الديمقراطية الحالمة

الديمقراطية الحالمة

27 يناير 2020
على الفخفاخ تغيير نظرة التونسيين السلبية (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
سيضطر التونسيون إلى مزيد من الانتظار، أسابيع أو أشهراً قليلة بحسب تطورات الأحداث، ريثما يتوقف الغربال عن الاهتزاز ويسقط ما يسقط ويحتفظ بما تبقّى، لتتوضح الرؤية ويبرز المشهد التونسي الجديد الذي لم يفهم كثيرون ميكانيزماته ودوافعه، وعجزوا عن توقّع نتائجه.
ولم يفهم كثيرون منا إلى حد الآن من يقف مع من، ومن يعارض من، ولماذا أصلاً وكيف تتم التحالفات، وهل هي بالفعل تحالفات أصيلة تُبنى على عقل سياسي متبصر يعرف إلى أين يتجه، أم هي تكتيكات بسيطة ترقى إلى مجرد عملية بحث عن تموقع سياسي ظرفي سرعان ما يتغير وتتبدد دوافعه؟

مع احتفال التونسيين اليوم بمرور ست سنوات على كتابة دستورهم، يكتشفون مع الأحداث السياسية أنهم بحاجة إلى مراجعة بعض تفاصيله وتغييرها، ولكن بأي اتجاه وعلى أساس أي خيارات؟ لكن ما لا يقولونه هو حجم المخاوف من الارتداد والوقوع في مطبّات جديدة، إذ لم يُوفّق التونسيون إلى اليوم في الاجتماع على خيار سياسي دستوري حول طبيعة نظام الحكم، ويراوحون مكانهم بين نظام برلماني معدّل لم ينجح في إحداث تغيير حقيقي حتى الآن، أو رئاسي عايشوا أهواله وثاروا عليه، لأن المقاربة ظلت سياسية ولم تنبع من إرادة شعبية استشرافية واسعة توضح الخيار أمام الجميع.

الباحث الفرنسي إيمانويل تود أصدر منذ أسبوع كتاباً جديداً، يُتوقع أن يكون كسابقيه مثيراً للجدل، حول "صراع الطبقات في فرنسا في القرن الحادي والعشرين". يقول في إحدى حلقات التفكير حوله إن الديمقراطية ليست مجرد انتخاب شخصيات أو أحزاب لا تستطيع أن تنتج شيئاً، موجّهاً انتقادات لاذعة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لكونه شعبوياً ولا برنامج لديه.

تحضر هذه الأفكار بالضرورة ونحن نتابع تصريح الرئيس المكلّف الجديد بتشكيل الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ، وهو يؤكد أنه "سيعمل على أساس نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية والقيم التي جسّدها الرئيس قيس سعيّد"، وهي مظلة شرعية يبحث عنها الفخفاخ، فهذه الانتخابات هي التي أقصته شخصياً وأقصت حزبه من المشهد، وهو ما يحمل تناقضاً جوهرياً من داخل منظومة تفكيره، بحسب رأي ماركس أو إيمانويل تود.

ما ينبغي على الفخفاخ أن ينتبه إليه إذا كان صادقاً في البحث عن شرعية حقيقية، هو أن 75,5 في المائة من التونسيين يرون أن البلاد تسير في الطريق الخطأ، بحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة سيغما كونساي وجريدة المغرب، في حين كانت النسبة خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 30 في المائة فقط، وهي نسبة ستتغير سريعاً إذا نجح في ترويج حلم حقيقي لديهم. بقي أن يكون لديه حلم حقيقي يتقاسمه معنا.