ما بعد تقدّم الحوثيين: معادلة جديدة ميدانياً وسياسياً

سيناريوهات ما بعد تقدّم الحوثيين: معادلة جديدة ميدانياً وسياسياً

31 يناير 2020
تترقب مأرب والجوف معارك جديدة (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
جاء إعلان جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في اليمن، عن حصيلة العمليات العسكرية التي نفّذتها للتقدّم في مناطق سيطرة قوات الحكومة، في أطراف صنعاء وحتى مأرب، ليعزز المعلومات المتواترة منذ أيام عن تقدّم محوري حققه مسلحو الجماعة، من شأنه أن يلقي بظلاله على معادلة موازين القوى وفرص تقدّم القوات الحكومية شمالاً، وصولاً إلى تهديد المناطق الخاضعة لسيطرتها، مع إمكانية أن تتحوّل إلى هجوم معاكس، إذا ما حصلت على دعم مناسب من التحالف المفترض لدعمها. وخلال اليومين الماضيين، أفادت مصادر ميدانية في قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية، لـ"العربي الجديد"، بأن المواجهات الميدانية تواصلت على مختلف الجبهات، بما فيها أجزاء من منطقة نِهم، التابعة إدارياً لمحافظة صنعاء، بالإضافة إلى جبهة صرواح، في مأرب، وحتى أجزاء من الجوف، مشيرة إلى تعزيزات كبيرة متواصلة من الطرفين، من شأنها أن ترفع من وتيرة المعارك في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة.

وعلى الرغم من مرور أيام على فقدان الشرعية السيطرة على مواقع استراتيجية في منطقة نِهم، بما فيها الفرضة، ودفع القوات الحكومية بتعزيزات لاستعادتها، إلا أن المصادر أكدت أن الحوثيين ما يزالون يحتفظون بالسيطرة على غالبية المناطق في نِهم، واستقدموا المزيد من التعزيزات لتأمين المناطق التي سيطروا فيها، في مقابل تقدّم محدود لقوات الشرعية في منطقة صرواح، عند أطراف مأرب الغربية المحاذية لصنعاء.

وفي الوقت الذي بات واضحاً فيه أن معادلة جديدة في المعركة الميدانية بين قوات الشرعية والحوثيين، فرضتها تطورات الأسبوعين الماضيين، تبرز العديد من السيناريوهات للمرحلة المقبلة، على ضوء التحوّلات التي لا يقتصر تأثيرها على الجانب الميداني، بل كذلك على المستوى السياسي، بالنسبة للشرعية، التي يضيق الخناق حول مناطق سيطرتها شمالاً، بعدما تعرضت سلطتها لتجريف في المحافظات الجنوبية، في النصف الأخير من العام الماضي.

وفي مقدمة السيناريوهات المتداولة يمنياً، في أعقاب تطورات صنعاء - مأرب، استمرار المواجهات الدائرة بوتيرة متصاعدة، من أطراف صنعاء وحتى مأرب والجوف، إذ تسعى القوات الحكومية لوقف تقدّم الحوثيين واستعادة ما يمكن استعادته من المواقع التي فقدتها، باعتبارها وجودية للحكومة الشرعية، في مركز ثقلها العسكري شمالاً، ولكون تقدّم الحوثيين اعتمد على التخطيط العسكري واستغلال ثغرات ميدانية، ترى قوات الشرعية أن بالإمكان استدراكها، أكثر من كونه تقدّماً باستخدام القوة العسكرية وحدها، وهو ما يفسر التحوّل السريع، خلال أيام معدودة.




وعلى الرغم من دعوات التهدئة التي يطلقها الدبلوماسيون الدوليون، بما في ذلك المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، إلا أن التحوّلات الميدانية وحدها تتحكم في حسابات قادة ومسؤولي القوات الحكومية في مأرب والأطراف السياسية المؤيدة لها. وحتى بالنسبة للتحالف، السعودية بدرجة أساسية، فإن تقدّم الحوثيين وانتقال حطوط التماس في المعارك إلى القرب من مناطق مركزية كمأرب النفطية وحتى الجوف الحدودية، يمثل أمراً قد لا يكون الرد عليه سوى مسألة وقت.

