أطراف دولية تلوّح بنشر قوات سلام في ليبيا

أطراف دولية تلوّح بنشر قوات سلام في ليبيا

07 يناير 2020
دول غير راضية عن التطورات في ليبيا(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
في وقت لا يزال فيه الملف الليبي يعيش تصعيدا سياسيا كبيرا على المستويين الإقليمي والدولي، تناقش دول كبرى إمكانية الاتفاق على استصدار قرار أممي بشأن إرسال قوات حفظ سلام إلى ليبيا، في خطوة لإنهاء الاقتتال الدائر في البلاد.

وأنهى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، أمس الاثنين، زيارة عاجلة للجزائر، في إطار تحشيد مواقف دول المغرب العربي لدعم اتفاق التعاون الأمني الذي جرى توقيعه مع الحكومة التركية، من دون أن تحقق زيارته أي نتائج ملموسة. فالجانب الجزائري لم يتزحزح عن موقفه الرافض لكل أشكال التدخل الخارجي في ليبيا، في الوقت الذي تستعد فيه القاهرة لاستضافة اجتماع خماسي، غدا الأربعاء، يضم وزراء خارجية مصر وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، في إطار تحشيد من جانبها للمواقف الرافضة لتنفيذ الاتفاق بين حكومة الوفاق والحكومة التركية.
وقال دبلوماسي ليبي رفيع إن العاصمة السويسرية استضافت لقاء مكثفا بين مسؤولين كبار لعدّة دول فاعلة في الملف الليبي، من بينهم مسؤولون أميركيون، لبحث عدّة حلول للملف الذي يزداد سخونة مع اقتراب بدء تدفق القوات التركية إلى مواقع عسكرية تابعة لحكومة الوفاق في طرابلس ومصراته.
الدبلوماسي الذي تحدّث لـ"العربي الجديد" أكّد أن من بين تلك الحلول نشر قوات حفظ سلام في مناطق جنوب طرابلس، لفرض وقف الاقتتال الدائر في محيط العاصمة، باستصدار قرار من مجلس الأمن بشأن ذلك.
ويقول المصدر المقرب من حكومة الوفاق إن ذلك سيترافق مع تشكيل بعثة دولية تساعد على دعم خطة المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، الرامية إلى إرجاع المشاورات بين الأطراف الدولية والليبية بالتوازي، من أجل صياغة حل سياسي للأزمة في البلاد، وهو تحرك يرى الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أنه جاء بتأثير العلاقات الجديدة بين أنقرة وطرابلس التي هددت مصالح عديد الدول المتصلة بالملف الليبي.
وكان سلامة قد أعرب عن غضبه الشديد، إثر خروجه من جلسة مغلقة عقدها مجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في ليبيا، أمس، من عدم قدرة المجتمع الدولي على بلورة رؤية موحدة بشأن الحل في ليبيا، رغم اجتماع مجلس الأمن الدولي 14 مرة، منذ الرابع من إبريل/نيسان الماضي (تاريخ بدء العدوان العسكري للواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس) ولم يتمكن من إصدار قرار واحد ضد وقف العمليات العدائية.




وعلق الأطرش، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، بكون تصريحات سلامة تعكس قلقا أمميا وصل إلى حدّ السخط من عدم توافق الأطراف الدولية، رغم موافقتها على الذهاب إلى طاولة في برلين لحل خلافاتها، معتبراً أن التئام مثل هذه المشاورات بشأن التوصل إلى حلّ لوقف القتال في محيط طرابلس تبدو رغبة للجميع بعد الانخراط التركي الذي أزعجهم وهدد مصالحهم.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول من أمس، بدء نشر جنود أتراك في ليبيا، استناداً إلى الضوء الأخضر الذي منحه البرلمان التركي قبل أيام، والذي قوبل بانتقادات عربية ودولية وصفته بـ"التدخل في ليبيا"، لكن قادة تركيا أكدوا أن قرار الحكومة لا يعني التدخل في ليبيا، بل يأتي لتنفذ طلب حكومة الوفاق التي يعترف بها المجتمع الدولي.
ومن بين عوامل عدم قدرة المجتمع الدولي على منع تركيا من بدء تنفيذ اتفاقها العسكري مع طرابلس هو وجود دول أخرى تقدم الدعم العسكري لحفتر. ورغم إنكار تلك الدول دورها في دعم حفتر، إلا أن الأطرش أكد أن تقارير خبراء الأمم المتحدة المتوالية اتجهت لفضح دورها المكتوم، بل نشرت صور قواعد بنتها الإمارات سرا شرق البلاد ومعدات وأسلحة قدمتها دول أخرى مثل فرنسا والأردن.

