الجزائر: مؤشرات صدام جديد بين نقابة القضاة ووزير العدل

الجزائر: مؤشرات صدام جديد بين نقابة القضاة ووزير العدل

13 فبراير 2020
الوزير زغماتي أصدر قراراً بنقل وكيل الجمهورية الداعم للحراك(Getty)
+ الخط -
تتزايد مؤشرات الصدام بين نقابة القضاة في الجزائر ووزير العدل بلقاسم زغماتي، على خلفية قضية جديدة هي الثانية في ظرف أسبوع، تخص تدخل الوزارة لمعاقبة وكيل جمهورية ونقله للعمل من محكمة في العاصمة إلى محكمة في جنوب البلاد، بعد إعلان موقفه الداعم لنشطاء الحراك الشعبي، ورفضه لما وصفها بـ"الضغوط السياسية وتحقيق استقلالية كاملة للعدالة".

وأعلنت نقابة القضاة، في بيان، عن بالغ غضبها من القرار، واتهمت زغماتي بالتسلّط ومحاولة الانتقام من وكيل الجمهورية المذكور بسبب موقفه من معتقلي الرأي. وتساءلت النقابة في بيانها "عن الضرورة التي اقتضت نقل وكيل الجمهورية المساعد في هذا التوقيت بالذات"، معتبرة أنه "إجراء يفضح وزير العدل الذي اتخذ القرار كإجراء عقابي انتقامي لمرافعته أمام محكمة سيدي أمحمد في أحد ملفات ما يسمى إعلامياً بقضايا الرأي والتماسه البراءة باسم المجتمع ضد المتهمين المتابعين".

وكان وكيل الجمهورية المساعد بمحكمة سيدي أمحمد بلهادي محمد، وسط العاصمة الجزائرية، الذي جرى إلحاقه بمحكمة قمار بوادي سوف، جنوبي الجزائر، قد التمس البراءة في حق 19 من الناشطين في الحراك الشعبي، السبت الماضي.

وقال، خلال مرافعته، إنّ "الجزائريين يسيرون قدماً نحو الجزائر الجديدة؛ الجزائر التي يكون فيها القضاء حراً ومستقلاً، الجزائريون يحملون ويرددون شعارات تطالب بقضاء حر ومستقل، فلهذا أنا أتحمل المسؤولية بصفتي ممثلاً للحق العام وأرفض أي تدخل، وتجسيداً لمبدأ استقلالية القضاء، أطلب تطبيق القانون في حق هؤلاء؛ النيابة تلتمس البراءة للجميع"، ودفع هذا الموقف أحد المتهمين لأن يصعد المنصة ويسلم على رأس وكيل الجمهورية وسط هتافات داخل المحكمة "بدولة مدنية ماشي عسكرية".
واتهمت النقابة زغماتي الذي استهدفته مظاهرات الحراك الشعبي الأخيرة وطالبت بإقالته، بـ"التغول مثل وزير العدل السابق الطيب لوح الذي كان قد قام في عهدته بنقل أحد القضاة من المحكمة العليا إلى محكمة عين قزام بمجلس قضاء تمنراست، جنوبي الجزائر"، وطالبت النقابة الوزير زغماتي "بمراجعة قرره والكف عن الممارسات البالية"، بحسب البيان.

وأوضح البيان أنّ "وزير العدل استند في نقل وكيل الجمهورية إلى المادة 26 من القانون الأساسي للقضاة الذي يجيز له نقل قضاة النيابة وتعيينهم في مناصب أخرى لضرورة المصلحة، مع إطلاع المجلس الأعلى للقضاة على ذلك في أقرب دورة له، لكنه تغاضى عن الشرط الأهم في المادة 26 وهو توفر شرط المصلحة، والمادة ترفض هذا الإجراء على أساس أن يكون تأديبيا لأنه من صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء".

وتعكس هذه القضية مستويات التداخل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وتدخل الحكومة، وفقاً للقوانين التي تمت صياغتها على مقاس السلطة، في عمل القضاء والقضاة ومعاقبتهم في حال تمردوا على قرارات أو توجهات تخص بعض القضايا ذات الطابع السياسي، وتعد هذه الحادثة الثانية في ظرف أسبوع، وقد تسرع بحدوث صدام بين نقابة القضاة والحكومة، بعد حادثة التعليمات التي وجهتها مفتشية وزارة العدل إلى القضاة لتستدرجهم للتخابر معها ضد زملائهم القضاة للإبلاغ عن أحكام قضائية خارج الإطار المعمول به.

وإضافة إلى موقف النقابة، هاجم "نادي القضاة الأحرار" (تنظيم قيد التأسيس) التضييق على وكيل الجمهورية المساعد، كـ"خطوة عقابية" من قبل وزارة العدل، على خلفية مرافعته لصالح الحق العام والتماسه البراءة لعدد من موقوفي الحراك الشعبي وتصريحاته الداعمة لاستقلالية العدالة. واعتبر نادي القضاة، في بيان، أنّ ما قامت به وزارة العدل "خطوة من شأنها أن تربك مسار التأسيس لاستقلال السلطة القضائية، وتهدد القضاة النزهاء في أمنهم الدستوري والمهني، كما تمس بمقتضيات الدستور، كما يعتبر ذلك تكريساً إضافياً وجديداً لعدم استقلالية السلطة القضائية وهيمنة السلطة التنفيذية على مفاصل جهاز العدالة".
وبشكل سريع، تفاعل الحراك الشعبي مع وكيل الجمهورية وأبدى تعاطفا كبيراً معه، تقديراً لموقفه المستقل ورفضه للضغوط السياسية، ما حوله إلى أيقونة جديدة من أيقونات الحراك الشعبي، حيث رفعت صوره في مظاهرات الحراك الطلابي، الثلاثاء الماضي، وأعلن نشطاء الحراك في منطقة وادي سوف ترحيبهم به للعمل في محكمة منطقتهم.

ويعتقد القاضي السابق عبد الله هبول أنّ القضاء في الجزائر ما زال يخوض معركته لتحقيق استقلالية كاملة، ولم يتم إنجاز ذلك بفعل عدم تغير القوانين. وقال، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنه "وطالما أنّ المجلس الأعلى للقضاء يرأسه رأس السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية، وينوب عنه وزير العدل، فإن استقلالية العدالة ستظل محدودة داخل إطار خطاب رسمي لا يتماثل مع الواقع السياسي، ويبقي العدالة محاصرة بقرارات من السلطة التنفيذية والقاضي تحت سيف السلطة والحكومة".

يُذكر أنّ هذا الصدام ليس الأول من نوعه بين النقابة وزغماتي، فقد نفذت نقابة القضاة إضرابًا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لمدة عشرة أيام، بسبب رفضها لحركة نقل للقضاة أقرها وزير العدل وفرضها على المجلس الأعلى للقضاء، في خطوة تمرد لم تكن مسبوقة في التاريخ السياسي للقضاء، وفي علاقته بالسلطة السياسية.

دلالات

المساهمون