الأردن بمواجهة "صفقة القرن": مقاومة الخطة بلا رفض مطلق

الأردن بمواجهة "صفقة القرن": مقاومة الخطة بلا رفض مطلق

30 يناير 2020
من تظاهرات في عمّان ضد الصفقة (ليث الجنيدي/ الأناضول)
+ الخط -
يجد الأردن نفسه معنياً مباشرةً بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، والمعروفة بـ"صفقة القرن"، بسبب التاريخ والجغرافيا والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تربط الأردن وفلسطين. فالمملكة الأردنية، التي تربطها أطول حدود مع فلسطين المحتلة، تستضيف الملايين من الفلسطينيين الذين هُجّروا بسبب الاحتلال.
ولم يهمل ترامب الجانب الرمزي الذي تمثله القدس بالنسبة إلى الأردن، عندما قال خلال إعلان الصفقة الثلاثاء، إنه سيعمل مع العاهل الأردني عبد الله الثاني، لضمان وصول المصلين إلى المسجد الأقصى، داعياً إلى الحفاظ على الوضع القائم وإبقاء الحرم القدسي تحت إشراف الأردن.
لكن الجانب الخطير في الاتفاقية، الذي يمسّ المملكة بشكل كبير، هو قضية اللاجئين، إضافة إلى الخطر المترتب عن إعلان واشنطن استعدادها للاعتراف بسيادة إسرائيل على غور الأردن، المنطقة الاستراتيجية الواقعة على حدود المملكة، وتُعتبر أساسية لأمنها القومي.

وجاء الرد الأردني الرسمي على الصفقة على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي، في بيان بعد إعلان الخطة الأميركية، قال فيه: "إن المبادئ والمواقف الثابتة للمملكة الأردنية إزاء القضية الفلسطينية والمصالح الوطنية الأردنية العليا هي التي تحكم تعامل الحكومة مع كل المبادرات والطروحات المستهدفة حلها". وحذر الصفدي من "التبعات الخطيرة لأي إجراءات أحادية إسرائيلية تستهدف فرض حقائق جديدة على الأرض، مثل ضمّ الأراضي وتوسعة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانتهاك المقدسات في القدس"، مشدداً على "إدانة الأردن لهذه الإجراءات التي تُعتبر خرقاً للقانون الدولي وأعمالاً استفزازية تدفع المنطقة باتجاه المزيد من التوتر والتصعيد".

من جهته، قال النائب الأردني نبيل غيشان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "صفقة القرن" تتعارض مع اتفاقية السلام الموقّعة بين الأردن ودولة الاحتلال، مضيفاً أن هذه الخطة معادية للمصالح الأردنية والمشروع التحرري الفلسطيني، وتتجاوز الشرعية الدولية، مشدداً على أن عمّان اليوم أمام خيارات صعبة. ولفت إلى أن الموضوع الأهم والأخطر هو قضية اللاجئين، مشيراً إلى أن هذه الصفقة تغلق ملف اللاجئين وتطلب استيعابهم في الدولة الفلسطينية، أو الدول المستضيفة، وهذا كله مضرّ بمصالح الأردن الاستراتيجية، في ظل الخطة المنحازة بشكل كامل إلى دولة الاحتلال على حساب جميع الأطراف الأخرى.
ورأى غيشان أن لا خيار أمام الأردن سوى الرفض، فالموقف الرسمي جاء ملتزماً الثوابت الأردنية، لافتاً إلى أن الصفقة لم تعطِ الأردنيين أو الفلسطينيين أي شيء حقيقي. ودعا إلى انتفاضة فلسطينية من الداخل، معتبراً أنه بخلاف ذلك ستكون هناك رسالة للرئيس الأميركي أن الصفقة مقبولة، مطالباً الشعوب العربية وفلسطينيي الشتات بدعم صمود الفلسطينيين في أرضهم.

أما الكاتب والصحافي المختص في الشأن الفلسطيني داود كتاب، فرأى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الأخطر في الصفقة بالنسبة إلى المملكة هو ضم غور الأردن إلى إسرائيل، فوجود قوات إسرائيلية على نهر الأردن يعني أن هناك حدوداً إجبارية للأردن مع الاحتلال، وهو ما سيخلق وضعاً متوتراً ويؤثر في الأمن القومي الأردني.
واعتبر أن موضوع اللاجئين مقلق جداً، مع رفض الصفقة عودة أي لاجئ أو التعويض، خصوصاً أن الكثير منهم يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة في الأماكن التي يعيشون فيها، وحتى بوجود دولة فلسطينية فعلى إسرائيل أن توافق على نسبة العائدين، وهو أمر يعني أن وضع اللاجئين سيستمر بلا حل، وهذه القضية من الأولويات الأردنية. وأضاف أنه إذا كانت الصفقة تمثّل اتفاقية حل نهائي من وجهة النظر الأميركية، فهذا يتعارض مع اتفاقية أوسلو، واتفاقية السلام الموقّعة بين الأردن وإسرائيل التي تنص على ضرورة أن يكون لعمّان دور ورأي في قضايا الحل النهائي المتعلقة بالقدس، مشيراً إلى أن الكثير من تفاصيل الصفقة موجودة على أرض الواقع.


