العراق: "الطرف الثالث" يكشف وجهه ويستمر في استهداف المحتجين

العراق: "الطرف الثالث" يكشف وجهه ويستمر في استهداف المحتجين

01 فبراير 2020
مدنيون يشاركون قوات الأمن الأساليب القمعية (أحمد الرباعي/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من الضمانات التي حصل عليها متظاهرو العراق، خلال اليومين الماضيين، من أطراف أممية، بتعهد حكومي بوقف خطط اقتحام الساحات وميادين الاعتصام، وفضها عسكرياً، وفقا لما كشف عنه ناشطون عراقيون أجروا لقاءات مع رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق، جنين بلاسخارت، في بغداد، إلا أن القمع اليومي لم يتراجع، فقنابل الغاز، والرصاص الحي، وبنادق الصيد المحشوة بكرات حديدية، وحتى الهراوات والعصي الكهربائية، ما زالت عاملة في شوارع وطرقات جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد، مسجلة في الساعات الماضية أكثر من 60 إصابة، غالبيتها في بغداد، من بينها بضع حالات حرجة.

وندّد المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني في خطبة، أمس الجمعة، باستمرار عمليات سفك دماء المتظاهرين والاختطاف في صفوف الناشطين.
وشهدت البصرة أمس الجمعة وأمس الأول الخميس، استخدام الذخيرة الحية بكثافة من قبل قوات الأمن، والحال نفسه في الديوانية، والناصرية، والعمارة، كبرى مدن الجنوب العراقي.
وكان الحدث الأبرز على مستوى قمع التظاهرات، بروز ظاهرة الرجال المسلحين، بملابس مدنية، إلى جانب قوات الأمن العراقية، الذين يتولون أيضاً عمليات إطلاق نار وقنابل غاز ومقاليع، يوجهونها على وجوه وصدور المتظاهرين، الأمر الذي وثّقته كاميرات ناشطين في بغداد وجنوب العراق، وهم من يسمّونهم المتظاهرون بـ"الطرف الثالث"، في إشارة إلى المليشيات المرتبطة بإيران، والتي تقف مع الحكومة في رفض التظاهرات، ومحاولة تصفيتها، وتتبنى نظرية المؤامرة في كون التظاهرات مؤامرة أميركية ـ صهيونية.


وقال متظاهرون من بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "مدنيين يشاركون قوات الأمن الأساليب القمعية، وهم غير معروفين وقد تمَّ تصويرهم، لتكون هناك حجة على الحكومة العراقية، التي تنفي عمليات القتل والترهيب والعنف تجاه المحتجين"، مبينين أن "العناصر المدنية التي تحمل الأسلحة مع عناصر قوات جهاز فضَّ الشغب، تتبع للأحزاب والفصائل التي تضررت مصالحها جراء المطالبات الشعبية بإبعادها عن المشهد السياسي ومنع مشاركتها في الانتخابات المقبلة". ولفت آخرون إلى أن "العنف الذي يواجهه المحتجون في بغداد مزدوج، حيث تشترك فيه القوات الأمنية الحكومية، وجهات مسلحة تابعة للأحزاب الموالية لإيران، وهي المتضرر الأكبر من هذه التظاهرات".


من جهته، قال الناشط في التظاهرات محسن الأنصاري إن "كلّ يوم تستمر فيه الاحتجاجات، يزداد الضغط على السلطة التي تتمسك ببقائها وتصارع من أجل البقاء، لذلك فهي تتصرف بعقلية العصابات، ولا وجود لتعامل دولة تحترم نفسها أمام شعبها وأمام المجتمع الدولي، فلم يتبقَ لها غير القمع، والسلاح، والممارسات الرخيصة، لإنهاء ثورة تشرين، فكل أساليبهم في الحرب الإعلامية والنفسية باءت بالفشل"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة تعلم جيداً أنها ترتكب مخالفات إنسانية فادحة ومتكررة، وأن كل منظمات حقوق الإنسان الدولية توثق كل هذه الانتهاكات، والردّ والتبرير الحكومي المنافي للواقع أصبح محط تهكم وسخرية من قبل الشارع العراقي".

