النظام السوري يحاول محاصرة معرة النعمان تجنباً لحرب شوارع

النظام السوري يحاول محاصرة معرة النعمان تجنباً لحرب شوارع

28 يناير 2020
استمرار نزوح آلاف المدنيين جراء هجوم النظام(عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -


اقتربت قوات النظام السوري من فرض حصار على مدينة معرة النعمان، كبرى مدن محافظة إدلب، محاولة تجنّب الدخول في "حرب شوارع" يمكن أن تكون تكلفتها كبيرة على هذه القوات التي لا تتحرك إلا بعد تمهيد ناري روسي تؤكد مصادر محلية أنه "غير مسبوق يكاد يأتي على كل شيء في الشمال الغربي من سورية"، ما يؤكد تصميم موسكو على معادلات سيطرة جديدة بقوة النيران. وأدى القصف الروسي إلى تغييرات كبيرة في سير المعارك يومي السبت والأحد الماضيين، مسبباً مآسي إنسانية كبرى في الشمال الغربي من سورية الذي يشهد حركة نزوح كبيرة للمدنيين.

وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن قوات النظام، بعد وصولها إلى مشارف معسكر وادي الضيف وقرية الزعلانة، واصلت تقدّمها في محور معصران شمال شرق معرة النعمان، وسيطرت على البلدة وعلى قرية تل الشيح بعد معارك عنيفة مع الفصائل، لتفرض سيطرتها نارياً على الطريق الدولي بين المعرة وسراقب. وأكدت المصادر وصول قوات النظام إلى الطريق الدولي "ام 5" شمال معرة النعمان، مشيرة إلى أنها تحاول التقدّم إلى غرب الطريق الدولي، والوصول إلى طريق معرة النعمان-أريحا في أطراف جبل الزاوية، وبالتالي إطباق الحصار على المعرة من الجهات كافة باستثناء الجهة الغربية.

من جهته، ذكر موقع "بلدي نيوز" الإخباري المعارض أن "قوات النظام بسطت سيطرتها على قرى: معصران، وبابيلا، والدانة، والصوامع، المتاخمة لمدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، واستطاعت قطع الأوتوستراد الدولي المعروف بـ"ام 5". وأشار إلى أن قوات النظام أصبحت على مقربة من قريتي بينين وحنتوتين في منطقة جبل الزاوية، لتكشف كل أحياء معرة النعمان السكنية بغية محاصرتها كي تضطر الفصائل المقاتلة إلى الانسحاب، وبذلك تتجنّب هذه القوات حرب شوارع يمكن أن تكون تكلفتها عالية.

وفي السياق، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى استمرار المعارك العنيفة على محاور عدة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، بين الفصائل من جهة، وقوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة أخرى، وذلك في هجوم متواصل للأخيرة لليوم الثالث على التوالي بغطاء ناري كثيف، إذ استهدفت قوات النظام محاور القتال والخطوط الخلفية بآلاف القذائف الصاروخية والمدفعية، بالإضافة إلى عشرات الضربات الجوية. وتحدث المرصد عن مزيد من التقدم لقوات النظام في إدلب، تمثل بالسيطرة على كل من معصران وخربة مزين وتل الشيخ والصوامع، فيما خلّفت المعارك مزيداً من القتلى والجرحى في صفوف الطرفين. وأفاد المرصد بأن قوات النظام سيطرت منذ مساء الجمعة على 14 منطقة، هي: تلمنس ومعرشمشة والدير الشرقي والدير الغربي ومعرشمارين ومعراتة والغدفة ومعرشورين والزعلانة والدانا وتل الشيخ والصوامع وخربة مزين ومعصران.

وغير بعيد عن مدينة معرة النعمان وريف إدلب، فشلت قوات النظام في التقدّم في ريف حلب، إذ قالت "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم فصائل المعارضة في شمال غربي سورية في بيان لها، إنها صدّت محاولة تقدّم لقوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها على محور إكثار البذار في ريف حلب الغربي، وقتلت وجرحت العشرات من عناصرها. وقالت مصادر من المعارضة المسلحة لـ"العربي الجديد" إنه وقعت اشتباكات وقصف متبادل إثر محاولة قوات النظام التقدم على محور "جمعية الصحفيين" في ريف حلب الغربي أيضاً.
ووصف العقيد مصطفى البكور، القيادي في فصائل المعارضة، ما يجري في محافظة إدلب بأنه "اجتياح روسي إيراني للشمال السوري المحرر"، مشيراً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الموقف العسكري على الأرض "معقّد"، مجدداً التأكيد أن الفصائل "اختارت المقاومة وفق الإمكانات المتاحة".

وقصف الطيران الروسي ومروحيات النظام بشكل عنيف فجر وصباح أمس الاثنين ريف إدلب، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين في مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، وفي بلدة بزابور في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب، وقرية شنان بريف إدلب الجنوبي. ووفق المرصد السوري، نفذت طائرات روسية غارات مكثفة على أطراف أريحا وأطراف سراقب وجبل الأربعين ومعرة النعمان والبارة وخان السبل ورويحة والجرادة، بالإضافة إلى محاور القتال وريف سراقب بريف إدلب، وخان العسل الراشدين وكفرناها والمنصوره وداعل غربي حلب، وشوحنة وكفرحمرة ومنطقة الليرمون شمالي حلب، وخلصة وحميره وخان طومان والزربة وزيتان جنوبي حلب. كذلك شنّت طائرات النظام الحربية غارات على كل من: حاس ومعرة حرمة ومعرزيتا ومعرة النعمان ومحيطها وأطرافها ومحاور القتال وريف بلدة سراقب، ومناطق أخرى في ريفي حلب الغربي والجنوبي.


