"، والقبول بالحقائب التي اقترحها الفخفاخ عليها، وكذلك القبول بإبعاد بعض الأسماء "النهضوية"، بالإضافة إلى الوزارات التي استأثر بها الفخفاخ لنفسه، ولكن يبدو أنّ القسم الرافض لكل هذه الخيارات داخل مجلس شورى "النهضة" تعاظم، وذهب حتى إلى عكس توجه رئيسها راشد الغنوشي، الذي كان قد أكد لـ"العربي الجديد" أن "النهضة" ستصوّت للحكومة حتى وإن لم تشارك فيها، منعاً للفراغ.

ويبدو أنّ هذا التأويل الدستوري الجديد الذي يرجح فرضية عدم حصول فراغ، واقتراح حكومة ثالثة قبل انتهاء الآجال الدستورية، قد يغيّر من موقف الغنوشي.

يُذكر أنّ الغنوشي كان رافضاً لتكليف الحبيب الجملي في الحكومة الأولى، لكن مجلس شورى الحركة ذهب بعكس اتجاهه، وفرضه كخيار للحزب.


وأمام هذا الوضع الجديد، ينتظر التونسيون موقف الفخفاخ الذي يرجح الإعلان عنه، اليوم السبت. إلا أنّ موقف "النهضة" يعيد الجميع إلى المربع الأول ويضع الفخفاخ والأحزاب الداعمة له بقوة؛ "تحيا تونس" و"التيار" و"حركة الشعب"، أمام وضع جديد معقد لا خيارات كثيرة فيه، غير بحث توافق مع "النهضة" و"قلب تونس"، أو الذهاب إلى البرلمان متأكداً من سقوط حكومته، كما حصل مع حكومة الحبيب الجملي بالضبط.

يذكّر أنّ "حركة النهضة" دعت، أمس الجمعة، رئيس البلاد قيس سعيد، إلى التدخل، باعتباره من كلف الفخفاخ بتشكيل الحكومة. وتتوجه الأنظار، اليوم السبت، إلى قصر الرئاسة في قرطاج لمعرفة موقف الرئيس سعيد وموقف الفخفاخ من هذه التطورات الجديدة، إذ تذهب بعض المصادر إلى أن الفخاخ قد يطلب من الرئيس التونسي إعفاؤه من التكليف الجديد.

وتعكس هذه التطورات مرة أخرى عمق الصراعات الحزبية، وحرب التموقع التي أدت إلى هذه الأزمة المتواصلة منذ أشهر، على الرغم من أنّ هناك من يعتبر أنها حالة طبيعية في ديمقراطية تتدرب على كل الوضعيات، وتبحث عن شكلها وسط مناخ إقليمي صعب، وظروف اقتصادية واجتماعية محلية أصعب.