أما الصحافي العراقي علي الكرملي، فبيَّن أن "الحكومة الحالية، التي تقوم بتصريف الأعمال، هي حكومةٌ هشّة، ليس بيدها ما تفعله، هي مجرّد واجهة صُوريّة، أما الإدارة الفعلية فهي بيد مكتب رئاسة الحكومة، والمكتب تتنفّذ وتحكم بساطها عليه، شخصيات معروفة بقربها من طهران، وبانتمائها للفصائل المسلّحة، ومن يمارس القمع هي ذات الجهات التي ينتمي إليها مكتب رئاسة الحكومة، لذلك لا تقوم الحكومة بمعاقبتهم وفق القانون، لأنها من الأصل، هي من تُضفي عليهم شرعية القمع".
ولفت إلى أن "الفصائل المسلّحة العراقيّة، التي تخشى من زوال مكاسبها وامتيازاتها التي ناضلَت للحصول عليها، تقوم بقمع كلّ الاحتجاجات، خشية من تغيير النظام، أو من الانتخابات التي ستُطيح بها، وطالَما هي قادرَةٌ على ذلك، ستستمر في ممارسة قمعها، من دون رحمة منها، لأنها تشرّبَت بالسلطة وعائداتها الضخمة عليها، وأمام تلك المغريات، من الصعوبة بمكان أن تفكّر مثل تلك الفصائل في الشعب وما يُريد، لأنها أمام طريقين، إما الخضوع لإرادة الشعب، وخسارة ما حقّقته، أو البقاء لأجل التمتع بتلك المكتسبات".
وأكمل لـ"العربي الجديد"، أن "خطوات تصعيدية يسعى إليها المحتجون حالياً، وهي لن تبتعد عن السلمية، لكن سترتفع حدّتها، كما في مهلة النجف، التي جاءَت كخطوة تصعيدية، الأقرب إلى التنفيذ في حال ما لم يتم اختيار رئيس حكومة يتناغم وما يبتغيه الشارع، فإن التصعيد الأقرب هو ما لوّح إليه الناشط من الناصرية "علاء الركابي"، وهو ذهاب أبناء المحافظات الثائرة إلى بغداد، بمسيرات مليونية من شأنها أن تحرج الحكومة والبرلمان، خصوصاً إذا ما تمكّنت من تطويق الخضراء كما هو معلن في يافطَة تلك الخطوة التصعيدية".


وكانت 16 دولة غربية، قد دانت في وقتٍ سابق، الاستخدام "المميت" للقوة ضد المتظاهرين المناوئين للحكومة والنخبة السياسية الحاكمة في العراق، وأصدر سفراء كلّ من كندا، وكرواتيا، والتشيك، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، وهنغاريا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وبولندا، ورومانيا، وإسبانيا، والسويد، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، لدى العراق بيان إدانة ورفض لما تقوم به القوات الأمنية والجماعات المسلحة ضد المتظاهرين.

وجاء في البيان أنه "على الرغم من الضمانات التي قدمتها الحكومة، فإن قوات الأمن والفصائل المسلحة تواصل استخدام الذخيرة الحية؛ وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة عديد من المدنيين، في حين يتعرض بعض المحتجين للترويع والاختطاف"، فيما دعا السفراء الحكومة العراقية إلى "احترام حريات التجمع، والحق في الاحتجاج السلمي، كما هو منصوص عليه بالدستور العراقي، وضمان إجراء تحقيقات ومساءلة موثوقة في ما يتعلق بأكثر من 500 حالة وفاة وآلاف الجرحى من المحتجين منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول".
ومع ذلك، لم يصدر عن الحكومة العراقية أي توضيح بخصوص استمرار القمع، بل أنها زادت من استفزاز المحتجين، بعد تعليقٍ من رئيس الحكومة العراقية المستقيل عادل عبد المهدي، الذي قال في آخر تصريحاته إن "الحكومة تتعامل بأبوية حتى مع المتظاهرين الذين يقومون بتظاهرات عنيفة أو يقومون بقطع الطرق أو الإغلاق القسري للمدارس والمؤسسات".
وعمدت القوات الأمنية ومسلحون مجهولون، يشتبه في أنهم من فصائل مقربة من إيران، إلى اقتحام ساحات يعتصم فيها المحتجون منذ أشهر، وتفريقهم بالقوة المفرطة، ومن ضمنها استخدام الرصاص الحي، وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات من المتظاهرين.
وأجبر الحراك الشعبي حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة، في الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويصرّ المتظاهرون على رحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، والتي تحكم منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.