من جهته، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، أيمن الحنيطي، لـ"العربي الجديد"، إن قضية اللاجئين أُسقطت تماماً، وهي أحد الملفات الأساسية للأردن. وحول القدس، أشار إلى أن هناك حديثاً عن الحفاظ على الدور الأردني، لكن هناك تغيراً في المعاني "كاستخدام حرية العبادة للمؤمنين"، وهي عبارة خطيرة تعني فتح الأماكن المقدسة أمام الجميع، ولهذا رحبت جمعيات الهيكل الصهيونية بهذا البند في صفقة ترامب، وهذا على حساب الدور الأردني الحالي.
ولفت إلى أن "90 في المئة مما سُرِّب عن الصفقة سابقاً تطابق مع ما أعلنه ترامب الثلاثاء، وهو في الأساس ينطلق من خطة آلون التي وُضعت قبل نحو نصف قرن، مع الأخذ باقتراحات جديدة مثل فكرة تبادل الأراضي من أفيغدور ليبرمان، والنفق بين الضفة وغزة من إيهود باراك". وأضاف: "الأخطر ربط تفاصيل الصفقة وحركة الفلسطينيين بالمعابر، فهذه الصفقة تعمل على خلق سجن كبير للفلسطينيين وخنقهم، وهم لن يجدوا مخرجاً من الظروف الصعبة إلا إلى الأردن، خصوصاً في ظل عدم وجود مطار للفلسطينيين".

من جهته، قال الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الأردن في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية سيقاوم "صفقة القرن" برفض كل ما يضرّ بمصالحه، مع الاستفادة من البنود الإيجابية، فالرفض الأردني للصفقة لن يكون بشكل مطلق. وأضاف أن الأردن من أكثر الدول مقارنة بحجم السكان في الحصول على المساعدات الأميركية، لكن هذا لن يمنعه من التمسك بثوابته المرتبطة بحل الدولتين، على أمل أن يحصل تغيير في الولايات المتحدة في الانتخابات المقبلة، إضافة إلى العمل الدبلوماسي مع الدول الأوروبية الداعمة لحل الدولتين. ورأى شنيكات أن أكبر أخطار الصفقة مرتبط بالحديث عن يهودية الدولة، الذي يعني بالنتيجة التضييق على الفلسطينيين، ومحاولة إجبارهم على الرحيل خارج وطنهم.

وحاول القائمون على الصفقة تزيينها بمشاريع ودعم اقتصادي، وبحسب الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض، قُدر الدعم المالي للأردن بنحو 7.3 مليارات دولار من مجمل حجم التمويل المقدر بنحو 50 مليار دولار، منها 1.7 مليار دولار كمنح، 2.9 مليار دولار كقروض و2.7 مليار كاستثمارات من القطاع الخاص.
وأظهرت الوثيقة المشاريع التي استهدفتها الخطة بالنسبة إلى الأردن، منها دعم الطرق والبنى التحتية الرئيسية للتجارة بين الضفة الغربية وغزة وحمايتها بشكل آمن للنقل والتجارة، إضافة إلى مشاريع لتطوير المطارات الأردنية، إذ سيُطوَّر مطار الملك الحسين في العقبة، ومطار ماركا، وسيُبنى مطار جديد في منطقة الشونة، وخصص لهذا المشروع 650 مليون دولار، منها 325 مليوناً كقروض، و325 مليوناً كدعم من القطاع الخاص ولمدة 6 سنوات، إضافة إلى إنشاء نظام باص جديد يربط بين عمّان والزرقاء بقيمة 150 مليون دولار لمدة 4 سنوات، ودعم الطاقة البديلة في الأردن بقيمة 150 مليون دولار لمدة 3 سنوات.

وتتضمن الخطة تطوير الحدود المحاذية للبحر الميت والعقبة بقيمة 400 مليون دولار لمدة 6 سنوات، ومنطقة نهر الأردن بقيمة 250 مليون دولار لمدة 6 سنوات. وتشمل الخطة توفير قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة بقيمة 125 مليون دولار ولمدة سنتين.
وتشمل الخطة تخصيص مليار و825 مليون دولار لدعم مشروع السكك الحديدية الوطني المقترح من الأردن لتطوير شبكة سكة حديد إقليمية، ومن المتوقع أن تشمل خط سكة حديد يربط عمان بالعقبة، وإمكانية تمديد السكك الحديدية الإضافية إلى الخليج العربي. كذلك تخصص ملياراً و500 مليون دولار لتحسين البنية التحتية للطرق في الأردن، بما في ذلك الممرات الرئيسية الأربعة، اثنان منها مخصصان أساساً للمناطق الإقليمية التجارية، ويمكن أن يدعما زيادة التجارة مع الضفة الغربية وقطاع غزة. كذلك تخصص ملياراً و400 مليون لدعم إنشاء منتجع مبني على أرض تقع شمال ساحل العقبة ومجاورة لمشروع مرسى زايد وتطوير كورنيش العقبة وبناء مدينة ألعاب مائية وحدائق بيئة وشواطئ وفنادق وتطوير العروض السياحية لدعم القطاع السياحي في الأردن.

المساهمون