بعد محاكمة الرئيس... ترامب وتاريخ الانتخابات الأميركية

بعد محاكمة الرئيس... ترامب وتاريخ الانتخابات الأميركية

10 فبراير 2020
خلوّ الساحة السياسية من نجم يزاحم ترامب(Getty)
+ الخط -
قبل دونالد ترامب شهد تاريخ الرئاسة الأميركية ثلاث محاكمات لرؤساء، واحدة منها غير مكتملة. وفي كل مرة، لم يسلم حزب الرئيس المتّهم من الهزيمة في الانتخابات الرئاسية التي تلي المحاكمة أو الهروب منها بالاستقالة كما فعل ريتشارد نيكسون. في كل من هذه الانتخابات، فاز المرشح من الحزب الثاني. 
بعد أندرو جونسون الديمقراطي، جاء الجمهوري يوليسيس غرانت، وبعد نيكسون الجمهوري (وجيرالد فورد الذي أكمل آخر سنتين من ولاية نيكسون) جاء جيمي كارتر الديمقراطي. كذلك بعد بيل كلينتون الديمقراطي فاز جورج بوش الجمهوري. في كل هذه الحالات، لم يشفع عدم إدانة الرئيس في مجلس الشيوخ بمرشح حزبه. في كل منها، نقضت محكمة الرأي العام حكم مجلس الشيوخ لتأتي بالمرشح من الفريق الآخر كتعبير عن معاقبتها للرئيس المتهم وحزبه.

هل تشذّ رئاسة ترامب عن هذا النمط؟

من السابق لأوانه بل من غير الجائز التحدث بلغة الترجيحات، في هذا الوقت المبكر من الحملة الانتخابية. لا تزال الحملة في بداياتها، وقد يظهر فيها من المستجدات ما لم يكن في الحسبان. لكن المعطيات والمؤشرات الراهنة تسمح بشيء من المجازفة وعدم استبعاد مثل هذا الاحتمال. ليس لأنّ رئاسته لديها من المناعة والمقبولية ما يضمن تجديدها، بل لأن خصمه الديمقراطي كشف وبسرعة عن خلل عميق في وحدة صفه وأجندته، وبما يعكس عمق الهوة بين جناحيه الوسط واليسار بدرجة يصعب، إن لم يكن يستعصي، ردمها.

الجناح التقليدي المتربع منذ زمن على مقعد قيادة الحزب الديمقراطي، ممثل بمرشحين بدأوا يفقدون بريقهم منذ أول انتخابات حزبية، في الأسبوع الماضي. نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي يمثل هذا الجناح، والذي احتفظ، منذ الصيف الماضي، بالموقع الأول بين سائر المرشحين الذين تجاوزوا العشرين، هبط فجأة إلى المرتبة الرابعة في تصفية ولاية أيوا.
وقد لا يكون في وضع أفضل، غداً الثلاثاء، في تصفية ولاية نيوهامبشاير. كانت المراهنة على تجربته الأغنى بكثير من تجارب منافسيه. لكن تقدم السن الذي انعكس في ضعف أدائه وافتقاره للكاريزما وللجديد الجذاب في طروحاته، خيب الآمال بقدرته على الفوز بالترشيح لمواجهة ترامب في الجولة النهائية. الباقون من هذا الجناح، مثل السناتور آمي كلوبوشار والميلياردير توم ستاير، لا يزالون في الصف الخلفي.
المفاجأة من بينهم تمثّلت في المرشح بيتر بوتيجيج الذي جاء من رئاسة بلدية مدينة صغيرة ليحتل الصدارة في أيوا، وربما المرتبة الثانية في نيوهامبشاير، بعد بيرني ساندرز الذي يهدد هو بوتيجيج باكتساح ساحة الترشيح. وهذا احتمال بدأ يخضّ مؤسسة الحزب التي يتوالى الهمس في صفوفها، حول ما إذا كان من الأنسب التمهيد لتبني ترشيح رئيس بلدية نيويورك السابق الميلياردير مايكل بلومبرغ الذي دخل المعركة من دون أن ينضم إلى جولات الانتخابات الحزبية حتى الآن. وحتى الآن، فاقت تكاليف حملته 200 مليون دولار لتسويق ترشيحه عبر وسائل الإعلام. وقد أعلن عن استعداده لتمويل معركة بمليار دولار من ماله الخاص ضد ترامب.

لكن المشكلة عند الديمقراطيين ليست في التمويل. هي في كل شيء إلا المال. جزء منها أنّ ساحة مرشحيهم تخلو من النجم، القادر على مزاحمة ترامب بخطاب وسطي يحاكي الناخب المعتدل وغير الحزبي الذي يرجح الكفة عادة. الجزء الآخر أو بالأحرى العطب الآخر يتمثل في حالة الفوضى والتشتت الديمقراطي التي كشفت عنها انتخابات أيوا، والتي لا تزال نتائجها النهائية غير محسومة بالرغم من صغر حجم الكتلة الانتخابية. الشق الأهم في المشكلة أن الحزب قاعدته منقسمة بين يسار جذري (بالمقاييس الأميركية)، وتيار تقليدي وسطي. الأول متماسك وديناميكي يقوده بيرني ساندرز بشكل رئيسي، تحت راية برنامج تغييري لا يساوم بشأنه ويخشى كثيرون من طرحه وسط مناخات لا تتقبله وبما قد يؤدي بالنهاية إلى هزيمة مماثلة لتلك التي لحقت بحزب "العمال" البريطاني أخيراً، خاصة أنه يأتي في لحظة بحبوحة يوظفها الرئيس ترامب لصالحه. والثاني مترهل إلى حد ما، ويعمل من خلال منظومة الحزب الموروثة لكن من دون قيادة جامعة ومتمكنة.

كان الاعتقاد أنّ محاكمة ترامب وخروجه منها من دون إدانة، لا بد أن يساعدا في تضييق الفجوة بين الاثنين لتحويل الانتخابات إلى محكمة تطيح الرئيس ترامب. لكن واقع الحال حتى الآن ينطق بعكس ذلك. في أقل من أسبوع، انقلب الميزان السياسي في واشنطن؛ فالرئيس ترامب المفترض أن يخرج من المحاكمة بطة عرجاء ولو من غير إدانته، طلع منها وهو يمسك بزمام المبادرة. في المقابل، تسود ساحة الديمقراطيين حالةٌ من الذعر، في ضوء ما كشفت عنه بداية معركتهم، من تناحر ومفاجآت وأخطاء في الحسابات.

المساهمون