من جهتها، تحدثت وسائل إعلام تابعة للنظام عن أن مدينة معرة النعمان "أصبحت قاب قوسين أو أدنى من السقوط في قبضة" قوات النظام. ونقلت صحيفة "الوطن" عن مصدر في هذه القوات قوله إنها سيطرت على تلة المحروقات ورحبة خان طومان في ريف حلب الجنوبي، مشيراً إلى أن هذه القوات "مهدت بصنوف الأسلحة المختلفة، على طول جبهات القتال في القطاع الغربي من المدينة، ابتداءً من مستديرة الليرمون والصالات الصناعية وجمعية الزهراء، وصولاً إلى منطقة الراشدين 4، ومروراً بمحاور إكثار البذار في حيّ الزهراء وتلة شويحنة ومنطقة البحوث العلمية".

وبات جلياً أن قوات النظام تريد السيطرة على المدن الأربع الأكثر أهمية في ريف إدلب، وهي سراقب في الريف الشرقي، ومعرة النعمان وأريحا في الريف الجنوبي، وجسر الشغور في الريف الغربي. وفي المرحلة الأولى تضع هذه القوات على رأس أولوياتها السيطرة على معرة النعمان وسراقب لتأمين طريق حلب-حماة، ومن ثم تعمل على السيطرة على أريحا وجسر الشغور لتأمين طريق حلب-اللاذقية على الساحل في غربي البلاد.
ومن المستبعد في المدى المنظور أن تتجه قوات النظام إلى مدينة إدلب مركز المحافظة، فهذه القوات تريد السيطرة على الطريقين المذكورين وتضييق الحصار على الفصائل في بقعة جغرافية ضيقة تضم نحو 4 ملايين مدني، ومن الواضح أن النظام يعوّل على ضغط من قبل هذه الملايين على الفصائل لتوقيع اتفاقات هي أقرب إلى صكوك الاستسلام.

من جهتها، نقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام عن مصدر عسكري أمس زعمه أن ما سمّاها "التنظيمات الإرهابية في إدلب وغرب مدينة حلب" تحضّر لـ"فبركة هجوم كيميائي لاتهام الجيش السوري ودفعه إلى وقف عملياته في تلك المناطق"، وفق قوله. ويأتي هذا الزعم مؤشراً على نيّة قوات النظام والروس استخدام الغازات السامة لإخضاع الفصائل كما في غوطة دمشق الشرقية في إبريل/ نيسان 2018، حين استخدم النظام السلاح الكيماوي لإجبار فصيل "جيش الإسلام" المعارض على تسليم مدينة دوما.

ورأى القيادي السابق في الجيش السوري الحر المقدم سامر الصالح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما يجري في إدلب يؤكد الخلاف التركي الروسي، وعدم الاتفاق التركي الأميركي، في ظل صمت دولي عن الروس. وأشار إلى أن الروس بصدد اجتياح كامل إدلب "إلا إذا منعهم الأميركيون"، مضيفاً: "المنع الأميركي يكون بتزويد الفصائل بالسلاح النوعي". وأرجع الصالح سبب تراجع الفصائل إلى عدم القدرة على المبادرة وانتظار الرد والدفاع فقط، مضيفاً: "لقد تُرك الروس يختارون المحور المناسب لهم، علاوة على عدم وجود خطط عسكرية بديلة وغرف عمليات حقيقية لدى الفصائل".

على الصعيد الإنساني، لا يزال عشرات آلاف المدنيين ينزحون من أرياف إدلب وحلب نحو المجهول في الشمال السوري للنجاة بأرواحهم من قصف الطيران الروسي وبراميل مروحيات النظام. وقال فريق "منسقو استجابة سورية" في بيان أمس، إن حركة نزوح جديدة بدأت في ريف إدلب، من مناطق سراقب وأريحا وخان السبل، مضيفاً أن فرقه الميدانية سجلت نزوح 5,314 عائلة خلال أربع وعشرين ساعة.
وأضاف الفريق أنّ حالة الطوارئ رُفعَت لدى الفرق الميدانية في مناطق سراقب وخان السبل وأريحا من أجل الاستجابة لحركة النزوح الجديدة. وطالب المجتمع الدولي بإدانة التصعيد العسكري الذي تقوم به روسيا وقوات النظام باعتباره خرقاً للقانون الدولي والإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، داعياً مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة الأوضاع في شمالي غربي سورية، وإيجاد آلية فورية لوقف هجمات النظام على المنطقة. ودعا المنظمات الدولية الإغاثية إلى التحرك العاجل من أجل توفير المستلزمات الغذائية والدوائية العاجلة للنازحين الفارين من قصف النظام.

المساهمون