معضلة إيران

معضلة إيران

03 يناير 2020
إيرانيون ينددون باغتيال سليماني في طهران (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن اغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني مستبعداً، وإن كانت العملية نفسها جاءت مفاجئة بفعل مكان تنفيذها وتوقيتها: مع وصول سليماني إلى العراق، قادماً من سورية، في ساعات متأخرة من مساء الخميس ـ الجمعة، بما يشير إلى دقة المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها الولايات المتحدة وأجهزتها المختلفة، مثلما يشير إلى واقع اختراق حزام الحصانة والسرية التي يفترض أن تلف تحركات رجل في حجم سليماني، على الأقل وفق الوصف والأهمية التي أولاها له النظام الإيراني، والخطر الذي نسبه له محور أعدائه، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة ودولة الاحتلال.

يشير اغتيال سليماني أيضاً إلى أن إدارة دونالد ترامب خطت خطوة أخرى في خيار المواجهة العلنية مع إيران نفسها، بعدما استهدفت قائداً عسكرياً من الجهاز الإيراني نفسه وليس من وكلاء إيران أو المليشيات الموالية لها، سواء في سورية أو العراق. هذا كله يرجح كفة التقديرات بأن الإدارة الأميركية تسعى لتحقيق نصر معنوي أو "كيّ الوعي الإيراني"، وتوجيه رسالة لأتباع إيران ومليشياتها بأنها تجاوزت الحدود في أحداث السفارة الأميركية في بغداد، وضربت عصباً أميركياً، ونكأت جرحاً تاريخياً في العلاقات الأميركية مع المنطقة، لتعيد للأذهان ما حدث في السفارة الأميركية في طهران مباشرة بعد ثورة الخميني عام 1979.

لكن في الوقت الذي صدرت فيه أصوات أميركية، خصوصاً من الحزب الديمقراطي، تندد بخطوة الاغتيال وعدم شرعيتها لعدم الحصول على إذن من الكونغرس، فإن عملية اغتيال سليماني تضع إيران هذه المرة أمام اختبار صعب ومعضلة غير عادية في سياق بحثها عن رد على هذه العملية.

صحيح أن إيران سارعت لتعيين نائب سليماني خليفة له، وأصدرت تهديدات بردٍ قاس وموجع، إلا أنه من الواضح أنه سيكون على الجمهورية الإسلامية أخذ عوامل كثيرة في الحسبان، وأن تجري حساباتها جيداً، كي لا تنتقل من مواجهة متواصلة منضبطة الإيقاع إلى فقدان السيطرة على عملياتها وبالتالي الانجرار إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، قد تكون إيران نفسها ساحتها وليس العراق أو سورية كما كان الحال لغاية الآن.
اغتيال سليماني يزيد من حرج النظام الإيراني في اعتماد معادلات "الرد في الوقت والمكان والمناسبين"، لأن العملية تشكل تصعيداً خطيراً، وبادرة تغيير لما بدا أنها سياسة احتواء وامتصاص للضربات اعتمدتها إدارة ترامب حتى الآن وقد تكون مؤشراً لعودة أميركية أكثر حضوراً وتهديداً.

المساهمون