اغتيال سليماني: مساعٍ لضبط الرد الإيراني

اغتيال سليماني: مساعٍ لضبط الرد الإيراني

05 يناير 2020
من تشييع سليماني والمهندس في بغداد أمس (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -
على وقع استمرار تصاعد التهديدات الإيرانية بانتقام شديد من الولايات المتحدة على قتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، وحديث مسؤولين إيرانيين عن تحديد أهداف أميركية حيوية في المنطقة لضربها، بالتوازي مع كشف مصادر عراقية لـ"العربي الجديد" أن مليشيات عراقية مرتبطة بطهران حددت أيضاً المواقع الأهم للقوات الأميركية في العراق من أجل الرد، كانت في المقابل تبرز معطيات تدل على مساعٍ لضبط الرد الإيراني المتوقع كي لا يؤدي إلى انزلاق الأوضاع إلى حرب شاملة قد تطاول دولاً عديدة في المنطقة.

وواصلت طهران أمس رفع سقف تهديداتها، وقال قائد الحرس الثوري في إقليم كرمان، الجنرال غلام علي أبو حمزة، إن إيران ستعاقب الأميركيين "أينما كانوا على مرماها"، متحدثاً عن سلسلة من الأهداف المحتمل ضربها انتقاماً لمقتل سليماني. وقال في تصريحات أدلى بها في وقت متأخر من مساء الجمعة ونشرتها وكالة "تسنيم" للأنباء أمس السبت "مضيق هرمز نقطة حيوية للغرب، وعدد كبير من المدمرات والسفن الأميركية يمر من هناك". وأضاف "حددت إيران أهدافاً أميركية حيوية في المنطقة منذ وقت طويل... نحو 35 هدفاً أميركياً في المنطقة، بالإضافة إلى تل أبيب في متناول أيدينا".

من جهته، أكد المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكارجي، أن من حق بلاده الرد على اغتيال سليماني، مشيرا إلى أن هذا الرد "قادم حتماً وسيكون شديداً"، مهددا الولايات المتحدة بأنه في حال ردت على التحرك الإيراني، ستواجه "رداً أكثر قوة وحزماً" من قِبل إيران. إلا أن شكارجي أكد في الوقت ذاته، وفقاً لما أوردته وكالة "مهر" الإيرانية، أن "إيران تتجنب أي تصرف منفعل ومتسرع"، لكنه شدد على أن "انتقاما قاسياً بانتظار الأميركيين وأنهم سيندمون على ما فعلوه". واعتبر أن الولايات المتحدة "رمت حجراً كبيراً داخل حفرة وهي غير قادرة على إخراجه وعليهم دفع ثمن هذا الفعل اللاإنساني والإرهابي"، قائلا إن "هناك محاولات لتخويف الشعب الإيراني من الرد واحتمال أن يؤدي إلى حرب"، ليؤكد أن هذه المحاولات "ترمي لحرمان الرد الإيراني القاسي على هذه الجريمة الإرهابية من سند جماهيري في الرأي العام".

من جهته، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال زيارته منزل عائلة سليماني، إن "الجريمة التي ارتكبتها أميركا ستبقى كأكبر جرائمها التي لا تنسى بحق الشعب الإيراني"، معتبراً أن "الأميركيين لم يدركوا أنهم ارتكبوا خطأ كبيرا"، مهدداً إياهم بـ"أنهم سيشاهدون آثار هذا التصرف الإجرامي، ليس اليوم فحسب، وإنما طيلة السنوات المقبلة".
في السياق، قال المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، في مقابلة مع قناة "سي إن إن" الأميركية، إن اغتيال سليماني "بمثابة إعلان حرب" على بلاده، مشيراً إلى أن "الرد على عمل عسكري سيكون بعمل عسكري".

