ليبيا: حراك ألماني لتطبيق مخرجات برلين

ليبيا: حراك ألماني لتطبيق مخرجات برلين

27 يناير 2020
من تظاهرات في طرابلس احتجاجاً على خروقات حفتر(حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -
مع استمرار خروقات مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر للهدنة المعلنة في ليبيا منذ 12 يناير/كانون الثاني الحالي، أكان في طرابلس أم قرب مصراتة، تزداد مسؤولية الأطراف الدولية والإقليمية التي اجتمعت في مؤتمر برلين في 19 الحالي، واتفقت على الحفاظ على الهدنة تمهيداً للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، خصوصاً في غياب أي حراك دولي لوقف هذه الخروقات. في هذه الأجواء، برز إعلان ألمانيا أنها تعمل مع شركائها لإصدار قرار في مجلس الأمن الدولي لتنفيذ مقررات مؤتمر برلين.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أن بلاده "تعمل مع شركائها من أجل إصدار قرار في مجلس الأمن الدولي يجعل من الإلزامي تنفيذ قرارات مؤتمر برلين"، مضيفاً "القرار سيشمل أيضاً فرض عقوبات في حال انتهاك حظر صادرات السلاح (المفروض على ليبيا منذ 2011)". وقال ماس، في مؤتمر صحافي في برلين عقب لقائه الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، إن على الاتحاد الأوروبي المساعدة من أجل تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين، مضيفاً أنه "جرى اتخاذ خطوات مهمة في مؤتمر برلين من أجل تحقيق التقدم في العملية السياسية بليبيا، ووقف إطلاق النار". وأضاف: "على الرغم من ذلك ما زال الطريق طويلاً وصعباً... متفقون على ضرورة أن يساعد الاتحاد الأوروبي بكل قوته في تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين على الأرض".

وفي الحراك السياسي أيضاً، بحث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في اتصال هاتفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اليوم، تطورات الأوضاع في ليبيا وتداعياتها. وذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا) أن الأمير أكد دعم قطر مخرجات مؤتمر برلين. كما أكد الجانبان ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار والتهدئة وإفساح المجال للحوار، وذلك حفاظاً على أرواح الليبيين وحقناً للدماء، وفق الوكالة.

لكن المساعي السياسية لهدنة دائمة في ليبيا تصطدم بمواصلة مليشيات حفتر هجماتها. وأكد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، عبد المالك المدني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الأوضاع لا تزال تشهد توتراً واشتباكات في أغلب المحاور. وبشأن منطقة أبوقرين قرب مصراتة التي كانت قوات الحكومة قد استعادتها الأحد بعد أقل من ساعة من اقتحام مليشيات حفتر لها، أوضح المدني أنها "تحت سيطرة قواتنا بشكل كامل، فيما جرت اشتباكات بشكل عنيف ليل الأحد الإثنين في اتجاه منطقة الوشكة على الطريق الرابط بسرت". وعن محاور القتال في طرابلس، قال إنها "شهدت اشتباكات متقطعة بعضها في محور الزطارنة"، و"أخرى في منطقة الخلاطات وصلاح الدين، حيث استهدفت مدفعيتنا ثلاث منصات لإطلاق الهاون ودمرتها بالكامل".
وكان المتحدث الرسمي باسم قيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، برر فشل الهجوم على أبوقرين بأنه كان استباقاً لهجوم كانت تعد له قوات الحكومة، وبالتالي الهجوم "لا يعد خرقاً للهدنة". فيما اكتفت البعثة الأممية في ليبيا ببيان استنكرت فيه الاعتداء المتكرر على مطار معيتيقة، من دون أن تسمي الطرف المعتدي. وطالبت البعثة، في بيانها ليل الأحد، أطراف النزاع في ليبيا بعدم التصعيد والالتزام بالهدنة.


أمام هذا الوضع، قال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إنه "سيكون مضطراً لإعادة النظر بأي حوار سياسي أمام خروقات مليشيات حفتر للهدنة وقصفها الأحياء المدنية". ودعا المجلس، في بيان نشره مكتبه الإعلامي، الأطراف الدولية المشاركة في قمة برلين لتحمّل مسؤولياتها "تجاه خروقات الهدنة ومقررات المؤتمر". وقال إنه من المحتمل أن يعيد "النظر في مشاركته في أي حوارات بسبب خروقات" مليشيات حفتر للهدنة، محمّلاً المشاركين في قمة برلين "المسؤولية عن عدم التزام الطرف الآخر"، مؤكداً أنه "وقّع على وقف إطلاق النار استجابة لتدخّلهم وتقديراً لمكانتهم". وتابع "لكن القوات المعتدية خرقت الهدنة، إذ تساقطت صواريخها على منطقتي عرادة وسوق الجمعة ومطار معيتيقة المدني في طرابلس"، مضيفاً أن مليشيات حفتر "نفذت مع مرتزقة هجوماً برياً على مناطق أبو قرين والقداحية والوشكة، مدعومة بطيران أجنبي".

في غضون ذلك، أعلنت الأمم المتحدة، أن طائرات دولة أجنبية، داعمة لحفتر، مسؤولة عن مقتل 53 مهاجراً ولاجئاً في غارات على مركز احتجاز بالعاصمة طرابلس في 2 يوليو/تموز الماضي. جاء ذلك في تقرير نشرته بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا ومكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويستند إلى زيارات أجراها أفراد البعثة إلى موقع الغارات، وإلى تحليل لقطات من فيديوهات، فضلاً عن مقابلات مع ناجين وشهود، بحسب موقع البعثة الإلكتروني.
ورجح التقرير أن طائرات تابعة لدولة أجنبية نفذت الغارات، لكن "لا يزال غير واضح ما إذا كانت هذه الطائرات خاضعة لإمرة الجيش الوطني الليبي (مليشيات حفتر) أو تم تشغيلها تحت إمرة تلك الدولة الأجنبية، دعماً للجيش الوطني الليبي". ولفت التقرير إلى أن الهجوم قتل 47 رجلاً وستة من الصبية على الأقل في مركز احتجاز تاجوراء شرقي طرابلس، وهو "أحد أكثر الحوادث دموية منذ اندلاع الأعمال العدائية في إبريل 2019". ودعا التقرير "أطراف النزاع كافة لإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة ودقيقة، لضمان المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي". وشدد على ضرورة "اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع وقوع مأساة مماثلة في النزاع، الذي قُتل فيه ما لا يقل عن 287 مدنياً وأصيب 369 مدنياً في 2019، و60 في المئة من هذه الخسائر سببها الغارات الجوية".

وقال المبعوث الأممي غسان سلامة، في التقرير ذاته، إن هجوم تاجوراء هو "مثال مأساوي على الكيفية التي أصبح بها استخدام القوة الجوية سمة مهيمنة في الصراع المدني الليبي، وعلى المخاطر والعواقب المباشرة للتدخل الأجنبي على المدنيين". وتابع: "لهذا السبب يتعيّن ترسيخ الالتزامات، التي تم التعهد بها في (مؤتمر) برلين، لإنهاء هذا التدخل والالتزام بحظر الأسلحة، الذي تفرضه الأمم المتحدة". فيما قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشال باشليه، إن "هجوم تاجوراء قد يرقى إلى جريمة حرب ولا بد من محاسبة المذنبين بارتكاب هذه الجرائم، بموجب القانون الدولي".