إلى ذلك، أوضح الخبير القانوني الليبي، هشام أبوسيف، أن البند السابع الذي أدرجت تحته ليبيا منذ عام 2011 يوفر غطاء قانونيا لإرسال قوات حفظ سلام، بل يستدعي ذلك، موضحا أن "البند يتساوق مع الخطوات التي قطعتها الأمم المتحدة في ليبيا بمحاولات نزع فتيل النزاع عبر بعثة دعم سياسي طيلة ثماني سنوات". ولفت إلى أن الخطوة القانونية التالية هي تحويل بعثة الدعم الحالية إلى بعثة حفظ سلام.
وتوفر البعثة في حال تحوّلها إلى حفظ سلام، بحسب أبوسيف في حديثه لـ"العربي الجديد"، أمرين: أولهما تنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن حظر توريد السلاح لليبيا وتقليل تأثير التدخل الخارجي. والثاني فرض وقف النزاع المسلح في حال وصول تأثير لتهديد السلم والأمن الدوليين، وهو ما ينطبق على الحالة الليبية الآن.
ويؤكد أبوسيف أن "القرار سيرجع الملف الليبي إلى الأمم المتحدة ويقلل من فرص تأثير الخلافات الدولية حوله، ولا مجال وقتها لأي حلول سياسية خارج اتفاق الصخيرات الذي لم تعترف الأمم المتحدة بغيره كإطار لأي تسوية سياسية، سواء للداخل الليبي أو للخارج".

من جهته، يرى المحلل السياسي الليبي، عبد الحميد المنصوري، أن أي حراك دولي من شأنه أن يسرّع التوصل إلى وقف القتال وقبول الأطراف الداخلية بالحلول السياسية، موضحا أن ذلك لن يتأتى إلا بانخراط أميركي واضح، معتبرا أن السفارة الأميركية لدى ليبيا تشهد نشاطا في الآونة الأخيرة.
ويوضح المنصوري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن إعلان السفارة الأميركية، السبت الماضي، عن اجتماع خبراء أمنيين أميركيين بنظراء لهم في حكومة الوفاق لبحث اتخاذ التدابير لإزاحة المجموعات المسلحة الخارجة عن الشرعية في ليبيا ومعالجة الملف الأمني في طرابلس، يعني أنها تعالج عملياً قضية تنفّذ المليشيات في طرابلس، وبالتالي إفشال ذرائع حفتر في حربه على العاصمة التي حدد لها هدف القضاء على المليشيات واتهم الحكومة بارتهانها لأوامرها.
ويرى المنصوري أن بيان السفارة الذي تحدّث عن ضرورة إنهاء الصراع والعودة للحوار السياسي يكون "عبر تشكيل حكومة موحدة قادرة على توفير الأمن ومكافحة الإرهاب في ليبيا"، يعني وجود تحركات تجري في كواليس تلك العواصم للوصول إلى حلّ قريب.
ويوضح المنصوري أنّ المعالجة الأميركية للملف الليبي ذهبت إلى إيجاد توازن بين القوى في أولى خطواتها. لكن أمام قلقها من تزايد الوجود الروسي في ليبيا، وتحديدًا إلى جانب قوات حفتر، يبدو أنها هي من أوعزت لحكومة الوفاق للتحالف مع تركيا عسكريا لترجح كفتها أمام قوات حفتر التي تستعين بعدّة أطراف عربية ودولية.




وعن إمكانية إرسال قوات حفظ سلام، يقول الأطرش إنه أمر ممكن جدا، فالأوروبيون منزعجون جدا من التواجد التركي والروسي، والأميركيون لا نية لديهم للتدخل في ليبيا، على اعتبار أن الملف الليبي ليس من أولوياتهم، لكنهم لن يسمحوا بانجراف المنطقة إلى مواجهات عسكرية، والسماح للبلاد بأن تكون بؤرة مرة أخرى لتنظيمات إرهابية، لا سيما وهم منشغلون تماما بملفات أخرى، آخرها توتر الوضع في العراق.