في غضون ذلك، كشفت مصادر عراقية مقربة من مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية المرتبطة بإيران، لـ"العربي الجديد"، أنه "تم تحديد المواقع الأهم للقوات الأميركية في العراق من أجل الرد على الهجوم الأميركي، لكن حتى الآن لم يصدر القرار وعند صدوره لن يستغرق تنفيذ الهجمات أكثر من ساعة". وأوضحت أن "المؤسسة الدينية في إيران اتخذت قرارها بوجوب الرد، وبدا ذلك واضحاً من رفع راية الثأر الحمراء ليلة الجمعة على سطح مرقد الإمام الرضا في مشهد ومقام الإمام المهدي في قم، مع تصاعد ضغط الحرس الثوري على إيران للرد"، معتبراً أن الإيرانيين حتى الآن متفقون على الرد، لكن متى وأين وكيف هو ما سيتم تحديده من الإيرانيين لسبب بسيط أن أي عملية لأي فصيل في العراق سيكون معناها هجوماً إيرانياً. وتابع "هناك جهات وشخصيات حكومية مهمة، تحاول الضغط والتوسط، من أجل إيقاف أي عمل عسكري ضد المصالح والأهداف الأميركية، في العراق، من قبل الفصائل المسلحة، لكنها لا يبدو أن لها تأثيراً في الوقت الحالي".

في المقابل، قال القيادي في "الحشد الشعبي" علي الدراجي، في حديث لـ"العربي الجديد" على هامش تشييع سليماني ونائب زعيم "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس أمس، إن "الرد على الأميركيين موجود وسيكون بحجم أهمية الشهيدين". وحول المخاوف من تحويل العراق إلى ساحة حرب اعتبر أن "الأميركيين هم من حوّلها إلى ساحة حرب من 17 عاماً وليس نحن".
كما علمت "العربي الجديد" من مصادر في "الحشد الشعبي"، أن إيران قررت زيادة دعمها العسكري والمالي واللوجستي للمليشيات المرتبطة بها في العراق وسورية تحديداً. وبحسب المعلومات التي عرضتها "العربي الجديد" على نائب في البرلمان عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد"، وأكد صحتها، فإن "رفع مستوى الدعم خطوة أولى للرد على الأميركيين، ومن المتوقع لقائد فيلق القدس الجديد إسماعيل قاآني أن يقوم بجولة أولى له في المنطقة بصفة "زيارات لتعزيز التعاون الأمني". واعتبر النائب أن مثل هذا القرار له دلالة خاصة، وأنه يأتي مع توالي تخفيض دول غربية لبرامجها العسكرية في العراق المتعلقة بالتدريب أو الدعم ما ينذر بمرحلة مختلفة كليا ومعادلة تفرضها الأحداث على العراق.


يأتي ذلك مع استمرار حالة الاستنفار داخل القواعد العسكرية التي تستضيف قوات أميركية في البلاد، خصوصاً في الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك وبغداد، مع دخول غياب السفير الأميركي ماثيو تولر أسبوعه الثاني عن العراق، وهو ما يرفع نسبة قلق قيادات عراقية مختلفة من أن السبب قد يكون لوجود نيّة أميركية في عمل عسكري آخر ضد أذرع إيرانية في العراق.
وخلال تشييع المهندس وسليماني، قال هادي العامري المرشح لخلافة المهندس، مخاطباً الأخير عند نعشه، "نحن على العهد ولن نحيد ولن نخضع لأي ضغوط، سيكون ثمن دمك هو إخراج القوات الأميركية من العراق وإلى الأبد"، بينما علت أصوات من حوله تهتف "الثأر الثأر". وظهر العامري إلى جانب عدة زعماء مليشيات تابعة لإيران في مراسم التشييع التي شارك بها رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.