في الأثناء، يبرز السيناريو الآخر، والذي لا يختلف كثيراً عن استمرار التصعيد، ولكن مع إمكانية استمرار تقدّم الحوثيين لانتزاع السيطرة في الجوف ومأرب، وهما أبرز محافظتين تنتشر فيهما قوات الشرعية وسط وشمال البلاد. ومن شأن استمرار التقدّم، أن يمثل بالنسبة للجماعة نصراً كبيراً على مختلف المستويات، ليس أقلها إضعاف الحكومة الشرعية إلى أضعف حد ممكن، وتغيير موازين القوى لصالح الحوثيين إلى حد كبير، وصولاً إلى أن التقدّم يمكن أن يلقي بظلاله على مختلف جبهات المواجهات على غرار تعز والحديدة، إذ ستصبح أضعف أمام الجماعة.

وفي ظل جملة من المعطيات السياسية والميدانية، والتي تجعل من إمكانية استمرار تقدّم الحوثيين، أمراً صعباً، فإن احتمالاته وإن كانت ضعيفة، تبقى واردة، على ضوء الهزائم النفسية التي لحقت بأطراف الشرعية وجيشها، نتيجة تقدّم الجماعة، كذلك إذا ما كان هناك ضوء أخضر من التحالف السعودي الإماراتي، أو تغاضٍ، يسعى للضغط على أطراف داخل الشرعية، في إطار تسوية من نوعٍ ما مع الحوثيين، أو على صعيد الوضع في المحافظات الجنوبية، خصوصاً ما إذا كانت هناك رغبة من أطراف ما، بتمكين الحوثيين من استكمال السيطرة شمالاً، كخدمة لمشروع إعادة تقسيم البلاد، بناءً على حدود ما قبل إعادة توحيد اليمن في عام 1990.
في المقابل، يعيد تقدّم الحوثيين في المعارك مع القوات الحكومية شمالاً، إلى الأذهان تقدّم الجماعة جنوباً في الأشهر الأولى من عام 2015، وهو ما يعني أن السيناريو الثالث لتطورات ما بعد التقدّم الأخير للجماعة، قد ينقلب ضدها، كما حصل عندما تقدّمت إلى عدن في مارس/آذار 2015. لكن استدعاء ذلك لا يعني بالضرورة أن تبدأ "عاصفة" عمليات عسكرية جديدة، على نطاق واسع ضد الجماعة كما حصل قبل سنوات، بقدر ما إن كل الاحتمالات مفتوحة، لتطورات ميدانية، على الاتجاه المضاد، على الأقل، كما حدث جنوباً في عدن في أغسطس/آب 2019، عندما تحوّلت انتصارات ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، في عدن، إلى خسائر وتراجع في محافظة شبوة.

في هذه الأثناء، يأتي السيناريو الرابع، على الصعيد السياسي، وهو أن تُسفر التحوّلات الميدانية غير السارة بالنسبة للشرعية، لدفعها نحو طاولة المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، على أن يتم إبرام تهدئة من نوعٍ ما، توقف المعارك حيث الحدود الراهنة. لكن المنطقي هو أن الذهاب إلى طاولة مفاوضات، في ظل موقف ميداني للحوثيين، يجعل الجماعة في وضعٍ قد لا ترغب معه في تقديم التنازلات الكافية لنجاح أي عملية سلام، وهو ما يعني أن سيناريو التهدئة على ضوء التصعيد والنتائج الأخيرة، إن حدث، سيبقى في حدود "المؤقت"، على الأرجح.

وفي كل السيناريوهات يبقى المؤكد أن التقدّم الذي حققه الحوثيون، يمثل تطوراً محورياً سيلقي بظلاله على مختلف الخيارات والتطورات العسكرية والسياسية المحتملة في الفترة المقبلة. كما أن الأخطر في التقدّم، بالنظر إلى جملة من العوامل الميدانية، لا يجعل الوضع مؤهلاً لتهدئة طويلة الأمد، إذ إن الحوثيين عملياً في موقف ميداني يهدد بمزيد من التقدم نحو مأرب والجوف، وهو ما يجعل الوضع مفتوحاً على كافة الاحتمالات، أضعف ما تكون في شقها السياسي.