وفي مؤشرات إضافية على المخاوف من توتر إضافي في العراق، علّق الحلف الأطلسي مهام التدريب التي يقوم بها في العراق، وفق ما أعلن المتحدث باسمه ديلان وايت. وتقوم بعثة الحلف الأطلسي التي تضم نحو 500 عنصر بتقديم المشورة والتدريب للقوات العراقية بطلب من حكومة بغداد. كما قال مسؤول أميركي في بغداد لوكالة "فرانس برس" إن التحالف الدولي بقيادة أميركية في العراق حد من عملياته وعزز التدابير الأمنية في قواعده في هذا البلد. كما نصحت لندن البريطانيين أمس بتجنّب السفر إلى العراق وبعدم السفر إلى إيران إذا لم تكن هناك ضرورة. وكانت وزارة الدفاع الأميركية أعلنت الجمعة إرسال ما يصل إلى 3500 جندي إضافي إلى المنطقة لتعزيز أمن المواقع الأميركية.
وشارك آلاف العراقيين وهم يهتفون "الموت لأميركا" أمس في بغداد في تشييع سليماني والمهندس. وشارك رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي في التشييع، وكذلك شخصيات سياسية بارزة.

مقابل ذلك التوتر، كانت مؤشرات تطفو على السطح عن محاولات لضبط الرد الإيراني المتوقع. وفي هذا السياق، قال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني علي فدوي، إن بلاده تلقت رسالة من واشنطن بعد مقتل سليماني، تدعوها إلى أن يكون ردها على الاغتيال "متناسباً". وقال فدوي في تصريحات للتلفزيون الرسمي الإيراني "لجأ (الأميركيون) إلى الطرق الدبلوماسية صباح الجمعة"، و"قالوا إذا أردتم الانتقام، انتقموا بشكل متناسب مع ما فعلناه". وأشار فدوي إلى أن الولايات المتحدة ليست في موقع يخولها "تحديد" الرد الإيراني، مضيفاً "على الأميركيين أن يتوقعوا انتقاما شديدا. هذا الانتقام لن يكون محصورا في إيران". وأكد أن "جبهة المقاومة على امتداد مساحتها الجغرافية الشاسعة على استعداد لتحقيق هذا الانتقام". وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال في مقابلة تلفزيونية ليل الجمعة إن "الموفد السويسري نقل رسالة حمقاء من الأميركيين هذا الصباح". وتابع أنه تم بعد ذلك "استدعاء" المسؤول في السفارة السويسرية "في المساء وتلقى ردا خطيا حازما على رسالة الأميركيين الوقحة".

كما قام وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بزيارة إلى طهران، أمس السبت، كانت مقررة وفق ترتيب مسبق، والتقى خلالها نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، والرئيس حسن روحاني. وأعلنت الخارجية الإيرانية في بيان، أن لقاء الوزيرين تناول "آخر تطورات العلاقات الثنائية، وأهم القضايا الإقليمية والدولية، خصوصاً الظروف المستجدة في العراق وحادث اغتيال سليماني". ووفقا للبيان، فإن الوزير القطري وصف خلال لقائه مع ظريف أوضاع المنطقة بـ"الحساسة والمقلقة"، مؤكدا "ضرورة البحث عن حل سلمي لخفض التوترات والعودة إلى الهدوء في المنطقة". وأكدت الخارجية أن ظريف شدد بدوره خلال اللقاء على أن قيام القوات الأميركية باغتيال سليماني "يعتبر عملا إرهابيا"، محملا الإدارة الأميركية "مسؤولية عواقب وتداعيات هذا العمل". وأكد ظريف أن بلاده "لا تسعى إلى زيادة التوتر في المنطقة وأن وجود وتدخل القوات الأجنبية الدولية هما مصدر الاضطرابات الأمنية والتوترات وعدم الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة".

وفي سياق الحراك السياسي، بحث روحاني مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي، العلاقات الثنائية والمستجدات ولا سيما مقتل سليماني. كما تلقى ظريف اتصالاً هاتفياً من نظيره الصيني وانغ يي، وآخر من نظيره الروسي سيرغي لافروف، ناقشا خلاله التطورات الإقليمية والدولية، خصوصا ما يتعلق باغتيال سليماني. كما بحث ظريف الملف مع نظيره الطاجكي سراج الدين مهر الدين. وتلقى الوزير الإيراني اتصالا من نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، تناول موضوع مقتل سليماني.

المساهمون